المرض الملازم فتش نفسك أيها (الملتزم) - إياد قنيبي
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
هناك ظاهرة لدى الكثيرين منا نحن المحسوبين من الملتزمين، عندما نترك ما تعودنا عليه من محرمات (أغاني، علاقات غير منضبطة بين الشباب والفتيات،...) ونقبل على مظاهر الالتزام (لحية، حجاب، ...) دون أن نمر بمحطات التزكية الحقيقية، فإن (حظوظ النفس ) تبقى ملازمة لنا.حظوظ النفس هذه، والتي كانت تدفعك من قبل للمعاصي الظاهرة المعروفة، ستبحث الآن عن مُتنفَّس جديد لها في شخصيتك أيها "الملتزم" التزاماً ناقصاً، وأحياناً التزاماً أجوف! ستظهر حظوظ النفس بمظهر جديد.
كنت من قبل تشبع حظ نفسك بالأغاني وتقليب عينيك في المحرمات.
اليوم، بعد "الالتزام"، تشبع حظ نفسك بالرياء وطلب الشهرة من خلال الدين الذي التزمت به ظاهرياً، أو من خلال التهاون في غيبة الناس وتحقيرهم على اعتبار أنك الوصي على الدين الذائد عن حياضه! أو التهاون في حقوق الناس على اعتبار أنك أولى بما اقتطعته من أموالهم لأنك "تخدم الأمة" بينما هم يضيعون مالهم في غير فائدة!
كانت من قبل تشبع حظ نفسها بالتبرج المكشوف..
واليوم، بعدما غطت رأسها تشبع حظ نفسها بتضييق ملابسها وزركشتها والتهاون أكثر في علاقتها مع الرجال حولها.
المشكلة أننا في ذلك كله نخدر ضمائرنا كلما حاولت أن تصحو ونقول لها: "بل أنا على خير، والدليل أني تركت الأغاني والمسلسلات لله، وأطلقت لحيتي وتحملت نظرة المجتمع لي وضحيت لوجه الله"..
صحيح، هو فعل ذلك لله، لكنه لم يتخلص من حظ نفسه، فبحث له عن متنفس آخر يعوض عما ضحى به!
تأمل حال الخوارج ، الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم» (صحيح البخاري [5058])، فعبادتهم في الظاهر أكثر من عبادة الصحابة ، لكن مقتلهم كان في أنهم لم يتخلصوا من حظوظ أنفسهم! قال ابن كثير : "..
فإن أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان مبدؤهم بسبب الدنيا حين قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين ، فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يعدل في القسمة ، ففاجأوه بهذه المقالة ، فقال قائلهم -وهو ذو الخويصرة- بقر الله خاصرته -أعدل فإنك لم تعدل".
هذه مصيبتهم! أنهم لم يطهروا نفوسهم من حظوظها على الرغم من كثرة عبادتهم فوجدت نفوسهم حظها في الاستعلاء على الناس واستباحة دمائهم وأموالهم، وإلا فالله أرحم من أن يضل قوما أقبلوا عليه بصدق وتجرد.
أخي، أختي، فتش نفسك هل خلت من حظوظها؟ واعلم أن الاستقامة لا تكون حقيقية حتى تتخلص من هذه الحظوظ موقنا برحمة الله أنه تعالى سيعوضك بدلا منها لذةً وإيماناً كالذي كتبه في قلوب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: {أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ} [المجادلة من الآية:22].
وصدق الله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [الشمس:9].