أرشيف المقالات

أعتقد أنه حان الوقت لأن أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
2أعتقد أنه حان الوقت لأن أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله   القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة، ومنبع الهداية الدائم الذي لا يقتصر في هدايته على زمان دون زمان، ولا مكان دون مكان، ولا نوع إنساني دون آخر، إنه الهدى الباقي الذي يخاطب بهدايته جميع الخلق على اختلاف أجناسهم ومستوياتهم وتخصصاتهم وعلومهم، فهو يخاطب البدوي الذي لا يعرف إلا الصحراء، ويخاطب الإنسان الحضري الذي وصل إلى أرقى تطور حضاري، ويخاطب العربي، والأعجمي، والأمي الجاهل، والقارئ والعالم.   لقد سمع القرآنَ العربُ الأوائل الذين نزل القرآن بلغتهم فبهرتهم لغته ونظمه، وبلاغته وأساليبه، ومعانيه التي تأخذ بمجامع القلوب ومعاقد الألباب، فآمن به من آمن.   فمضى أولئك العرب الفصحاء الأقحاح، ولكن لم يمضِ تأثير القرآن على من بعدهم ممن ذهبت عنهم السليقة العربية، وغلبت عليهم اللكنة أو العجمة، فبقي القرآن مع ذلك وسيلة تأثير وهدى، فكم أسلم لسماعه أو قراءته ممن كان كافراً، وكم اهتدى بآياته من كان عاصيًا.   ولم يقتصر ذلك على العرب الذين ضعفت معرفتهم بلسانهم العربي، بل سمعه بعض الأعاجم فآمنوا به بمجرد سماعه وإن لم يعرفوا معانيه، أو سمعه بعضهم فوصل تأثيره إلى شغاف قلبه ثم بحث عن ترجمة ما سمع فانقاد للحق وأسلم، أو ترجمت معانيه فدرسها أو قرأها بعض الأعاجم فأسلموا كذلك.   إن التأثر بالقرآن بين الأعاجم سماعًا له، أو قراءة لمعانيه المترجمة لم يقتصر على متوسطي العلم والمعرفة أو دانيهم، بل وصل إلى علمائهم وكبار رجال حضارتهم المعاصرة، فتأملوا فيما سمعوا من آياته أو قرأوا من معانيه المترجمة فاعترفوا بظلم أنفسهم وأسلموا لله رب العالمين.   يقول سبحانه وتعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53].   قال ابن كثير: " أي: سنظهر لهم دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقاً منزلاً من عند الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلائل خارجية ﴿ فِي الْآفَاقِ ﴾ [فصلت: 53] من الفتوحات وظهور الإسلام على الأقاليم وسائر الأديان، قال مجاهد والحسن والسدي: ودلائل في أنفسهم قالوا: وقعة بدر وفتح مكة ونحو ذلك من الوقائع التي حلت بهم نصر الله فيها محمداً صلى الله عليه وسلم وصحبه وخذل فيها الباطل وحزبه، ويحتمل أن يكون المراد من ذلك ما الإنسان مركب منه وفيه وعليه من المواد والأخلاط والهيئات العجيبة، كما هو مبسوط في علم التشريح الدال على حكمة الصانع تبارك وتعالى، وكذلك ما هو مجبول عليه من الأخلاق المتباينة من حسن وقبح وغير ذلك، وما هو متصرف فيه تحت الأقدار التي لا يقدر بحوله وقوته وحيله وحذره أن يجوزها ولا يتعداها، كما أنشده ابن أبي الدنيا في كتابه "التفكر والاعتبار" عن شيخه أبي جعفر القرشي حيث قال وأحسن المقال:   وَإذَا نَظَرْتَ تُريدُ مُعْتَبَرا فَانظُرْ إليْكَ فَفِيكَ مُعْتَبَرُ أنتَ الذي يُمْسِي وَيُصْبحُ في الدنيا وكُلّ أمُوره عبَرُ أنتَ المصرّفُ كانَ في صِغَرٍ ثُمّ استَقَلَّ بِشَخْصِكَ الكِبَرُ أنتَ الذي تَنْعَاه خلْقَتُه يَنْعاه منه الشَّعْرُ والبَشَر أنتَ الذي تُعْطَى وَتُسْلَب لا يُنْجيه من أنْ يُسْلَبَ الحَذَرُ أنْتَ الذي لا شَيءَ منْه لَهُ وَأحَقُّ منْه بِمَا له القَدَرُ"[1].
وهذا الذي ذكره ابن كثير يشير إلى الإعجاز العلمي الذي زخر به هذا العصر، وأسلم بسببه عدد غير قليل من أرباب العلوم والمعارف، فمن أولئك الذين أسلموا بسبب آية من القرآن وجد فيها شيئًا أدهشه في تخصصه العلمي: الدكتور تاجات تاجاسون، رئيس قسم التشريح والأجنة في جامعة شاينج ماي بتايلاند وعميد كلية الطب بها، في ذلك الوقت.   فما قصة إسلامه وما هي الآية التي كانت سببًا لدخوله في دين الله؟ يقول بعض من حضر معه مؤتمراً علميًا في الرياض في ذلك الوقت: " عندما عرضنا عليه بعض الآيات والأحاديث النبوية المتعلقة بمجال تخصصه في مجال علم التشريح، وعندما أجاب عليها قال لنا: ونحن كذلك يوجد لدينا في كتبنا المقدسة البوذية أوصاف دقيقة لأطوار الجنين، فقلنا له: نحن بشوق لكي نعرف هذه الأوصاف، ونريد أن نطلع على ما كتب في هذه الكتب.
وعندما جاء ممتحناً خارجياً لطلاب الطب في جامعة الملك عبدالعزيز بعد عام سألناه فاعتذر لنا وقال: كنت قد أجبتكم دون أن أتثبت لهذا الأمر، ولما بحثت عنه وجدت أنه لا توجد النصوص التي ذكرتها لكم.
عندئذٍ قدمنا له محاضرة مكتوبة للدكتور كيث مور وكان عنوان المحاضرة "مطابقة علم الأجنة لما في القرآن والسنة" وسألناه عن الأستاذ كيث مور هل تعرفه؟ قال: إنه رجل من كبار علماء العالم المشهورين في هذا المجال.
وبعد أن اطلع على هذه المحاضرة اندهش أيضاً.
وسألناه عدداً من الأسئلة في مجال تخصصه كان منها ما يتعلق بالجلد فأجابنا الدكتور تاجات تاجاسون قائلاً: نعم، إذا كان الحرق عميقاً دمر عضو الإحساس بالألم.
قلنا له: سيهمك أن تعرف أنه في هذا الكتاب المقدس القرآن الكريم إشارة منذ ألف وأربعمائة سنة إلى يوم عقاب الكافرين بعذاب النار في جهنم ويذكر القرآن أنه عندما ينضج الجلد يخلق الله لهم جلوداً   أخرى حتى يذوقوا العقاب بالنار مما يشير إلى حقيقة أطراف الأعصاب في الجلد ونص الآية هو: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 56].
هل توافق على أن هذه إشارة إلى أهمية أطراف الأعصاب في الجلد بالنسبة إلى الإحساس منذ 1400سنة؟ قال الدكتور تاجاتات تاجاسون: نعم, أوافق أن هذه معرفة؛ إذ الإحساس عرف منذ زمن طويل قبل ذلك؛ لأنه مذكور أنه إذا ارتكب أحد خطيئة وعوقب بحرق جلده يخلق الله جلداً جديداً ويغطيه لجعله يذوق الألم مرة أخرى، هذا يعني أنه كان معروفاً منذ 1400سنة أن مستقبل الإحساس بالألم لا بد وأن يكون في الجلد؛ ولذلك فلا بد أن يخلق لهم جلداً جديداً...
وهكذا ذكرنا له عدداً من الآيات والأحاديث، وسألناه بعد ذلك هل يمكن أن تكون هذه الآيات قد جاءت إلى محمد صلى الله عليه وسلم من مصدر بشري؟ فأجاب: لا يمكن أن يكون ذلك.
قلنا: فمن أين جاءت؟ قال: لا يمكن أن تكون مصدراً بشرياً، ولكن أسألكم أنتم من أين تلقى محمد هذه العلوم؟ قلنا له: من عند الله سبحانه وتعالى.
فقال لنا: ومن هو الله؟ قلنا له: إنه الخالق لهذا الوجود.
إذا رأيت الحكمة، الحكمة تدل على الحكيم، وإذا رأيت العلم في هذا الوجود دلك على أنه من صنع العليم، وإذا رأيت الخبرة في تكوين هذه المخلوقات دلتك على أنها من صنع الخبير.
وإذا رأيت الرحمة شهدت لك على أنها من صنع الرحيم وهكذا إذا رأيت النظام الواحد في هذا الوجود والترابط المحكم دلك ذلك على أنه من صنع الخالق الواحد سبحانه وتعالى.
فأقر بما قلنا، ثم عاد إلى بلاده وألقى عدداً من المحاضرات عن هذه الظاهرة التي رآها واطلع عليها وبلغنا أنه أسلم بعد محاضرته خمسة من طلابه.
ثم جاء موعد المؤتمر الطبي السعودي الثامن واستمع في الصالة الكبرى التي خصصت للإعجاز الطبي في القرآن والسنة طوال أربعة أيام لعدد من الأساتذة من المسلمين وغير المسلمين يتحدثون عن هذه الظاهرة (الإعجاز العلمي في القرآن والسنة).   وفي ختام هذه الجلسة وقف البروفيسور تاجاتات تاجسون يقول هذه الكلمات: (في السنوات الثلاث الأخيرة أصبحت مهتماً بترجمة معاني القرآن الكريم الذي أعطاه لي الشيخ عبدالمجيد الزنداني في العام الماضي، ومحاضرات البروفيسور كيث مور التي طلب مني الشيخ الزنداني أن أترجمها إلى اللغة التايلاندية وأن ألقي فيها بعض المحاضرات للمسلمين الذي أعطيته في دراساتي، فإنني أؤمن أن كل شيء ذكر في القرآن منذ 1400 سنة لا بد أن يكون صحيحاً، ويمكن إثباته بالوسائل العلمية، وحيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يستطيع القراءة والكتابة فلا بد أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول جاء بهذه الحقيقة، لقد بعث إله هذا عن طريق وحي من خالق عليم بكل شيء، هذا الخالق لا بد أن يكون هو الله؛ ولذلك فإنني أعتقد أنه حان الوقت لأن أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"[2].   الله أكبر! ما أعظمها من كلمة خرجت من فم هذا العالم في فنِّه حينما رأى هذا الأعجاز العلمي في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 56].   والمعنى: "إن الذين جحدوا ما أنزل الله من آياته ووحي كتابه ودلائله وحججه، سوف ندخلهم نارًا يقاسون حرَّها، كلما احترقت جلودهم بدَّلْناهم جلودًا أخرى; ليستمر عذابهم وألمهم.
إن الله تعالى كان عزيزًا لا يمتنع عليه شيء، حكيمًا في تدبيره وقضائه"[3].   دروس من قصة الهداية:

1- للإعجاز العلمي في القرآن الكريم -متى ما صح- تأثير كبير على بعض الكفار إذا تأملوا فيه وأنصفوا فقد يدخلون في دين الله تعالى.   2- على المسلم في أي تخصص كان فيه أن يكون داعية إلى الإسلام، ويوظف تخصصه في خدمة دينه ودعوة البعيدين عنه إليه.   3- لا يمل المسلم من دعوة الكافر أو العاصي، بل عليه أن يستمر في حشد براهين الحق للمدعو، فإن لم يهتد في المرة الأولى فقد يهتدي بعد ذلك ولو طال الزمن إذا شاء الله تعالى.   4- الاعتناء بتقديم مادة الإعجاز العلمي بلغات شتى وتوزيع ذلك على المدعوين إلى الإسلام. الحرص على دعوة كبار العلماء الكافرين في التخصصات المختلفة؛ ففي إسلامهم مكسب عظيم للإسلام والمسلمين، وخصوصًا إن دعوا إلى الإسلام فأسلم بإسلامهم غيرهم.  

[1] تفسير ابن كثير 4/ 127-128)
. [2] سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، عبد المجيد الزنداني (ص: 10). [3] التفسير الميسر، إعداد نخبة من العلماء (2/ 56).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢