أرشيف المقالات

بين الكرامة والمهانة - ملفات متنوعة

مدة قراءة المادة : دقيقتان .
عندما يشعر بعض الناس بأن للحرية والكرامة ضريبة كبرى تبلغ فقدان الحياة ذاتها، فإنهم يرضون بالذل والهوان خوفا على تلك الحياة! أي حياة! ويعيشون في ذل بعد ذل، وتنازل تلو تنازل!
لكن ما لا يريد هؤلاء الإقرار به، هو أنهم يضطرون عاجلا أو آجلا إلى دفع ضريبة الذل والمهانة أضعاف ما كانوا سيدفعونه ضريبة للحرية والكرامة! فعندما قالت اليهود لنبيها " {يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} " دفعت ضريبة ذلك الجبن تيها في الصحراء أربعين سنة، حتى أكلتهم الرمال! فأين ذلك من مواجهتهم للعدو وتصديق النبي والموت بكرامة أو العيش بشرف؟ ألم يكن أكرم لهم أن يعيشوا أصحابا للرسول، وبعد الموت أو القتل، يصبحوا رفقاء له في الآخرة؟ فأين ذلك من موت الذلة والمهانة مشردين في الصحراء؟ أين ذلك من وصم القرآن الكريم والتاريخ لهم، حتى أصبحوا مثلا للخسة والجبن؟
وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم حين قال: " {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} ."
ولهذا ردّ على الذين قالوا: " {رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} "، قائلا: " {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ} 
وهذا الذي أدركه سيدنا كعب بن مالك، عندما أرسل إليه ملك غسان رسالة يستميله فيها بعد تخلفه عن غزوة تبوك! فقد أدرك أنه إذا أصبح اليوم عزيزا، فغدا سيموت ذليلا!
فالعاقل يدرك أنه لا بد من تضحية الفرد والجماعة! فإما أن تُدفع هذه التضحية طوعا وفداء في سبيل استرداد الحقوق المسلوبة والحرية والكرامة؛ أو تُدفع اضطرارا عقوبة للذلة والمهانة!
هاني مراد

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير