أرشيف المقالات

الإعجاب بغير المسلمين والتشبه بهم

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2الإعجاب بغير المسلمين والتشبه بهم
كما أن عاطفة الحب لدى المسلم تكون في الله، فكذلك شعور الكره والبغض أيضًا يكون في الله، لا بباعث شخصي دنيوي.   ومع أن الأمر كذلك في شعور المسلم، فإن الله تعالى أكد ذلك في حق الكافرين، فقد جاءت الآية صريحة ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾[1]، فما كان للمؤمن بعد هذا الخبر أن يكون في نفسه أي شعور بالودِّ تجاه الكافرين والمحادين لله ولرسوله، لأن هذا الشعور سيأخذ بيده فيجعله في الطرف الثاني بعيدًا عن المؤمنين، بل إنه ينفي عنه صفة الإيمان.   ولخطورة هذا الأمر جاءت الآيات الكثيرة واضحة فيه لا تحتمل التأويل. قال تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾[2].   وينبغي أن ننعم النظر في قوله تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ...
﴾ إنه نفي لوجود هذا الصنف من الناس..
أي إنه لو وجد إنسان في صفوف المؤمنين فيه هذه الصفة، فإنه عندئذٍ لن يكون من المؤمنين، لأن الله تعالى نفى أن يكون ذلك فيهم...   وإذا كان «الود» غير متصور وجوده في نفس المؤمن تجاه الكافرين وأعداء الله جملة، فمن باب أولى أنه يمتنع على المؤمن أن يتخذ من أعداء الله أولياء ومناصرين وفي هذا المعنى جاءت الآيات الكريمة الكثيرة، ومنها قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾[3].   هكذا ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ وليس هناك بيان فوق هذا البيان ﴿ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾. وهكذا تكون عواطف المسلم بشكل تلقائي منضبطة من أوامره تعالى[4].   التشبه بالكافرين: عندما يقلد إنسان آخر، أو يتشبه به، فإن مبعث ذلك يرجع إلى: ♦ شعور بالحب نحوه. ♦ أو شعور بالإعجاب به.   وبناء على ما سبق ذكره من أن العواطف الإيجابية للمسلم ينبغي أن تكون تجاه المؤمنين الذين هم في طاعة الله، فإن أي تقليد لكافر أو تشبه به يعني منح هذا الكافر ما لا ينبغي له، حيث جعله أسوة له يسير على خطاه.
وفي هذا ما فيه من خروج على الأصل المقرر السابق.   وفي ضوء هذا نستطيع فهم الحديث التالي: عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم»[5]. وقد كثرت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن التشبه بالكافرين، في لباسهم وهيئتهم وغير ذلك.   فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن عمرو ثوبين معصفرين، فقال: «إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها»[6]. وكتب عمر بن الخطاب رسالة إلى عتبة بن فرقد - وكان بأذربيجان - «..
وإياكم والتنعم، وزيَّ أهل الشرك، ولبوس الحرير..»
[7]. وجاءت أحاديث أخرى في مخالفتهم.   فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم»[8]. وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خالفوا المشركين، وفروا اللحى، واحفوا الشوارب»[9].   وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس»[10].   وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على مخالفتهم حتى في أمر العبادة: فقد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل، إن شاء الله، صمنا اليوم التاسع».   قال ابن عباس: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم[11].   وهكذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يكون صومنا قاصرًا على يوم عاشوراء، حتى لا يكون عملنا مشابهًا لعملهم.
ولذا عزم على صوم اليوم التاسع أيضًا.   وإذًا: فقضية عدم التشبه بهم، بل ومخالفتهم أمر من مقاصد الشريعة.   معاملة غير المسلمين: إن ما قلناه في بغض الكفر وأهله، لا يعني إساءة معاملة غير المسلمين، أو ظلمهم، أو انتقاص حقوقهم. فقد وردت أحاديث كثيرة تحذر من ذلك أشد التحذير.   عن عبدالله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا»[12].   وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا من ظلم معاهدًا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة»[13].   وقد قال الله تعالى: ﴿ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾[14].   وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل في البيع والشراء مع اليهود، وقد مرت بنا قصة زيد بن سعنة، وتوفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي.   فالمقصود من عدم حب الكافرين، هو بغض الكفر فيهم، وهذا لا يمنع أن نحسن إليهم ونبرهم. وإنما كان انتشار الإسلام، من جراء حسن معاملة المسلمين وتسامحهم.   ومما ينبغي أن يكون واضحًا.
هو عدم خلط الأمرين، فبغض الرسول صلى الله عليه وسلم لكفر زيد بن سعنة، لم يمنعه من حلمه عليه وتسامحه معه، مما كان سببًا في إسلامه.   إن بغض الكفر هو اللقاح المضاد للوقوع في المرض، فهو حصانة ضد استحسان المرء الكفر من خلال سلوك الكافرين، الأمر الذي يؤدي شيئًا فشيئًا إلى محبتهم ثم موالاتهم، وهنا تكون الطامة الكبرى.   إن مستعظم النار من مستصغر الشرر، وقد ذكرت بعض الدراسات التي أجريت بشأن انحسار الإسلام عن الأندلس، أن أول نقص دخل على المسلمين هناك هو إعجاب النساء المسلمات بزي النساء الكافرات، حيث بدأن يقلدنهن في لباسهن وسلوكهن..   ومن القواعد الاجتماعية التي سجلها ابن خلدون: أن المغلوب يقلد الغالب، والضعيف يقلد القوي.
فكان تقليد المسلمات للكافرات بداية المرض، وبداية الضعف.


[1] سورة الروم, الآية (45).
[2] سورة المجادلة, الآية (22). [3] سورة المائدة, الآية (51).
[4] هذا لا يمنع أن يتعامل المسلم مع غيره في البيع والشراء والقضايا المادية, فإن هذا الأمر ممكن دون أن يكون هناك عواطف.
[5] أخرجه أبو داود (4031) وأخرجه أحمد.
قال محيي الدين عبدالحميد: قال ابن تيمية: سنده جيد, وقال ابن حجر في الفتح: سنده حسن.
[6] أخرجه مسلم (2077). [7] أخرجه مسلم (2069). [8] متفق عليه (خ 3462, م 2103) والمقصود: صبغ الشيب.
[9] متفق عليه (خ 5892, م 259).
[10] أخرجه مسلم (260). [11] أخرجه مسلم (1134). [12] أخرجه البخاري (3166).
[13] أخرجه أبو داود (3052).
[14] سورة الممتحنة, الآية (8).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١