أرشيف المقالات

الله ليس له مثيل

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2الله ليس له مثيل   إن الحرص على هداية الناس يجعل صاحبه يفكر في طرق كثيرة لإيصال الهدى إلى العباد، وقد يلهمه الله تعالى إلى بعض الطرق اليسيرة التي لا مشقة فيها ولا حظر عليها فيجعل الله تعالى فيها نفعًا عظيمًا؛ فقد يسلم بها كافر، أو يهتدي بسببها عاصٍ، فيجني ذلك الداعي الأجر الكثير.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم) [1].   وقال عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً) [2].   وما أحسن تلك الفكرة التي عملها بعض الإخوة في بعض الدول الأوربية حينما وضع على مؤخرة سيارته لافته مكتوبًا عليها: "إذا أحببت أن تتعرف على الإسلام فاتصل على الرقم الآتي" ويكتب الرقم، ويمضي على سيارته إلى وجهته، فكم هدى الله تعالى بهذه الطريقة اليسيرة.   ومن تلك الطرق اليسيرة تلك الكلمات التي كتبها بعض المسلمين على مبنى في جانب طريق من الطرق في أمريكا، وهذه الكلمات هي: [الله واحد، الله ليس له مثيل، الله ليس له ولد].   لقد كانت هذه الكلمات سبب هداية طبيب أمريكي، فيحكي قصته أحد الدعاة فيقول: " التقيت بطبيب أمريكي مسلم فقال لي: جئت أقول للمسلمين هنا: لماذا تتركونا -يعني بدون دعوة إلى الإسلام؟- حرام عليكم؛ فإني ما أسلمت إلا صدفة.
قال: فأنا طبيب في مستشفى أجري العمليات، وفي ليلة من الليالي رجعت من المستشفى مرهقًا، وفي يوم من الأيام نظرت إلى مبنى من مباني الطريق الذي أمر عليه كل يوم فلفتت نظري لافتة لم أرها من قبل مكتوب عليها: "الله واحد، الله ليس له مثيل، الله ليس له ولد"، فقرأتها ثم مضيت إلى البيت دون أن أفكر، وعادة أنني إذا رجعت بهذا التعب أُلقي بنفسي على الفراش فلا أشعر، لكنني في تلك الليلة لم أستطع أن أنام فجعلت أفكر في تلك الكلمات: الله أحد، الله ليس له مثيل، الله ليس له ولد!! هذا الكلام هو في داخلي.
لكنني ما سمعته من أحد، يقول: فلبست ملابسي ورجعت إلى ذلك المبنى فطرقت الباب على صاحبه فخرج رجل عجوز فقلت له: من يقول ذلك الكلام المكتوب على المبنى؟ قال: أي كلام؟ فأراه العبارات، فقال هذا موجود في الإسلام ونحن مسلمون، فقال: هل يوجد ذلك مكتوبًا؟ قال: نعم، فأعطاه مصحفًا مترجمَ المعاني بالإنجليزية، فرجع به، فجعل يقرأ يقول: فبينما أنا أقرأ أحس بشيء يتسلل إلى داخلي بقوة، حتى وصلت إلى الصفحة الأخيرة فوجدت سورة الإخلاص فجعلت أصرخ بها وأقول: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص:1-4].
قال: ولم أقرأ السورتين اللتين بعدها.
ثم خرجت من البيت إلى ذلك الرجل فقلت له: كيف يفعل من يريد أن يدخل في هذا الدين؟ فعلمني فأسلمت والحمد لله.
قال: ثم اشتريت تذكرة وجئت إليكم لأقول لكم: لماذا تتركوننا؟!![3].   نعم، إنها آيات عظيمة، تقر بها الفطرة السليمة، إنها كلمات الوحدانية، وصفات رب البرية سبحانه وتعالى. فقوله: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ يعني: هو الواحد الأحد الذي لا نظير له ولا وزير ولا نديد ولا شبيه ولا عديل، ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عز وجل؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله.
وقوله تعالى: ﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ قال عكرمة عن ابن عباس: يعني: الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته.
وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد...
وقوله تعالى: ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ أي: ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة.
قال مجاهد: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ يعني: لا صاحبة له.
وهذا كما قال تعالى: ﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 101] أي: هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه أو قريب يدانيه تعالى وتقدس وتنزه"[4].   دروس من قصة الهداية: 1- على المسلم أن يعتني بالدعوة إلى الله تعالى بما يستطيع من الوسائل.   2- هداية الله تعالى قد تشرق في قلب العبد بسبب يسير فيهتدي به من غير طول بحث وعراك مع النفس والبيئة، ومجادلة عن الباطل الذي هو عليه قبل هدايته.   3- وحدانية الله تعالى قضية كامنة في النفوس، ولا يغيرها من النفس إلا البيئة الفاسدة، والتربية المعوجة التي تكدرها بما يخالفها من الباطل، فإذا جُليت القلوب عاد للفطرة صفاؤها فأضاءت بالتوحيد.   4- تأثير القرآن الكريم باقٍ حتى بعد ترجمة معانيه، فكيف شأنه في قوة التأثير وهو بحروفه وألفاظه وأساليبه العربية؟ المجتمعات الأعجمية خاصة المتقدمة منها بيئةٌ خصبة للدعوة إلى الإسلام بالأسلوب المناسب، والطريقة الحسنة؛ ولهذا نجد الإقبال على الإسلام فيها أظهر وأكثر من المجتمعات العربية التي فيها نصارى؛ كمصر وبلاد الشام.


[1] رواه البخاري (3/ 1077)، ومسلم (4/ 1872). [2] رواه مسلم (4/ 2060). [3] ذكر القصة أحد الدعاة على قناة الناس، برنامج: رسالة.
[4] تفسير ابن كثير (4/ 702).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢