أرشيف المقالات

دلالات نفي العوج عن القرآن

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2دلالات نفي العِوَج عن القرآن
الحمدُ لله...
أثنى الله تبارك وتعالى - الذي لا نُحصي ثناءً عليه - على نفسه وذَكَرَ أنه مستحق للحمد على إنزاله القرآن العظيم، تنبيهاً منه تعالى على أنه أعظم نعمائه؛ لأنه الهادي إلى ما فيه كمال العباد، والداعي إلى ما فيه صلاح المعاش والمعاد - وقد عَلَّمَ عبادَهُ كيف يحمدونه على إفاضة هذه النعمة الجليلة، فقال سبحانه: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا ...
[الكهف: 1، 2].   قال أهل اللغة: إنَّ العِوَجَ في المعاني كالعِوَج في الأعيان، ونفي العوج عن القرآن له عِدَّة أوجه، منها: الأول: نفي التَّناقض عن آياته، كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].   الثاني: أنَّ كُلَّ ما ذَكَرَ الله تعالى في القرآن، من التَّوحيد والنُّبوة والأحكام والتَّكاليف فهو حقٌّ وصدق ولا خَلَلَ في شيء منه البتَّةَ [1].   وأخبر تعالى - كذلك - عن القرآن أنه ليس فيه تضاد ولا اختلاف ولا عيب من العيوب التي في كلام البشر، فقال: ﴿ قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ﴾ [الزمر: 28].   أي: ليس فيه خلل ولا نقص بوجه من الوجوه، لا في ألفاظه، ولا في معانيه، وهذا يستلزم كمال اعتداله واستقامته [2].   فقد وَصَفَ الله تعالى كتابه العزيز بوصفين عظيمين، مشتملين على أنه الكامل من جميع الوجوه، وعظيمٌ بكل ما تُعَبِّرُ عنه الكلمات، وهما: 1- نفيُ العوج عنه: وهذا يقتضي أنه ليس في أخباره كذب، ولا في أوامره ونواهيه ظلم ولا عبث.   2- إثباتُ أنه مستقيم مُقيم: فالقرآن العظيم مستقيم في ذاته، مقيم للنُّفوس على جادَّة الصَّواب، وإثبات الاستقامة، يقتضي أنه لا يُخْبِرُ ولا يأمرُ إلاَّ بأجلِّ الإخبارات، وهي الأخبار التي تملأ القلوب معرفة وإيماناً وعقلاً، كالإخبار بأسماء الله وصفاته وأفعاله، والإخبار بالغيوب المتقدِّمة والمتأخرة.   وأنَّ أوامره ونواهيه، تزكِّي النفوس وتطهِّرها وتنمِّيها وتكمِّلها، لاشتمالها على كمال العدل والقسط، والإخلاص، والعبودية لله ربِّ العالمين، وحده لا شريك له.   فحقيق بكتاب موصوف بما ذُكر، أن يَحْمَدَ اللهُ تعالى نفسَه على إنزاله [3].   وبنفي العِوَجِ عن القرآن الكريم، وإثبات استقامته تتجلَّى عظمتُه وعلوُّ شأنه ومنزلتُه عند الله تعالى، وما يجب أن يكون عليه من تعظيمٍ وتقديسٍ بين البشر.


[1] انظر: التفسير الكبير، للرازي (21 /64). [2] انظر: تفسير ابن كثير (4 /53)، تفسير السعدي (1 /723، 724)، التسهيل لعلوم التنزيل (3 /195). [3] انظر: تفسير السعدي (3 /139).



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣