أرشيف المقالات

معنى النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2معنى النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات: 1]. قال المفسرون: أي: يا أيها الذين آمنوا لا تعجلوا بقضاء أمر في دينكم أو شؤونكم العامة كالحرب قبل أن يأذن الله لكم فيه ورسوله، فتخالفوا كتاب الله وسنة رسوله باعتقاد أو فعل أو قول.   يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/ 335)، ((تفسير الزمخشري)) (4/ 349، 350)، ((تفسير ابن كثير)) (7/ 364)، ((تفسير السعدي)) (ص: 799)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة الحجرات)) (ص: 7 - 9).   كما قال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].   وقال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51].   وقال عز وجل: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7].   أحاديث وآثار في معنى الآية: 1) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من رغب عن سنتي فليس مني)).
رواه البخاري (5063) ومسلم (1401).   2) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) رواه البخاري (100) ومسلم (2673).   3) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ قال: (لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة).
رواه ابن جرير في تفسيره (21/ 335).   4) عن مجاهد قال: (لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضيه الله على لسانه).
رواه ابن جرير في تفسيره (21/ 336).   5 عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: (لا تقطعوا الأمر دون الله ورسوله).
رواه ابن جرير في تفسيره (21/ 337).   من أقول المفسرين والعلماء: 1) قال القرطبي: (أي: لا تقدموا قولاً ولا فعلاً بين يدي الله وقول رسوله وفعله فيما سبيله أن تأخذوه عنه من أمر الدين والدنيا، ومن قدَّم قوله أو فعله على الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قدَّمه على الله تعالى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يأمر عن أمر الله عز وجل) ((تفسير القرطبي)) (16/ 300).   2) قال ابن القيم: (أي: لا تقولوا حتى يقول، ولا تأمروا حتى يأمر، ولا تفتوا حتى يفتي، ولا تقطعوا أمراً حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضيه،..
والقول الجامع في معنى الآية: لا تعجلوا بقول ولا فعل قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يفعل) ((إعلام الموقعين)) (1/ 41).   3) قال ابن القيم: (من الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم: أن لا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي، ولا إذن ولا تصرف.
حتى يأمر هو، وينهى ويأذن، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾، وهذا باقٍ إلى يوم القيامة ولم يُنسخ.
فالتقدم بين يدي سنته بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته، ولا فرق بينهما عند ذي عقل سليم) ((مدارج السالكين)) (2/ 367).   4) قال الشنقيطي: (المعنى لا تتقدموا أمام الله ورسوله فتقولوا في شيء بغير علم ولا إذن من الله، وهذه الآية الكريمة فيها التصريح بالنهي عن التقديم بين يدي الله ورسوله، ويدخل في ذلك دخولاً أوليًّا تشريع ما لم يأذن به الله، وتحريم ما لم يحرمه، وتحليل ما لم يحلله؛ لأنه لا حرام إلا ما حرمه الله، ولا حلال إلا ما أحله الله، ولا دين إلا ما شرعه الله) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/ 401).   5) قال ابن عاشور: (المقصود من الآية النهي عن إبرام شيء دون إذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر قبله اسم الله للتنبيه على أن مراد الله إنما يُعرف من قِبَل الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد حصل من قوله: ﴿ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ معنى: اتبعوا الله ورسوله..
وهذه الآية تؤيد قول الفقهاء: إن المكلف لا يُقدِم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه) ((تفسير ابن عاشور)) (26/ 216).   6) قال ابن عثيمين: (من التقدم بين يدي الله ورسوله البدع بجميع أنواعها،..
والبدعة أنواع كثيرة: بدع في العقيدة، وبدع في الأقوال، وبدع في الأفعال) ((تفسير ابن عثيمين - سورة الحجرات)) (ص: 8، 9).   مسألة مهمة: يجب على كل مسلم أن يطلب العلم الشرعي ويعمل به بقدر استطاعته، حتى لا يخالف الكتاب والسنة في اعتقاده أو قوله أو فعله، وأن يسأل أهل العلم عما أشكل عليه، كما قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43].   قال القرافي: حكى الشافعي والغزالي الإجماع في أن المكلَّف لا يجوز له أن يُقدِم على فعلٍ حتى يعلم حكم الله فيه، فمن باع وجب عليه أن يتعلم ما عيَّنه الله وشرعه في البيع، ومن آجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله في الإجارة، ومن صلى وجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في تلك الصلاة، وكذلك الطهارة وجميع الأقوال والأعمال، فمن تعلم وعمل بمقتضى ما علم أطاع الله طاعتين، ومن لم يعلم ولم يعمل فقد عصى الله معصيتين، ومن علِم ولم يعمل بمقتضى علمه فقد أطاع الله طاعة وعصاه معصية) ((الفروق)) (2/ 148) بتصرف يسير.
وينظر: ((البحر المحيط في أصول الفقه)) للزركشي (1/ 223).



شارك الخبر

المرئيات-١