1 - جنة في الدنيا - رحلة البحث عن السعادة - محمد علي يوسف
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
الجميع يبحثون عن السعادة ..تلك حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها..
كل منا يريد حياة طيبة رغدة
يريد لذة أو متعة طالت ودامت أو قصرت وكانت سريعة عابرة
في النهاية أصل المقصد واحد وإن تنوعت أشكاله وصوره
نريد السعادة.
.
من رحمة الله بعباده أن جعل مسببات تلك السعادة متنوعة وجعل عواملها نسبية
فسعادة الطفل بلعبة جديدة ولو كانت رخيصة هي سعادة
و سعادة الفقير ببعض اللحم يوم العيد هي أيضا سعادة
وكذلك سعادة أسرة متوسطة الحال بيومين مصيف فى جمصة أو رأس البر تعد لديهم سعادة
وسعادة الملياردير على شاطىء الريفييرا أو فى منتجعه ببورتو مارينا أو على متن يخته الفاخر بخليج نعمة
هى أيضا سعادة
هذه سعادة وتلك سعادة
حتى لو اختلف التأثير من سبب لآخر ومن شخص لآخر ومن بيئة لأخرى فالمحصلة الشعورية فى النهاية واحدة
ستظل سعادة!
نفس مرادفات البهجة وعلامات السرور وأمارات الفرحة سيجدها هذا وذاك وإن اختلفت الطرق والوسائل
صحيح أن ما يسعد الفقير لن يسعد الغني وما يبهج الكبير قد يسبب اكتئابا للصغير وما يسر المسن قد يضجر الشاب اليافع لكن كلا منهم سيجد في النهاية ما يسعده أو على الأقل سيسعى للوصول إليها
إلى السعادة
إلى ذلك الشعور الذي قد يدفع البعض لتحصيله أموالا طائلة ويبذلون جهودا - وربما دماءً سواء كانت تلك الدماء لهم أو لغيرهم - وقد يطأون غيرهم في طريق تحصيله
المهم أن يصل إليه
وأن يزيده ويجوده
فكما أن السعادة نسبية فهي كمية؛ تزيد وتنقص
مع الوقت قد يمل السعيد ويشعر بالحاجة للمزيد ومن ثم يبذل ويبذل ليصل إلى منتهى اللذة وغاية البهجة
وكثيرون يصلون بالفعل
لكن حتى لو نجحوا وأصابوا مقصدهم وبلغت السعادة أقصاها فإنها ستظل سعادة دنيوية بمعايير ثابتة يحويها وعاء مادى قاصر لا يتمدد إلا لدرجة معينة لا زيادة عنها
أما السعادة التى لا يمكن أبدا قياسها بمعايير أو تقييدها بحدود ولا أُطُر فهى سعادة القلب فى طاعة الله
هى أفراح الروح بسجدة تهفو فيها النفس وتحلق فى ملكوت السماء والأرض
هى فيوضات من البهجة تنهمر على ثنايا الفؤاد بمناجاة خاشعة أو تسكبها على الروح تسبيحة متبتلة مختلطة بدمعة عابدة متبتلة
هى الحياة الطيبة.
.
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
وتلك الحياة الطيبة هي جنة الدنيا التى لا يتذوقها عاقل ثم يحيد عنها لغيرها أو يعدل بها شيئا
يظن البعض أن هذا لا ينال إلا في الآخرة وحسب وأن الدنيا ليس فيها إلا المشقة والتعب والحزن والألم
والحقيقة أن هذا غير صحيح بإطلاق.
.
في الدنيا يمكنك أن تتذوق شيئا من نعيم تلك الحياة الطيبة
بل يمكنك إدراك ما هو أعلى بأن تحول حياتك إلى جنة عاجلة
أن تنعم وأنت بين ظهراني الحياة الأولى بشىء من لذات الآخرة
هذا النعيم قد أدركه البعض ووصفوه
فمن جنة ابن عباس -رضى الله عنهما- الذى وجد من لذة العبادة ما جعله يقول عن أهل جنة الآخرة أنهم لو يجدون مثل ما يجد فما أطيب عيشهم
إلى جنة ابن تيمية التى أخبر أن محلها فى صدره إن سُجن فسجنه خلوة فى تلك الجنة وإن قُتل فقتله شهادة تنقله منها إلى جنة الآخرة وإن نُفى فنفيه سياحة وتأمل فى أرض الله تدفع القلب دفعا إلى ذكره ليجوب وارف ظلال جنة الدنيا
إلى جنة الحسن البصرى الذى أخبر أنه ومن كانوا مثله يجدون فيها من النعيم واللذة ما لو علمه أبناء الملوك والسلاطين لجالدوهم عليه بالسيوف
الأمر إذاً ممكن والبعض بالفعل أدركه وعاينه وتقلب في حدائق بهجته وبساتين لذته
الدنيا إذا ليست شقاءً خالصا كما يظن البعض
بل يمكنك أن تجعلها جنة وأن تتذوق طعما مختلفا للسعادة وتطرق أبوابا أخرى تنال بها شيئا من تلك الحياة الطيبة
هنا.
..
في الدنيا
حيث جنة الدنيا