أرشيف المقالات

قيام الليل وفضله

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2قيام الليل وفضله[1]   يقول الله تعالى: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [السجدة: 16]، ويقول عز وجل: ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾ [الذاريات: 17]، فتهجع نفوسُ الصالحين حتی هزیعٍ منَ الليل، ثم تستيقظُ لمناجاة ربها الذي ينزل إلى السماء الدنيا، فيقول: ((هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من تائب فأتوب عليه))، حقًّا إن ذلك هو الاستثمار الحقيقي للمُناجاة ورفع الدعوات.   وكل صلاة تقع بعد غروب الشمس إلى أذان الفجر، فهي من صلاة الليل، ودونك هذه الخيارات في صلاة الليل: 1- صلِّ ما كتب الله لك قبل النوم، ثم أوْتِر كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم صحبَه الكِرام رضي الله عنهم (أبا ذر، وأبا هريرة، وأبا الدرداء) في ثنايا ذكرهم للوصية بقوله: ((… وأن أوْتِرَ قبل أن أنام))[2].   2- صلِّ ما بين العشاءين؛ فقد قال ابن كثير رحمه الله على قوله تعالى: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [السجدة: 16]: "يحيون ما بين العشاءين"، وإن كان في المسجد فهو رباط ((وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط))[3].   ٣- قيام آخر الليل، فإنه النجاة والمناجاة، والنور والسرور، والخلوة بربِّ العالمين، حين هجع الكثيرون، فيا بُشْرى هؤلاء بلذَّتهم وطُمأنينتهم!   4- نم نصف الليل، ثم قم ثُلُثَه، ثم نم سُدُسَه، كما كان داود عليه الصلاة والسلام يفعل، ويكون الليل على هذا الوصف يبدأ من بعد صلاة العشاء.   ووالله إن لحظة من لحظات هذا الوقت الثمين لهي في لذَّتها، وطَعْمِها لمن استشعرَها أقوى من لذَّة النوم الذي قد يجده الإنسان بعد ذلك.   همسة: هل فكرت ماذا تفعل عشر دقائق قبيل الفجر من الخير العظيم؟ إنها تحوي كنوزًا عظيمة؛ ففيها ركعتان في ظُلْمة الليل، ودعوات، واستغفار، وتوبة، وخشوع وخضوع، وانكسار، كل هذه الأرباح في قيامك قبل الفجر ولو بــ (عشر دقائق)، علمًا أنك لو لم تفعل ذلك، فإنك ستستيقظ لصلاة الفجر قريبًا منه، فلا تحرم نفسك تلك اللحظات العظيمة ولو بالقليل.   صلاة الليل خيرٌ عظيمٌ في الدنيا، والآخرة، وانشراح، وخلوة، وزكاة للنفس، وكسب للخير من أوسع أبوابه، فلا تُفرِّط في هذه الأوصاف التي هي سبب نجاتك يوم القيامة.   لا شك أن من لم يكن معتادًا على قيام الليل، فإنه قد يصعُب عليه أول الأمر؛ لكن بالتدريج يتيسَّر ويسهُل، ويصبح كصلوات الفرائض في اليوم والليلة.   إن قيام الليل هو لأصحاب الهِمَم القوية التي برهنَتْ على قوَّتِها عمليًّا، بقيامها بين يدي ربِّها جل جلاله؛ حيث يُناديها فتُجيبه، فتُناجيه بهمومها، وطلباتها، فما أعظمه من ربح وأجر عظيم! وما أعظمَه من فتح مبین!   هل حاولت أن تلحق بركب الصالحين؟ فإنهم يُنادُونَك: اركب معنا، فإن قيام الليل من دَأْبهم، فكن أحدهم.   أخي، إن لم يُكتَب لك نصيبٌ من قيام الليل، فإني مُوصيك بهذا الحديث العظيم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تعارَّ من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا، استُجيب له، فإن توضَّأ وصلى قُبِلت صلاته)).


[1] كتاب "أربعون مجلسًا في التربية الإيمانية"، (ص: 21-23). [2] أخرجه البخاري في صحيحه برقم (1178) 2/ 58، ومسلم في صحيحه برقم (721) 1/ 498. [3] خرجه مسلم في صحيحه برقم (251)1/ 219.



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير