أرشيف المقالات

تشييع جنائز المبتدعة والمنافقين ودفنهم

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2تشييعُ جنائزِ المبتدعةِ والمنافقين ودفنهم   (الصلاةُ على الْميِّتِ الْمسلمِ واجبةٌ وإن كانتْ لديهِ بدعة[1]، ويُصلِّي عليهم بعض الناس إذا كانت بدعتهم لا تُخرجهم عن الإسلام[2]، أمَّا إذا كانت بدعتهم تُوجبُ كُفرَهُم فإنه لا يُصلَّى عليهم، ولا يُستغفرُ لهم، كالجهميةِ[3]، والمعتزلةِ، والرافضةِ الذين يدعون علياً رضي الله عنه، ويستغيثونَ بهِ وبأهلِ البيتِ وأشباههم، لقولِ اللهِ سبحانهُ في المنافقينَ وأشباههم: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [التوبة 84])[4].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (مَن كانَ مُبتدِعاً ظاهرَ البدعةِ وَجَبَ الإنكارُ عليهِ، ومن الإنكارِ المشروعِ أن يُهجرَ حتَّى يتوبَ، ومن الهجرِ: امتناعُ أهلِ الدِّينِ من الصلاةِ عليهِ لينزجرَ مَن يَتشبَّهُ بطريقتهِ ويدعو إليهِ، وقد أمَرَ بمثلِ هذا مالكُ بنُ أنسٍ، وأحمد بنُ حنبلٍ، وغيرُهما من الأئمَّة)[5].
وسُئلت اللجنةُ الدائمةُ للإفتاءِ: عن حكم تشييع جنازة عُبَّاد القبور الذين يذبحون عند القبور ويتوسَّلون بأهلها، ويُقدِّمون النذور لهم...
إلخ. فأجابت: (مَن ماتَ على الحالةِ التي وَصَفْتَ لا يَجوزُ الْمَشْيُ في جنازتهِ، ولا الصلاةُ عليهِ، ولا الدُّعاءُ، ولا الاستغفارُ لَهُ، ولا قضاءُ حَجِّهِ، ولا التصدُّقُ عنهُ، لأنَّ أعمالَهُ المذكورة أعمالٌ شركيةٌ، وقد قالَ سبحانهُ وتعالى في الآيةِ السابقةِ: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ﴾ [التوبة 113]، ولِما ثبَتَ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنه قالَ: «استأذنتُ ربِّي في الاستغفارِ لأُمِّي فلَمْ يأذنْ لي، واستأذنتُهُ في زيارةِ قبرِها فأَذِنَ لي»[6])[7].
و(المنافقونَ الذينَ لَم يُظهروا نفاقهم يُصلَّى عليهم إذا ماتوا، ويُدفنونَ في مقابرِ المسلمينَ من عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والمقبرةُ التي كانت للمسلمينَ في حياتهِ صلى الله عليه وسلم وحياةِ خلفائهِ وأصحابهِ، يُدفنُ فيها كُلُّ مَن أظهرَ الإيمانَ وإن كانَ مُنافقاً في الباطنِ، ولم يكن للمنافقينَ مقبرةٌ يَتميَّزُونَ بها عن المسلمينَ في شيءٍ من ديارِ الإسلامِ، كما تكونُ لليهودِ والنصارى مقبرةٌ يَتميَّزُون بها، ومَن دُفنَ في مقابرِ المسلمينَ صلَّى عليهِ المسلمون، والصلاةُ لا تجوزُ على مَن عُلمَ نفاقُهُ بنصِّ القرآنِ[8]، فعُلمَ أنَّ ذلكَ بناءً على الإيمانِ الظَّاهرِ واللهُ يَتولَّى السَّرائرَ، وقد كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي عليهم، ويَستغفرُ لهم حتَّى نُهِيَ عن ذلكَ، وعُلِّلَ ذلكَ بالكفرِ، فكانَ ذلكَ دليلاً على أنَّ كُلَّ مَن لم يُعلَمْ أنه كافرٌ بالباطنِ جازت الصلاةُ عليهِ والاستغفارُ لهُ، وإن كانت فيهِ بدعةٌ، وإن كانَ لهُ ذنوبٌ، وإذا تَرَكَ الإمامُ أو أهلُ العلمِ والدِّينِ الصلاةَ على بعضِ الْمُتظاهرينَ ببدعةٍ أو فُجُورٍ زَجْراً عنها لم يكن ذلكَ مُحَرِّماً للصلاةِ عليهِ والاستغفارِ لهُ، بل قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيمن كانَ يَمتنعُ عن الصلاةِ عليهِ، وهو الغالُّ، وقاتلُ نفسهِ، والْمَدينُ الذي لا وفَاءَ لهُ: «صلُّوا على صاحبكُم»[9])[10].
والله تعالى أعلم، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد وآله وصحبه.


[1] (فقد يكون عندهم بدعٌ في دفن الميت، منها: أن بعضهم يُؤذن ويُقيم في القبر، ويزعم أن هذه سنة، ومنها: التلقين، فإذا حضرتهم أنكرتَ البدع، وعلَّمتهم السنة، فيكون في اتباع طالب العلم مصالح لبيان السنة، ولإنكار البدع التي يفعلها أهل الجنازة في الطريق وعند الدفن وغير ذلك) الفوائد العلمية من الدروس البازية 5 /441.
[2] (ولا يُصلَّى على المبتدعَةِ، ولا تُعادُ مرضاهُم، ولا تُشهدُ جنائزُهم أدباً لهم، فإن خيفَ ضَيعَتُهُم: غُسِّلُوا، وكُفِّنوا، وصلَّى عليهِم غيرُ أهلِ الفضلِ) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني 1 /477 لأحمد بن غنيم النفراوي المالكي. [3] قال أبو العباس السراج ت313 رحمه الله: (مَن لَمْ يُقرّ ويُؤمن بأنَّ الله تعالى يَعْجَبُ، ويَضْحكُ، ويَنزلُ كُلَّ ليلةٍ إلى السماء الدُّنيا فيقولُ: «مَن يَسألُني فأعطيه»، فهو زنديقٌ كافرٌ، يُستتابُ، فإن تابَ وإلاَّ ضُربتْ عُنُقُهُ، ولا يُصلَّى عليه، ولا يُدفنُ في مقابرِ المسلمين) مختصر العلو للعلي الغفار ص232 للذهبي. [4] مجموع فتاوى شيخنا ابن باز رحمه الله 13 /161. [5] مجموع الفتاوى 24 /292 لشيخ الإسلام ابن تيمية. [6] رواه مسلم 2 /671 ح105-976 (بابُ استئذانِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ربَّهُ عزَّ وجلَّ في زيارةِ قبرِ أُمِّهِ). [7] فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء 9 /12-13 فتوى رقم 3548 من المجموعة الأولى.
برئاسة شيخنا ابن باز رحمه الله. [8] قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [ التوبة: 84]. [9] رواه البخاري ح2289 (باب إن أحال دَيْنَ الميتِ على رجُلٍ جازَ)، ومسلم 3 /1237 ح14-1619 (باب مَن تركَ مالاً فلوَرثتهِ). [10] مجموع الفتاوى 7 /216-217 لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.



شارك الخبر

المرئيات-١