أرشيف المقالات

(3) مستقبل الصراع السياسي والعسكري في المنطقة العربية وأفريقيا وأفغانستان - مستقبل الصراع السياسي - عبد المنعم منيب

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
ذكرنا في الحلقة الأولى أننا نسعى للإجابة عن سؤال: ما هو مستقبل الصراع السياسي والعسكري في المنطقة العربية وأفريقيا وأفغانستان؟
وقلنا أنه كي نتمكن من الإجابة على هذا السؤال فلابد أولاً أن نعيد توصيف هذه القوى وأهدافها لنعبر عنها بجوهر وصفها بدلاً من الوقوف عند حد توصيفها بأسمائها فقط ، وشرحنا في الحلقة الأولى توصيف كل من المشروع التركي ومشاريع الجهاد العالمي والجهاد المحلي وتنظيم الدولة الإسلامية كما ذكرنا في الحلقة الثانية المشروع السعودي والمشروع الاخواني ونواصل في هذه الحلقة توصيف بقية المشاريع بالمنطقة على النحو التالي:
-مشروع السيسي/الإمارات:
بغض النظر عن الكثيرمن التفاصيل فإن هذا المشروع يعبر عن غلاة العلمانية في المنطقة العربية، ولا شك أن صعود الإسلاميين سياسيًا بعد الربيع العربي أوضح أن الغالبية العظمى من العلمانيين العرب خاصة في مصر هم غلاة جداً في علمانيتهم ولا يقبلون إلا بإقصاء كل ما هو إسلامي حتى وإن لم يكن سياسيًا ولم يتضح هذا الاتجاه بين كتاب وإعلاميي العلمانية فقط بل برز أنه اتجاه مهيمن على الأجهزة الأمنية بشقيها العسكري والشرطي، وقد أجج الصعود السياسي الإسلامي في مصر الأحقاد لدى هذه القوى تجاه الحركات الإسلامية بل تجاه التدين الاجتماعي أيضا فأطلقوا حرباً لا هوادة فيها تجاه الإسلاميين كما هو معروف ومشاهد لكل متابع للشؤون العربية في السنوات الثلاث الأخيرة.
هذا المشروع الذي يقوده رئيس مصر الحالي المشير عبد الفتاح السيسي ورجل الإمارات القوي ولي العهد الأمير محمد بن زايد يهدف إلى إقصاء الإسلاميين بمختلف تياراتهم عن أي وجود سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو فكري ثقافي في الساحة العربية وأدى هذا لصدامات مع المتظاهرين المعارضين في مصر وكذلك اشتباكات مسلحة مع معارضين مسلحين بعضهم أعلن انتمائه لتنظيم الدولة وبعضهم لم تعرف امتداداته التنظيمة بعد، كما حدثت صدامات مسلحة بين موالين للسيسي وبن زايد (قوات حفتر) وقوى إسلامية مسلحة في أنحاء متفرقة في ليبيا.
وأبرز إشكاليات هذا المشروع أنه كي يبلغ مداه فلابد له من أن يتصادم مع البنى الاجتماعية الأصلية في مواطن تمدده بما في ذلك أكبر دولة عربية سكانيًا وهي مصر بجانب دول قبلية كاليمن وليبيا وهي دول تدعم قبائل مهمة فيها تيارات إسلامية متعددة، وكيف سيتصرف هذا المشروع مع بنى اجتماعية راسخة تؤمن بالخطاب الديني الذي يصمه بالإرهاب مثل المؤسسة الدينية السعودية وقواعدها الاجتماعية التي تكاد تشمل كل قبائل وعائلات المملكة.
ومن هنا فهذا المشروع يتصادم ليس مع كافة المشاريع الإسلامية (الإخوان، الجهاد العالمي، الجهاد المحلي) بالإضافة إلى المشروع التركي ولكنه يسير إن عاجلاً أو أجلاً للصدام مع المشروع السعودي أيضاً ولا يوجد من هو أقرب إليه إلا المشروع الإيراني المدعوم روسيًا إلا أنه حتى مع هذا المشروع سيكون مهددًا لأن هذا المشروع لا يقبل إلا التبعية المطلقة وهذا سيفتح عليه أبواب ضغوط أخرى تتعلق بخريطة التمدد المسموح به لإيران أمريكيًا وإسرائيليًا كي لا تتطغى على النفوذ الإسرائيلي بالمنطقة.
وفضلاً عن هذا كله فإن المحور الإمارتي المصري لا يقوى وحده على تمويل مشروعه السياسي والاستراتيجي اقتصاديا.
-المشروع الإيراني:
مشروع ماكر جدًا ويعمل بدهاء كبير جدًا في العالم الإسلامي بكامله بل في العالم كله من أجل نشر التشيع بين جميع المسلمين السُنَّة والسيطرة على العالم العربي سياسيًا.
وقد تمكنت إيران في الفترة الأخيرة من قطف كثير من ثمار ما زرعته منذ نحو أربعين عاماً من العمل في المنطقة العربية من تمكين لحزب الله في لبنان وتمكين للحوثيين في اليمن وقبلها كان تمكين الشيعة في العراق وكادت تأخذ البحرين لولا تدخل القوات السعودية والإماراتية كما نجحت إيران مع تابعها بشار في سوريا من تحجيم الثورة السورية بدرجة ما أو على الأقل عرقلة نجاحها الذي كان وشيكًا في فترة ما.
وإذا كان أردوغان يعمل على خداع أمريكا وأوروبا ليفلت بمشروعه -بالتحول إلى دولة عظمى- إلى بر الأمان دون الاصطدام بأمريكا عبر إيهامها بأنه صديقها وأنه معتدل ويحارب التطرف والإرهاب الإسلامي فإن إيران تفعل نفس الشيء لكن عبر تصوير كل الحركات الإسلامية السنية بأنها إرهابية بل وتصوير أردوغان نفسه بأنه إرهابي وبأن إيران نفسها هي دولة معتدلة ومتعاونة مع أميركا وأوروبا ضد الإرهاب الإسلامي..
وفرصة الثقة بين أميركا وإيران في هذا المجال أكبر من فرصة أردوغان.
وتأتي فرص إيران الأوفر لأسباب عديدة ومنها على سبيل المثال التالي:
1-إيران عاونت أميركا كثيرًا جدًا في ضرب الإسلاميين في أفغانستان وباكستان بينما أردوغان رفض التعاون هناك.

2-نفس الشيء فعلته إيران في العراق بينما رفض أردوغان معاونة أميركا هناك بل وبعد ذلك ظل يساند التركمان والسنة العرب ضد شيعة العراق بدرجة ما كما وثق علاقاته الاقتصادية والسياسية والأمنية مع أكراد العراق ضد شيعة العراق وضد إرادة إيران.
3-إيران تضرب السنة من القبائل الحاضنة لأنصار الشريعة الآن في اليمن عبر الحوثيين وتجعلهم يعلنون أنهم بذلك يحاربون الإرهاب وتساندهم أميركا بطائراتها وعملائها اليمنيين.
وأهم شيء في العلاقة بين إيران وأمريكا من وجهة نظري هو أن أميركا تنخدع لإيران في كل هذه الأمور وغيرها لهدف أكبر من ذلك كله وهو هدف استراتيجي يتمثل في أن أميركا تريد لإيران أن تقوى بدرجة معينة وتتمدد في المنطقة لما هو "آتي" وهو أن أميركا تعلم جيدًا أن خلافة أو دولة إسلامية سنية واعية وناضجة ومدركة لطبيعة العصر الذي نعيشه سوف تنشأ خلال السنوات القادمة وبالتالي فهي تعد إيران من طرف خفي للتصدي لهذه الدولة عسكريًا وسياسياً لتجهضها أو على الأقل تستنزفها.
وهذا نوع من إعادة ما جرى في التاريخ العثماني عندما أمدت ممالك أوروبا المملكة الصفوية بالمال ممولة لحروبها ضد العثمانيين مما أوقف الزحف والفتوحات العثمانية في أوروبا بعد أن كانت القوات العثمانية قد حاصرت فيينا وقضمت نصف أوروبا الشرقي..
ونجحت بذلك أوروبا -وقتها- في إيقاف الزحف العثماني في اتجاه أوروبا لأن العثمانيين اضطروا لنقل مجهودهم الحربي كله إلى الشرق للتصدي للهجمات الصفوية في المشرق العربي.
وتريد إيران توطيد نفوذ ذيولها في العراق ولبنان واليمن والقضاء على معارضيهم هناك كما تسعى إلى تصعيد نشاط شيعة البحرين وصولاً للاستحواذ على الحكم إذا سنحت الفرصة كما تريد أن تهزم الثورة السورية لتوطد حكم العلويين وتلجأ إيران لحيل عديدة في سوريا من أجل تحقيق هذا، فبجانب مجهودها العسكري فإنها قد تلجأ لحل سياسي ما بالتوافق مع المحور الخليجي والولايات المتحدة.
ويضاف لذلك نشاطها الكبير عبر الشيعة داخل الكويت والسعودية ومصر وأفغانستان وباكستان وغيرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونواصل التحليل في الحلقة التالية غدًا إن شاء الله.

شارك الخبر

المرئيات-١