أرشيف المقالات

القرآن يخلص أبا إسماعيل

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2القرآن يخلِّص أبا إسماعيل   من نظر إلى الإسلام بعين البصيرة، وفكَّر فيه بعقل منصف عرفَ أنه الدين الحق، ومن نظر إلى ما حوله في الوجود، وقرأ الكون قراءة الواعي البصير، وشاهد آيات الله المنشورة في الحياة أقر لله تعالى بالربوبية والوحدانية.   فكيف يبقى إنسان عاقل جاحداً لربه، كافراً بدينه وهو يعلم انقياد الكون كله لله سبحانه وتعالى. إن القرآن الكريم جلَّى هذه القضية باستفهام تعجبي فقال تعالى: ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [آل عمران:83].   والمعنى: "أيريد هؤلاء الفاسقون من أهل الكتاب غير دين الله وهو الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم-، مع أن كل مَن في السماوات والأرض استسلم وانقاد وخضع لله طواعية -كالمؤمنين- ورغمًا عنهم عند الشدائد، حين لا ينفعهم ذلك وهم الكفار، كما خضع له سائر الكائنات، وإليه يُرجَعون يوم المعاد، فيجازي كلا بعمله.
وهذا تحذير من الله تعالى لخلقه أن يرجع إليه أحد منهم على غير ملة الإسلام"[1].   إن هذه الآية الكريمة سمعها أبو إسماعيل الموصلي النصراني فأنصت لها سمعُه ووعاها قلبه فهدته إلى دين الإسلام، فعن عبد الله بن الفرج العابد قال: "كان بالموصل رجل نصراني يكنى أبا إسماعيل، قال: فمر ذات ليلة برجل وهو يتهجد على سطحه، ويقرأ: ﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [آل عمران:83].
قال: فصرخ أبو إسماعيل صرخةً وغشي عليه، فلم يزل على حاله تلك حتى أصبح، فلما أصبح أسلم، ثم أتى فتحاً الموصلي فاستأذنه في صحبته، فكان يصحبه ويخدمه"[2].   لقد وصل الحق إلى سمع أبي إسماعيل رحمه الله فما أعرض عنه، ولا أصم أذنيه، ولا أغلق قلبه دونه، بل فتحهما حتى ولج الحق المبين فأبهره عظمه، وسباه جلاله، وخلق فيه الحياة بعد أن مات تحت ظلال الكفر دهراً: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام:122].   وبعد اهتدائه للإسلام أحب الحفاظ على نور الله الذي أهداه إليه، والتشمير للعمل الصالح بصحبة قدوة صالحة يلتمس منه الأسوة، فصحب لذلك العابدَ فتحًا الموصلي.   وفتح الموصلي هذا شُهر به شيخان عابدان: فتح الموصلي الكبير، وفتح الموصلي الصغير، فأما الكبير فهو: زاهد زمانه فتح بن محمد بن وشاح الأزدي الموصلي، يروي عن عطاء بن أبي رباح، وكان بكَّاء، خوافًا متهجداً.
توفي سنة: (170هـ)، وقيل: سنة: (165هـ) [3].   وأما الصغير فهو: أبو نصر، فتح بن سعيد الموصلي، حدَّث عن عيسى بن يونس، وغيره، توفي سنة: (220هـ)[4].
فالله أعلم أيَّهما صحب أبو إسماعيل.   دروس من قصة الهداية: 1- بيان أهمية إسماع القرآن بين الناس؛ إذ ليس كل الناس يأتي المساجد، ولا كلهم يتعمد سماع القرآن أو قراءته.   2- الهداية بالقرآن مستمرة في كل زمان.   3- الحفاظ على نعمة الهداية بصحبة المهتدين.   4- ما أحسن أن يخبر المهتدي عن سبب هدايته، ويبين الطريق الذي أوصله إلى الخير بعد الشر؛ حتى يستفيد الناس-خاصة الدعاة- من تلك الوسيلة لهداية قوم آخرين.   5- قد يجد المسلم عند الله تعالى أجراً ما كان يعلم به في الدنيا، جاءه من عمل صالح تعدى إلى غيره وما قصد تعديه، فهذا الرجل المتهجد كانت قراءته سببًا لهداية أبي إسماعيل، ولعله ما عرف أنه كان مفتاح إسلامه.


[1] التفسير الميسر، إعداد نخبة من العلماء (1/ 382). [2] مصارع العشاق، أبو محمد الحسيني(1/ 233).
[3] سير أعلام النبلاء، الذهبي (7/ 349).
[4] سير أعلام النبلاء، الذهبي (10/ 483).




شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير