قبس من (النور)
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
قبس من (النور)(كتاب "النور في فضائل الأيام والشهور" للإمام ابن الجوزي البغدادي من كتبه الوعظية المؤثرة المُحفِّزة، ويقع في اثنين وعشرين مجلسًا، وقد وفقني الله لخدمته، والحمد لله.
وهذا "قبسٌ" منه بين يدي طباعته).
•••••
يا قليلَ الاعتبار وقد سمعَ ورأى.
يا طويلَ الأمل ورفيقُه قد رحلَ عنه ونأى.
يا مشغولاً باللهو مُغترّاً بالمُنى.
يا متعلقًا بما يُوقِنُ أنَّ عُقباه الفنا.
يا مَنْ أكثرُ عمرهِ بالتسويف قد مضى.
ما أنتَ إلا غرَضٌ لسهام المنيّة والقضا.
يا قليلَ الزاد وحادي رحيلهِ قد حدا.
تأهبْ للتلفِ وتهيّأ للردى.
•••••
يا مَنْ إلى القبر في كـلِّ لحظة يسري.
يا مَنْ عمرُهُ يُنْهب وهـو لا يدري.
يا قليلَ الفهم وهذا العتابُ يجري.
تدرَّعْ بدِرع الصبرِ فإنَّ سِهامَ الموت تفرِي.
•••••
يا أيُّها الغافل:
بادرْ أيامَ عمرك بالصدقِ في أقوالِك.
وأخلصْ في أعمالك، فمُحاسبُك الكبيرُ المالِك.
وقدِّمْ بين يديك ما يسُرُّك مِنْ مالِك.
واحذرْ مِن مكرِ أمانيك وغرورِ آمالك.
•••••
يا مَنْ دأبه المعاصي ويُذْهِبُ زمانه فيما لا يُجدي.
يا مَنْ سلك من الهوى سبلاً تُضِل ولا تهدِي.
أتراك إذا نزل بك الموتُ بماذا تفدي؟
فاشتغلْ في خلاصِ نفسك ولا تقل: مالي ولا عبدي.
•••••
إلى متى يا أيُّها الغافل تشتغلُ بفنون تعليلك.
وكأني بك قد قرُبت من نُقلتك وتحويلك.
أمَا الأيام مطايا تُسرِعُ بك إلى رحيلك؟
فبادرْ عمرك قبل أنْ يُنهبَ في بكورك وأصيلك.
فكأنكَ بالموت وقد أخذك مِنْ أخيك وخليلك.
•••••
متى تقفلُ إلى بابِ مولاك مُصالحًا.
متى تَـقْـبَـلُ ممَّنْ أصبح لك ناصحًا.
يا خاسرًا متى تكون رابحًا؟
يا مستأنسًا بذكر الدنيا ستُصْبحُ عنها نازحًا.
لقد مهدتُ لك عند مولاك طريقًا للنجاة واضحًا.
•••••
يا أيُّها المفرِّطُ في زمنه إلى متى تتعرضُ لأسبابِ العقاب.
وتُعْرِضُ عن أبوابِ الثواب.
وتبارزُ بالقبائح ربَّ الأرباب.
فمَنْ أعظمُ منك جُرأةً على العذاب؟
•••••
فيا مَنْ ألجأه هواه إلى المعاصي فهو غافل.
وأنساه لهوُه إتمامَ الفروض وإقامةَ النوافل.
تيقظْ لنفسِك فقد سارت القوافل.
•••••
فالله اللهَ عباد الله:
بادروا بالأعمال الصالحة ما دمتم في خيرٍ مقيم.
وقِفُوا على بابِ الطلبِ بحُسْنِ الأدب، فإنَّ الربَّ كريم.
واعملوا ليومٍ ترى الناس سكارى وما هم بسُكارى مِنْ شدة الهول الجسيم.
يا مَنْ يُحدِّثُ نفسَهُ بدخوله جنّات النعيم.
إنْ كنتَ ذا تقوى فأنت على صراطٍ مستقيم، وفي النَّعيم المقيم.
•••••
فيا أيُّها الغافل:
إيّاك أنْ تُصبحَ عن طُرُق الهُدَى حائرًا.
أو تُعاهدَ على التوبة وتصبحَ غادرًا.
وبادرْ إلى خلاص نفسك مبادرًا.
وكنْ لعواقب الأمور في كل حالٍ ذاكرًا.
ولازمْ خدمة مولاك وكنْ صابرًا شاكرًا.
واحذرْ أنْ تكون عند ربح المتقين خاسرًا.
فكأني بك وقد أقبل الموتُ زائرًا.
•••••
يا هذا:
ضيعتَ في البطالة أيامَ حياتك الفانية.
ولم تعتبرْ بمن مضى من القرون الخالية.
أين الآباءُ والأمهات، أين الإخوةُ والأخوات؟
أين الملوكُ الأكاسرة، أين الدولُ الجبابرة؟
أين مَنْ تَجبَّرَ وصال، أين مَنْ جمَعَ الأموال؟
أما قصفهم ريحُ الممات، فأصبحوا مِنْ جملة الأموات؟
كم نحذِّرُك ولم تسمع التحذير.
وكم نأمرُك بالتحفظ وأنت تؤثرُ التبذير.
وكم ننذرُك وكأنك لم تسمع النذير.
فإلى متى هذا التواني والتقصير.
وإلى متى تغتر والعمرُ قصير.
وحتى متى أنت في لهو الدنيا وإلى الله المصير؟
•••••
يا هذا:
كأني بك وقد قصمَ الموتُ عُراك التي بها قد تمكَّنت.
وأخرجَكَ عن دارك التي جوَّدتَ عمارتَها وسكنت.
ونُقِلتَ إلى قبرك فخلوتَ فيه بما أسأتَ وأحسنت.
فتزيّنْ بالتقوى فطوبى لك إِنْ تزينت.
واعملْ لما ينفعُك غداً، وإنْ لم تعملْ فَمَنْ أنت؟
سوف تندمُ على تقصيرك إذا عاينتَ ملك الموت.
ونادى بروحك أن اخرجي وأزعجَك الصوت.
فلا مال لك يقيك، ولا ولدك يفديك.
•••••
يا هذا:
أما تعتبرُ بالذين ركنوا إلى الدنيا وعليها قد اعتمدوا.
وأمَّلوا البقاء فيها فما بقوا ولا خلدوا؟
لقد تفرّقوا بعد اجتماعهم وانفردوا.
ورأوا أعمالَهم في قبورهم ووجدوا.
ذهبوا واللهِ وعن أملهم بعُدُوا.
فمنهم أقوامٌ شقوا وقومٌ سعدوا.