المسجد بيت كل مؤمن
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
المسجد بيت كل مؤمنفقد أخرج الطبراني في الكبير والأوسط عن أبي الدرداء رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المسجد بيت كل تقي[1]، وتكفل [2] الله لمن كان المسجد بيته بالروح [3] والرحمة[4]، والجواز على الصراط[5] إلى رضوان الله إلى الجنة"؛ (صحيح الترغيب والترهيب) (330).
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي عثمان، قال: كتب سلمان إلى أبي الدرداء: يا أخي عليك بالمسجد فالزَمه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " المسجد بيت كل تقي "، وفي رواية: " المسجد بيت كل مؤمن "؛ الصحيحة: 716، صحيح الجامع (6702).
ورواه هناد بن السري في الزهد بسند صحيح عن أبي الدرداء رضى الله عنه أنه قال لابنه: يا بُني، ليكن المسجد بيتك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن المساجد بيوتُ المتقين، فمن كانت المساجدُ بيوتَه ضمن الله له بالرَّوح والرحمة، والجواز على الصراط إلى الجنة.
والمسجد كان بيت الفقراء والغرباء الذين لا يجدون مأوي، كان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مكان في مؤخرة المسجد في الركن الشمالي الشرقي منه، يطلق عليه اسم " الصفة " أو " الظلة " وقد أُعدَّ لنزول الغرباء والفقراء والعُزاب من المهاجرين والوافدين الذين لا مأوي لهم ولا أهل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يجالسهم، ويأنس بهم، ويناديهم إلى طعامه، ويشركهم في شرابه.
قال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما كان أصحاب الصفة فقراء، ويقول أنس: رضى الله عنه قدم رهط من عكل على النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا في الصفة".
- وجاء في البخاري عن نافع قال: أخبرني عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان ينام وهو شاب أعزب، لا أهل له في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان في المسجد مكان لعلاج المرضى وبخاصة في أيام الحروب، فقد أخرج البخاري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: أصيب سعد يوم الخندق في الأكحل[6]، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد، ليعوده من قريب فلم يَرُعْهُمْ وفي المسجد خيمة من بني غفار، إلا الدم يسيلُ إليهم، فقالوا، يا أهل الخيمة، ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دمًا، فمات فيها.
المسجد تُجمع فيه الصدقات من الأغنياء، وتوزع على المستحقين من الفقراء، فقد أخرج الإمام مسلم عن جرير بن عبد الله رضى الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء[7] متقلدي السيوف عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر[8] وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلال فأذن وأقام، فصلى ثم خطب فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1] وتلا قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون ﴾ [الحشر:18].
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بُره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة، فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجِز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله: صلى الله عليه وسلم من سن في الإسلام سنةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنةً سيئةً كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.
وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع الصدقات والأموال العامة في المسجد ويوزعها على المستحقين، وفي حديث آخر أخرجه البخاري من حديث أنس رضى الله عنه قال: أُتِيَّ النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين فقال: انثره في المسجد، وكان أكثر مال أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، ولم يلتفت إليه، فلما قُضي الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يري أحدًا إلا أعطاه.....؛ الحديث.
[1] المسجد بيت كل تقي: خص الله الأتقياء؛ لأن قلوب الأتقياء تحن المساجد وتستطيب الإقامة فيها.
[2] تكفل: أي ضمن.
[3] الروح: الحياة الطيبة.
[4] الرحمة؛ لأنه المسجد محلٌ تتنزل فيه الرحمات.
[5] الجواز؛ أي المرور، والصراط: جسر ممدود على متن جهنم، يمر عليه الأولون والآخرون، وقد جاء في وصفه: أنه أدق من الشعر، وأحدُّ من السيف، وأن الناس يمرون عليه علي قدر أعمالهم.
[6] الأكحل: عرق في اليد يسمي عرق الحياة.
[7] مجتابي النمار أو العباء: النمار بكسر النون جمع نمرة بفتحها، وهي ثياب صوف فيها تنمير، والعباء: بالمد وبفتح العين جمع عباءة وعباية لغتان، وقوله: " مجتابي النمار "؛ أي: خرقوها وقوروا وسطها.
[8] فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بالعين المهملة؛ أي: تغير.