أرشيف المقالات

تخصيص السنة للقرآن

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2 تخصيص السنة للقرآن
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده.
تخصيص السنة للقرآن الكريم ينقسم إلى قسمين: أولاً: تخصيص السُّنة المتواترة للقرآن: اتفق العلماء: على جواز تخصيص السُّنة المتواترة[1] للقرآن[2].   الأدلة: 1- من أمثلة تخصيص السُّنة المتواترة (القولية) للقرآن: أ - قوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ ﴾ [النساء: 11]. هذه الآية الكريمة خُصِّصت بقوله صلى الله عليه وسلم: (الْقَاتِلُ لاَ يَرِثُ) [3].   ب- وقوله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 43].
دل عموم الآية على وجوب إخراج الزكاة فيما يملكه الإنسان.   لكن هذا العموم خُصِّص بالسنة القولية المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدم إخراج الزكاة من الخيل، في قوله: (لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ في عَبْدِهِ وَلاَ فَرَسِهِ صَدَقَةٌ)[4].   2- ومن أمثلة تخصيص السُّنة المتواترة (الفعلية) للقرآن: قوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ [البقرة: 222].
دلَّ عموم الآية الكريمة على حُرمة قربان الحائض في أيام الحيض، بجماع أو غيره.   لكن هذا العموم خُصِّص بالسُّنة الفعلية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ قالت مَيْمُونَةُ - رضي الله عنها: (كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً من نِسَائِهِ، أَمَرَهَا فَاتَّزَرَتْ وَهِيَ حَائِضٌ)[5].   دليل الإجماع: حكى الإجماعَ على جواز تخصيص السنة المتواترة للقرآن غيرُ واحد من أهل العلم، وممن حكاه: 1- الآمدي - رحمه الله - حيث قال: (يجوز تخصيص عموم القرآن بالسُّنة، أمَّا إذا كانت السُّنة متواترةً، فلم أعرف فيه خلافاً)[6].   2- الشوكاني - رحمه الله - حيث قال: (ويجوز تخصيص عموم الكتاب بالسُّنة المتواترة إجماعاً)[7].   ثانياً: تخصيص خبر الآحاد للقرآن: اختلف العلماء: في تخصيص أخبار الآحاد[8] للقرآن، على خمسة أقوال، والراجح: جواز تخصيص خبر الواحد للقرآن، وهو قول جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة[9].   قال الغزالي - رحمه الله -: (والمختار: أنَّ خبر العدل أَولى؛ لأنَّ سكون النفس إلى عدلٍ واحدٍ في الرواية لما هو نصٌّ، كسكونها إلى عدلَين في الشهادة)[10].   وقال الشنقيطي - رحمه الله: (يجوز تخصيص الكتاب والسُّنة المتواترة بأخبار الآحاد؛ لأنَّ التخصيص بيان، والقطعي يُبَيَّن المقصود منه بالآحاد على التَّحقيق)[11].   الأدلة: 1- قوله تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ﴾ [المائدة: 3].   الآية الكريمة خُصِّصت بإباحة النبي صلى الله عليه وسلم للحوت والجراد وهما ميتتان، والكبد والطحال وهما دمان، في قوله صلى الله عليه وسلم: (أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ؛ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ؛ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ)[12].   2- قوله تعالى: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾ [النساء: 24]. الآية الكريمة خُصِّصت بقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ على عَمَّتِهَا، ولا عَلَى خَالَتِهَا)[13].
فالحِلُّ العام في الآية خُصِّص بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها.   3- أنَّ الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعوا على تخصيص القرآن بخبر الواحد، ولم يُخالف منهم أحد، فكان إجماعاً[14]. والخلاصة: جواز تخصيص القرآن الكريم بالسُّنة النبوية الشريفة بقسميها: المتواتر والآحاد.


[1] (الحديث المتواتر): هو الخبر الذي يرويه جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة عن   أمر محسوس.
انظر: تدريب الراوي، للنووي (2/ 180). [2] انظر: المحصول في علم الأصول، للرازي (3/ 78)؛ الإحكام، للآمدي (2/ 394)؛ نهاية  السول في شرح منهاج الأصول، لجمال الدين الأسنوي (2/ 456)؛ إرشاد الفحول، (ص138)؛ نسخ وتخصيص وتقييد السنة النبوية للقرآن الكريم، (ص271). [3] رواه ابن ماجه، (2/ 913)، (ح2735)؛ والترمذي، (4/ 425)، (ح2109).
وصححه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجه)، (2/ 348)، (ح2157). [4] رواه مسلم، (2/ 675)، (ح982). [5] رواه البخاري، واللفظ له، (1/ 115)، (ح297)؛ ومسلم، (1/ 243)، (ح294). [6] الإحكام في أصول الأحكام، (2/ 347). [7] إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، (ص267). [8] (خبر الآحاد): الآحاد جمع أحد، وهو بمعنى الواحد، وهمزة أحد مبدلة من واو، فأصلها وحد.
وخبر الآحاد: هو الخبر الذي قَصُرَ عن التواتر.
انظر: مختار الصحاح، (ص6)؛ إرشاد الفحول، (ص41). واختلف العلماء فيما يفيده (خبر الواحد) على ثلاثة أقوال، والراجح: أنَّ خبر الواحد يفيد العلم، وهو مذهب أكثر المحدثين والفقهاء، وهو الصحيح عن الإمام أحمد - رحمه الله، وهو قول جمهور أهل الظاهر.
وأقسامه ثلاثة: مشهور: وهو ما رواه أكثر من اثنين في جميع طبقات السند، ولم يصل إلى حد التواتر.
وعزيز: وهو ما روي من طريقين، أو ما رواه اثنان فقط.
وغريب: وهو ما لم يثبت إلاَّ من طريق واحد.
انظر: التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، للعراقي (ص268)؛ الحديث حجة بنفسه، للألباني (ص19). [9] انظر: إحكام الفصول في أحكام الأصول، للباجي؛ المحصول في علم الأصول، للرازي   (3/ 85)؛ المستصفى، للغزالي (2/ 159)؛ روضة الناظر، لابن قدامة (2/ 564)؛ شرح    الكوكب المنير، لابن النجار (3/ 362)؛ نسخ وتخصيص وتقييد السنة النبوية للقرآن    الكريم، (ص275). [10] المستصفى، (ص249). [11] نثر الورود على مراقي أبي السعود، (1/ 306). [12] رواه أحمد في (المسند)، (2/ 97)، (ح5723)؛ وابن ماجه (2/ 1102)، (ح3314). وصححه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجه)، (3/ 129)، (ح2695). [13] رواه البخاري، (5/ 1965)، (ح4819)؛ ومسلم، واللفظ له، (2/ 1029)، (ح1408). [14] انظر: المحصول في علم الأصول، للرازي (3/ 86)؛ المستصفى، (2/ 160).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣