أرشيف المقالات

الدروس والعبر من قصة الثلاثة النفر (أصحاب الغار)

مدة قراءة المادة : 32 دقائق .
2الدروس والعبر من قصة الثلاثة النفر (أصحاب الغار)
الحمد لله الذي بالتقوى عمر قلوب عباده المتقين، وجعلها سبيل النجاة للسالكين، وأمر بها الأولين والآخرين، فمن رام السلامة والفلاح ونشد السعادة والنجاح، فعليه بنهج المتقين، وسلوك سبيل المحسنين.   وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له مجيب الداعين، ومعطي السائلين، وقابل توبة التائبين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.   وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين، وسيد المرسلين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطاهرين وصحابته الأخيار المؤمنين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.   أما بعد، فإنه لا يخفى عليكم - أيها الآباء الأكارم والإخوة الأفاضل - ما للقصص الصحيحة والواقعية من أثر في حياة الناس ووقع في قلوبهم، وهو أسلوب تربوي نافع، وواعظ بليغ ناجع، وخاصة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وقد قال الله جل شأنه في آخر سورة يوسف بعد أن ذكر القصة: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111].   وفي السنة من القصص الصحيحة الشيء النافع الذي لا يُستغنى عنه، ومن هذه القصص قصة ثلاثة نفر جاء في بعض الروايات خارج الصحيح أنهم من بني إسرائيل ومهما يكن، فالذي يهمنا ما فيها من الدروس والعبر والفوائد التي يستفيد منها المسلم في سيره إلى الله جل وعلا ويستأنس بها، وإن في أخبار الأمم الماضية ما فيه عبرة للسامعين وموعظة، فيعمل المسلم بحسنها ويترك قبيحها؛ يقول الله بعد أن ذكر قصة موسى مع فرعون ﴿﴿ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا ﴾ [طه: 99 - 101].
ففي الصحيحين عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهو صحابي جليل، من علماء الصحابة وفقهائهم وعبادهم، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف وستمائة وثلاثون حديثًا، وهو الذي قال - كما في الصحيحين -: "كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على النبي صلى الله عليه وسلم، فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وكنت غلامًا شابًّا عزبًا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار؛ قال: فلقِيهما ملك آخر، فقال لي: لن تراع.   فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «نعم الرجل عبدالله، لو كان يصلى من الليل».   قال سالم، فكان عبدالله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلًا، فرضي الله عنه وعن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه»، وفي رواية الإمام مسلم أنهم دخلوا الغار - وهو النقب في الجبل - بسبب المطر أخذهم، ولعلهم كذلك أرادوا أن يحتموا من المطر ومن المبيت في العراء لما فيه من العوارض الضارة؛ كالوحوش الضارية والحشرات السامة، فهم أرادوا مكانًا آمنًا يأوون إليه، ويحتمون فيه، ولكن الله أراد أن يبتليهم حتى يعلموا ونعلم أننا في هذه الحياة معرضون للابتلاء في أي مكان وأي زمان في حضرنا وسفرنا، في بيوتنا وأسواقنا ومراكبنا وأعمالنا، ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]، ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ [العنكبوت: 2].   والإنسان لا ملجأ له من الله إلا إليه، فيكون على استعداد تام للابتلاء ولقاء الله تعالى في كل وقت، دخلوا الغار، «فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم فم الغار»، وقد كانوا ثلاثة نفر، وهنا لا بد من الإشارة إلى أمر في غاية الأهمية، وهو أن المرء لا ينبغي له أن يسافر وحده أو يمشي في أماكن نائية وحده، خاصة فيما يخشى المرء فيه على نفسه من ضَعف وهلكة، لما قد يعرض عليه من أمرٍ يحتاج فيه إلى مساعدة ومعاونة، فالرفقة خاصة الصالحة تكون عونًا لك في سفرك، وأهم من ذلك كله أنها تحثك على الخير والتقوى، وتُثبتك وتأخذ على يديك، والشيطان من الاثنين أبعد، ولهذا جاء في صحيح البخاري عن راوي الحديث رضي الله عنهما أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الناسُ ما في الوحدةِ ما أعلَم، ما سار راكبٌ بليلٍ وحده».   جاء في المسند عنه رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوحدة أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده؛ وقد صححه المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله؛ كما في "الصحيحة".   وجاء عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الراكب شيطان والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب»؛ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وحسَّنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"، والمحدث ناصر الدين الألباني في "الصحيحة".   وهكذا أيها الكرماء من يسافر إلى دولة غربية لا بد أن يأخذ معه الصحبة الصالحة؛ ليحصل بهم النفع والتوجيه. ولَما كان هؤلاء صالحين عندهم علم نافع، ظهر أثر صلاحهم وبركة علمهم عندما ابتلاهم الله عز وجل بهذه الصخرة، فلم يجزعوا ويصرخوا ويتحسروا ويبكوا، بل علموا أنهم في مأزق عظيم، وكرب شديد، ففزعوا إلى الله سبحانه، "فقال بعضهم لبعض - كما في حديث آخر -: عفا الأثر، ووقع الحجر، ولا يعلم بمكانكم إلا الله".   قال صلى الله عليه وسلم: «فقالوا: إنه لا ينجيكم من الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم»، وهكذا - أيها الأحبة - دأب المسلم إذا نزلت به كربة، أو مرت به شدة، أو تعسر عليه مطلوب، أو خاف من مرهوب، يلجأ إلى الله بالدعاء والتضرع، فمن سوى الله جل وعز يقدِر على ذلك، وهنا نلاحظ أنهم قالوا: «إنه لا ينجيكم من الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم»؛ أي: متوسلين به، فيه أنه يشرع للمرء عندما يدعو ربه أن يتوسل إليه بأعماله الصالحة التي أخلصها لله، وصدق فيها مع الله، فإن ذلك من أسباب إجابة الدعاء.   يتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالإيمان به وبوحيه، والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم واتباعه، كما قال تعالى عن المؤمنين: ﴿ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران: 53]، وقال أيضًا: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 193]، وقولهم كذلك: ﴿ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 109].   وقال تعالى عن دعاء الراسخين في العلم: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [آل عمران: 8، 9].   جاء في البخاري ومسلم واللفظ له عن ابن عباس - رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وأخرت، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت».   وجاء عند ابن حبان في صحيحه والطبراني في الكبير عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم مَن آمن بك وشهد أني رسولك، فحبِّب إليه لقاءك، وسهِّل عليه قضاءك، وأقلل له من الدنيا، ومن لم يؤمن بك ويشهد أني رسولك، فلا تحبب إليه لقاءك، ولا تسهل عليه قضاءك، وأكثر له من الدنيا»؛ صحيح، "صحيح الجامع"، و"الصحيحة"؛ للمحدث ناصر الدين لألباني رحمه الله.   وهذا التوسل أحد أنواع التوسل المشروع كما لا يخفى عليكم، بارك الله فيكم.   قالوا: «بصالح أعمالكم»، وهي الأعمال التي جمعت الإخلاص لله تعالى والموافقة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. في بعض الروايات: "لا ينجيكم إلا الصدق"، سل نفسك - أخي المبارك - هل أنت صادق مع الله؟! هل أعمالك صادقة؟! ما أحوجنا إلى الصدق مع الله جل وعلا، في رواية: "فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه"، كم عملت من عمل وأنت صادق فيه مع الله، فلنراجع أنفسنا ونحاسبها قبل فوات الأوان.   واعلموا - إخواني في الله - أن من حفظ الله حفِظه الله، ومن تعرف إلى الله بالرخاء تعرف الله عليه في حال الشدة، وفي حال الضيق والكرب، فيلطف به وييسر له أموره ويعينه، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].   فهؤلاء الثلاثة ضربوا أمثلة عظيمة في التقوى والصدق والإخلاص والخشية والبر والعفاف، والإحسان والأمانة والسماحة، وغير ذلك.   فدعونا الآن ندخل في قصة كل واحد منهم ونأخذ منها ما تيسَّر، فالرجل الأول على حسب هذه الرواية، «قال رجل منهم: اللهم» - أي يا ألله - «كان لي أبوان»، إذًا هذه القصة حدثت مع أبيه وأمه وهما كما قال: «شيخان كبيران»، ولا شك أنهما يحتاجان إلى من يقوم على حاجتهما خاصة، وقد تقدم بهما السن وضعف بهما الجسم، وغالبًا مع هذه الحال يحصل شيء من التضجر والضيق والتقصير من جهة الولد، ولكن صاحبنا هذا شديد البر عظيم الإحسان، فكان من بره بهما وتعظيمه لحقهما، يقدمهما على نفسه وزوجه وأولاد وخدمه، حتى في شراب العشاء، فقال: «وكنت لا أغبق» - والغبوق شرب العشاء، والصبوح شرب أول النهار، قال القرطبي: والحاس هو الذي يؤتى به عند انفلاق الفجر - «قبلهما أهلًا ولا مالًا»، هل يستطيع أحدنا أن يفعل هذا؟! والمقصود بقوله: «ولا مالا» كما قال العلماء: - الداودي - أراد بالمال الرقيق والدواب.   وكان مستمرًّا على هذا البر حتى حدثت معه حادثة، يقول: «فنأى بي»، والنأي البُعد، «طلب الشجر يومًا»: ابتعد كثيرًا عن المساكن بحثًا عن المرعى الخصب والشجر الطيب، لترعى فيه المواشي.   «فلم أرح عليهما»: أُرح ضم الهمزة وكسر الراء؛ أي: لم أرجع إليهما، «حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين»، فهل تركهما وذهب إلى زوجه وأولاده والتفت إلى ماله؟ لا، بل قال: «فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلًا أو مالًا»، كره أن يوقظهما من نومهما خوفًا من أن يتسبب في أرقهما أو أذيتهما، ولم يذهب من فوره، فيتناول شراب العشاء مع زوجته وأولاده، بل قال: «فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر»، برق: بفتح الراء وكسرها؛ أي: تلألأ وظهر ضَوْءُه.   وهذا من عظيم برِّه هو بنفسه يحلب لهما ويسقيهما، وعندما تأخر لم يقدم نفسه عليهما عندما وجدهما نائمين، بل انتظر استيقاظهما ولم يزعجهما حتى طلع الفجر، ولم يقتصر الأمر على هذا، بل قال: «والصبية يتضاغون عند قدمي»، والضغاء بالمد الصياح ببكاء؛ أي: يصيحون ببكاء.   جاء في رواية: "من الجوع"، فقاوم عواطفه نحو أولاده من أجل أبويه، ومن نظر في حال المجتمع لوجد التقصير الكبير مما يبكي العيون ويؤلم القلوب، كم من ولد لا يرعى حق والديه! وكم من ولد يقدم حقَّ زوجته وأولاده على حقهما؟ فنسأل الله الهداية والسلامة.   قال: «فاستيقظا فشرِبا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك»، والتردد هنا سببه أنه لا يعلم هل قبِل الله منه عمله أم لا، وكأنه قال: إن كان عملي ذلك مقبولًا عندك، فأجب دعائي تفضلًا منك «ابتغاء وجهك » - لا لغرض آخر دنيوي - «ففرَّج عنا»؛ أي: افتح، «ما نحن فيه من» كرب «هذه الصخرة، فانفرجت شيئًا»؛ أي: يسيرًا«لا يستطيعون الخروج منه».   فظهر لنا من قصة هذا الرجل فضل البر والإحسان للوالدين وعظيم حقهما، فإن حقهما بعد حق الله تعالى، كما أمر الله وإليك آيات عظيمة يَتبين لك فيها عظم حقهما؛ حيث يقول الله جل شأنه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ ﴾ [الإسراء: 23]؛ أي: أمر، ﴿ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23]؛ أي: وأمر إحسانًا بالوالدين، ﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا ﴾ [الإسراء: 23]؛ أي: إن عاش أحد والديك حتى يشيب ويكبر أو هما جميعًا، ﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ﴾ [الإسراء: 23]، وأُف: اسم صوت ينبئ عن التضجر، أو اسم فعل مضارع هو أتضج، وهذا أدنى مراتب الأذى نبَّه به على ما سواه، والمعنى لا تؤذهما أدنى أذيَّة!   قال: ﴿ وَلَا تَنْهَرْهُمَا ﴾ [الإسراء: 23]؛ أي: لا تواجههما بكلام تزجرهما به، ﴿ وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]؛ أي: لينًا لطيفًا، ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24].   ومن كان بارًّا بهما أكرمه الله في دنياه بالخيرات والبركات في ماله وعمره، فضلًا عن إكرام الله له في الآخرة، فصلة الرحم كما هو معلوم - أيها الإخوة - سبب شرعي لبسط الرزق وسعته، وطول العمر وزيادته، والتي لولاها لما كان هذا رزقه، ولا كان هذا عمره - بتقدير الله تعالى وحكمته - ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سرَّه أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه».   أي: يكتب عمره مقيدًا بشرط كأن يقال: إن وصل رحمه فله كذا وإلا فكذا، فتكون الزيادة في العمر زيادة حقيقية؛ [وهذا أحد الأقوال، وهو الراجح: راجع "شرح النووي على مسلم"، و"فتح الباري للعسقلاني".   بل لعظيم حق الوالدين كان من أبر البر إكرام أقارب الوالدين وأصدقائهما وأحبابهما، في حياتهما وبعد موتهما، في صحيح مسلم أن رجلًا من الأعراب لقي عبدالله بن عمر رضي الله عنهما بطريق مكة، فسلم عليه عبدالله وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه.   فقال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله، إنهم الأعراب وإنهم يرضون باليسير، فقال عبدالله: إن أبا هذا كان ودًّا لعمر بن الخطاب، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أبر البر صلة الولد أهلَ ودِّ أبيه».   وفي مقابل هذا كان عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، ففي الصحيحين عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: « ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، أو قول الزور»، وكان رسول الله متكئًا فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت!   وهما بابان عظيمان يدخل المرء ببره لهما الجنة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة».   بل - يا أخي الكريم - أنت ومالك وهبهما الله لأبيك، في سنن ابن ماجه وغيره عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي مالًا وولدًا، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال: «أنت ومالك لأبيك».   وعند الحاكم والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أولادكم هبة الله لكم يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور، فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها»؛ صحَّحه المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله في "الصحيحة".   ولا شك أن للوالد التبسط بمال ولده، ولكن هذا مقيد بشروط كما نص عليه أهل العلم، فلا يحصل بهذا الأخذ ضررٌ على الابن، ولا يكون للابن حاجة به، وألا يأخذه فيعطيه لابن آخر إلا إذا كان الثاني محتاجًا، فما أعظم حق الوالدين في الإسلام، حقهما لازم لهما طيلة العام، لا كما يفعله الكفار يومًا من كل عام، فالحمد لله على نعمة الإسلام.   ودعونا الآن نقف مع قصة الرجل الثاني حسب الرواية، وهو أشد الثلاثة فتنة وفضلًا فيما ظهر، «قال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إليَّ»، إذًا القصة حدثت مع صاحبنا بحب قريبة له، وفتنة النساء - أيها الإخوة - من أعظم الفتن وأكثرها ضررًا، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الفتنة، لعظيم خطرها، وشدة ضررها على الرجال، ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما تركت بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء».   وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون؟ فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء».   وهذا الرجل فتن بحب ابنة عمه حبًّا شديدًا، وفي رواية: «كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء»، كأشد: أي: حبًّا مثل أشد، أراد تشبيه محبته بأشد المحبات؛‏ [الفتح].   فضعف أمام فتنتها وعشقها وحبها، ولا شك أن الفتنة بالنساء عظيمة وخطيرة، فما بالكم إذا كان مع هذه الفتنة فتنة أخرى، وهي فتنة الحب أو العشق، لا شك أنها تصبح أعظم، وهي قريبته من السهل عليهما الالتقاء، لوجود قرابة بينهما، قال: «فأردتها على نفسها» - أي طلب منها ما يطلب الرجل من امراته - « فامتنعت مني»، فلم توافقه على ما طلبه منها؛ لأنها عفيفة تقية تخاف الله جل وعلا وتخشى عقابه.   فبقيت على هذه الحال من عدم الموافقة «حتى ألَمَّت بها» - أي نزلت بها - «سنة من السنين» المقحطة المجدبة، فلم تمطر السماء ولم تنبت الأرض شيئًا، فمستها الحاجة، أو مستها وولدها، قال: «فجاءتني»، عندما أصابها ما أصابها، جاءت إليه لتطلب معروفًا وعونًا، ولكن الرجل من شدة حبه وعظيم فتنته بها، قال: «فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلِّي بيني وبين نفسها ففعلت» - ضعفت فاستجابت، لاحظوا أنه أعطاها المال وأنفقه بالحرام، وفي آخر القصة صار ماله الذي أنفقه حلال وصلة، وهذا إنما يكون بالتوبة.   قال: «حتى إذا قدرت عليها وفي رواية: "فلما قعدت بين رجليها، قالت: اتَّق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه»؛ أي: بالزواج الشرعي أو بالحلال، وحقه إن كانت بكرًا أن يتزوَّجها، وإن كانت متزوجة أن يتركها لله أو كانت أرملة أو مطلقة.   قال: «قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه»، وهنا ظهر ما في قلبها من خوف الله جل وعلا وخشيته سبحانه.   ويروى أنها ذكرته بالله، وفي آخر أنها بكت فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: فعلت هذا من الحاجة، فقال: انطلقي، وأنها قبل ذلك ناشدته بالله، فلما سلمت نفسها إليه ارتعدتْ، وقالت: أخاف الله رب العالمين، فقال لها: خفتيه في الشدة ولم أُخفه في الرخاء فتركها، كل هذا يفيد ضرورة الوقوف مع النفس إذا ذكِّر العبد ووُعِظ وأُمِر ونُهِي، فقد يضعف الإنسان لكن لا يسترسل، بل يبادر إلى التوبة والرجوع، وباب التوبة مفتوح، والتوبة تجبُّ ما قبلها، وهذه من صفات عباد الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ﴾ [الفرقان: 73]، ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].   وهكذا من رأى من أخيه منكرًا، فليذكره بالله جل وعلا، فالقلوب المؤمنة ينفعها الله بالذكرى؛ ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55].   في صحيح البخاري عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصُر أخاك ظالِمًا أو مظلومًا»، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أرأيت إن كان ظالِمًا كيف أنصره؟ قال: «تحجزه أو تمنعه من الظلم؛ فإن ذلك نصرُه».   نرجع إلى صاحبنا، قال: «فانصرفت عنها»؛ تعظيمًا لله سبحانه وإجلالًا له، وخوفًا وخشية منه جل شأنه، «وهي أحب الناس إليَّ»، مع كونها أحب الناس إليه انصرف عنها، وهذا فيه قوة وازعه وخوفه وتعظيمه، وهذا أمر عظيم لا يقدر عليه إلا من عظُم صدقُه وإخلاصه وتقواه، ونستفيد منه أن الإخلاص لله وخوفه والصدق معه، من أعظم أسباب النجاة من فتنة الشهوات؛ قال الله جل وعلا عن يوسف عليه السلام بعد أن ذكر الفتنة العظيمة التي حصلت له: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24]، في قراءة بكسر اللام، فتكون بمعني المخلصين بطاعتهم وعبادتهم، وبالفتح؛ أي: المختارين للنبوة والرسالة.   ومن إكرام الله لمن كان كذلك أن جعله من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه»؛ (متفق عليه)، جلعنا الله وإياكم ووالدينا منهم.   وزاد على ذلك أنه قال: «وتركتُ الذهب الذي أعطيتها»، وهذا دليلُ صدقه مع الله وعدم تعلُّق قلبه في أمر دنيوي، ولأنها من الصلة فهي قريبته وجاءته في طلب المعروف والمعونة التي يقدر عليها، وهي من الصلة والإحسان، ويكون هذا داخلًا تحت باب اتبع السيئة الحسنة تمحها، أنفقها في بداية الأمر على المعصية، وفي نهايته على الطاعة، فبالتوبة تتبدل السيئات حسنات، فما أكرم الله وما أعظمه وما أرحمه وأحلمه!   قال: «اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاءَ وجهك، فافرج عنا ما نحن فيه» - من الكرب - «فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها» بسبب ضِيقها.
  إخواني وآبائي، لقد حرم الله الزنا، ونهى عن جميع الأسباب المفضية إليه، والموقعة فيه، ولهذا قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32].

ومن صفات عباد الرحمن - جعلني الله وإياكم منهم - ما قاله تبارك وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 68 - 70].
والآن دعونا نقف مع قصة الرجل الثالث والأخير حسب الرواية: «وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم»، وهذا لعدله وأمانته، وهكذا المسلم يجب عليه إعطاء الناس حقوقهم وعدم مماطلته لهم أو أكله لأموالهم وحقوقهم؛ لأنه يعلم أن الظلم ظلمات يوم القيامة، يخاف أن يكون من المفلسين، أين هذا من أولئك الذين يصدق فيهم قول الله جل وعلا: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 1 - 6].   يأخذون حقَّهم من الناس ويستوفون، ولا يعطون الناس حقوقهم كاملة، فليتقوا الله، وليحذروا، وليعلموا أن من استأجر أجيرًا ولم يوفِّه أجره أن الله سبحانه سيكون خصمه يوم القيامة، فلن يكون خصمك هذا العامل المسكين الضعيف فحسب، بل سيكون خصمُك ربَّ العالمين، فقد جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره»، قال ابن التين: "هو سبحانه خصم لجميع الظالمين، إلا أنه أراد التشديد على هؤلاء بالتصريح".   نرجع إلى صاحبنا المبارك، أعطى الجميع حقوقهم، «غير رجل واحد ترك الذي له وذهب»، ترك في ذمة المستأجر فرق ذرة أو أرز، كما في الروايات بسبب اختلاف بينهما على فضل مال زائد أدعاه الأجير، خلافًا للمتفق عليه المعلوم بينهما، وكان للمستأجر الحق فيه، فـ«ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره» - أي كثره بالتجارة فيه - «حتى كثرت منه الأموال، فجاءني ببعد حين»؛ أي بعد زمن، ويظهر أنه بعد زمن طويل، فقال - الأجير -: «يا عبد الله، أدِّ إليَّ أجري، فقلت: كل ما ترى من أجرك: من الإبل والبقر والغنم والرقيق »، فقال: «يا عبد الله، لا تستهزئ بي»؛ لأن أجره قليل، لا يقارب ذلك، «فقلت: لا أستهزئ بك»، «فأخذه» - أي الأجير - «كله فاستاقه فلم يترك» - لي - «منه شيئًا».
فهذا الرجل ضرب مثلًا عظيمًا في الوفاء والإحسان والأمانة والسماحة، وعدم إنكار الحقوق، فلم يُفتن بالمال وحبِّه، لعظيم إخلاصه وخشيته لله جل وعلا، ثم قال: «اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا ما نحن فيه » - أي من الكرب - « فانفرجت الصخرة» - عن باب الغار - «فخرجوا يمشون».   في هذا الحديث ضرب هؤلاء أروع الأمثلة في مواجهتهم لفتن الشهوات، التي طبع حبها في الإنسان، فهذَّبوا أنفسهم، وخافوا مقام ربهم، وغلبوا أهواهم، أمام فتنة الولد والنساء والمال، فقد ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ﴾ [آل عمران: 14].   ‏وقد بيَّن الله أن من كان كذلك، فإن جنته هي مأوى لهم،‏ ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41]، رأينا حكمة الله في إظهار أعمال هؤلاء، فبعمل الأول رفعت الصخرة بأمر ربها عن فم الغار ثُلث الفتحة، وبعمل الثاني رفعت ثُلثًا آخرَ، وبعمل الثالث رفع الكرب نهائيًّا، ثلاث دعوات لرفع صخرة واحدة، وهو بلاء، فما أحوجنا إلى تكاثر الدعوات أمام هذه الابتلاءات الكثيرة في حياة أمتنا الإسلامية، ولو أكثرنا من الدعاء لوجدنا خيرًا عظيمًا، ونصرًا كبيرًا، فعند النسائي في سننه عن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم»؛ وصحَّحه المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله في "صحيح الجامع".   وفي هذا الحديث ظهرت آثار الطاعة جليةً في خبر هؤلاء الثلاثة وكرمة الله لأوليائه، فما أحوجنا إلى مثل هذه القصص الواقعية النبوية لتثبيت القلوب وتربيتها وتصفيتها، والترويح عن النفوس.   هذا ما تيسَّر لنا في الكلام على هذا الحديث، وأعان الله عليه، وله الحمد سبحانه والشكر على نعمه وأفضاله وتوفيقه، ونسأل من فضله وجوده وكرمه، والحمد لله.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢