أرشيف المقالات

لا تضيع الودائع

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2لا تضيِّع الودائع   لا تقتصر الأمانةُ على حِفْظِ الأموال المستودعة؛ بل يمتدُّ معناها ليشمَل حِفْظَ الأسْرارِ وغَضَّ الأبصارِ، ومُراعاةَ الجِوارِ.   إنها كلُّ ما افترضَ الله على الإنسان من عباداتٍ وتكاليفَ، وأحكامٍ وفرائضَ، ثَبَاتًا على العَهْد، ووَفاء بالحقِّ، وملازمة للصِّدْق، وإنَّ اللُّغة مهما اجتهدت، والأقلامَ مهما كَثُرَتْ لتعجِز عن وَصْفِها وَصْفًا دقيقًا يَليقُ بها، ولكنها ربما اقتبسَتِ القليلَ من مِشْكاة معانيها، فالأمانةُ هي الحياة بكُلِّ ما فيها، ومكارم الأخلاق بكلِّ ما تحويها، والشريعة بكافَّة تفصيلاتها ومراميها.   قد ائتمنَكَ اللهُ على نفسِكَ فاحْفَظْها، وعبادتِكَ فأدِّها على الوَجْه الذي يُرْضِي مُشَرِّعَها، وأولادِكَ فأحْسِن تأديبَهم، وأموالِكَ فلا تُضيِّعْها، ووظيفتِكَ فابذلِ الجُهْدَ فيها، وحقوقٍ للناس يجب أن تُراعيها، إنَّها أماناتٌ حُمِّلنا إيَّاها، ويجبُ أن نُؤدِّيَها، وهكذا كل نِعْمة استُحفِظْتَ إيَّاها، فلا تَعْصِ الله بها، فتكون لأمانته خائنًا، ولمعروفه جاحِدًا ومُنْكِرًا.   إنَّ حِفْظَ الأمانة ليس سهلًا؛ فقد قال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72].   عرَضَها اللهُ عليهن عَرْضَ تخييرٍ لا إلزامٍ، فأَبَيْنَ أن يحمِلْنَها لا عِصْيانًا لله ولا زُهْدًا في ثوابه؛ وإنَّما لعِلْمِهن بخَطَرِها وشفَقةً من ثقلها، نَعَمْ قد حمَلَها الإنسانُ، فليتحمَّل إذًا تَبِعاتِها، ولا يُقَصِّر قَدْر استطاعته في أدائها، وليوفِّها حَقَّها، ويرعى لها مكانتَها وقَدْرَها.   احفظ لسانَكَ أن ينطِقَ بالباطل، فلا هَمْز ولا لَمْز ولا تنقيص ولا تحقير، واحفظ قلبَكَ أن يخضع لغير ربِّه، فلا شِرْك ولا كِبْر ولا بَطَر ولا غُرور، واحْفَظْ جوارِحَكَ أن تَعصِيَ الله، فلا غِشَّ ولا غَدْرَ ولا بَطْشَ ولا تزوير.   إنَّ ضياع الأمانة دليلٌ على فساد الذِّمَم، واضطراب الموازين، وانتهاك الحُرُمات، وتتبُّع الشهوات، وفتح باب المنكرات، وإهدار الحقوق، وانتفاش الباطل، وانتكاس المفاهيم، وحين تغيب من قلوب الرجال وعقولهم، فاعلم أنَّكَ في آخر الزمان، وقد أوشكَتِ الساعةُ على القيام.   حينها يسُود الشُّحُّ المطاع والهوى المتَّبَع والدنيا المؤثَرة، ويعجَب كلُّ ذي رأي برأيه.   ويسود التساهُل في العمل، والتفريطُ في الوقت، والتعطيلُ لمصالح الناس، والسِلَعُ المغشوشة، والأسعارُ الوهميةُ، والمؤسَّسات الاحتياليَّة، والموادُّ المسرطنة، والأخرى الضارَّة التي يسمُّونها موادَّ حافِظةً تُضافُ للغذاء والدواء دون حسيبٍ أو رقيبٍ، والتَّلاعبُ بأرواح البشر، وهو ذنبٌ أبدًا لا يُغْتَفر.   أما درى هؤلاء أنَّ الأمانة سَبَبٌ للخَيْر والنَّماء، وأن الغِشَّ سَبَبٌ لِمَحْق البَرَكة وجلْب الشقاء؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((...
فإنْ صَدَقَا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بيعِهما، وإنْ كَذَبَا وكَتَمَا مُحِقَ بَرَكةُ بيعِهما)
)
.   ووالله، إنَّ الخيانة بإفشاء السِّرِّ وكَشْف السَّتْر لأشدُّ وطْئًا وأكثرُ ألَمًا من الخيانة في الدينار والدرهم، فاحفَظْ ما لديك من الأمانات، وتحَرَّ الحقَّ في الأخبار والشهادات؛ فقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣