أرشيف المقالات

الدم السني المستباح

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
لم يكن إعلان حكومة رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو الحرب على المدافعين عن الأقصى ممن وصفهم "بالمشاغبين وراشقي الحجارة " أمراً مفاجئاً أو غير متوقع، فالمقدمات -كما يقال- تشير إلى النتائج، وسياسة الحكومة الصهيونية تجاه المسجد الأقصى منذ سنوات باتت مكشوفة ومفضوحة.
إن سلسلة الاقتحامات الصهيونية للمسجد الأقصى المستمرة منذ سنوات، والتي كان أبرزها اقتحام أرئيل شارون في سبتمبر من عام 2000م، ناهيك عن العبث الصهيوني بأساسات المسجد الأقصى في محاولة هدمه لبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، تشير بوضوح أن المسألة ليست عفوية أو فردية، بل هي سياسة ونهج صهيوني واضح الأهداف والغايات، وإذا كان الصهاينة قد تجاوزوا الكثير من العقبات والحواجز للوصول إلى هذا الهدف المنشود؛ فإن عقبة حراس الأقصى والمرابطين فيه تبقى الأصعب بالنسبة لمخططاتهم الخبيثة، ومن هنا فإن استباحة دم هؤلاء جهارا نهارا على لسان رئيس حكومة الاحتلال (نتنياهو) يعتبر أمراً بالغ الخطورة.
نعم ..
لقد خرج اجتماع الحكومة الصهيونية الطارئ أمس بقرارات واضحة المعالم في استباحة دم كل من يدافع أو ينافح عن حرمة المسجد الأقصى، وكانت تهديدات نتنياهو ووزراء حكومته واضحة المعالم في هذا الاتجاه.
فقد أمر نتنياهو مستشاره القانوني (يهودا فاينشتاين) بمناقشة السماح باستخدام القناصة ضد راشقي الحجارة من الفلسطينيين في القدس المحتلة، وهو ما يعني قتل كل من يقف حجر عثرة أمام اقتحامات الصهاينة، وقنص كل من يؤخر تقسيم المسجد الأقصى زمانيًا ومكانيًا.

كما أن تصريحه الخطير بتعديل قواعد الاشتباك مع راشقي الحجارة -كما يصفهم- والذي ستقوم به حكومته فوراً، يشير إلى وجود نية مبيتة باستباحة دم المرابطين في المسجد الأقصى، لإزالة العقبة الأخيرة أمام مشروعهم تجاه الأقصى.
وهل يمكن قراءة تصريح نتنياهو الذي نقلته صحيفة معاريف: "سنعمل على تغيير السياسة الحالية، وسنوفر الأدوات لقوات الجيش والشرطة للعمل بشكل كبير وبحزم ضد راشقي الحجارة وقنابل المولوتوف، دون تمييز"، إلا بأنه إطلاق يد أفراد الجيش والشرطة لقتل كل من يحاول منع اقتحامات الصهاينة للمسجد الأقصى، واستباحة دم كل من يعارض تقسيمه زمانيا ومكانيا!
وإذا أضفنا إلى ما سبق تهديد وزيري الأمن الداخلي (جلعاد أردان) والقضاء (أيلت شاكيد) بإجراءات صارمة ضد المتظاهرين وملقي الحجارة في القدس المحتلة؛ فإن أركان جريمة القتل المتعمد للمرابطين الفلسطينيين بالمسجد الأقصى تبدو مكتملة، وما هي إلا مسألة وقت حتى يبدأ التنفيذ على أرض الواقع.
هذا ما تمخض عنه اجتماع الحكومة الصهيونية بعد خمسة أيام متتالية من الاقتحامات والانتهاكات لحرمة الأقصى وحرمة من يرابطون بداخله , بينما لم تسفر اجتماعات الجامعة العربية والمنظمات الإسلامية واتصالات المسؤولين العرب إلا عن مزيد من الإدانات والاستنكارات ومطالبة المجتمع الدولي ومجلس الأمن بالتدخل لوقف تلك الانتهاكات , والتي يعلم الجميع أنها لا طائل منها ولا جدوى.
لم تكن هذه الاستباحة الصهيونية لدماء المرابطين بالمسجد الأقصى هي الأولى من نوعها، فتاريخ الحكومات الصهيونية وزعمائها في استباحة دم من ينافح عن الأقصى حافل بما يندى له جبين الإنسانية، ويكفي ذكر حريق المسجد الأقصى عام 1969 على يد متطرف صهيوني، ومذبحة الحرم الابراهيمي على يد متطرف صهيوني آخر وبالتواطؤ مع بعض المستوطنين والجيش الإسرائيلي عام 1994م، إلا أن تهديدات نتنياهو باستباحة دم حراس الأقصى الشريف تتزامن مع استباحة الدم السني في المنطقة بأسرها -بل والعالم-، الأمر الذي يشير إلى مخطط واضح المعالم ضد أهل السنة في المنطقة بأسرها.
إن كل من يتابع استباحة الدم السني في كل من سورية على يد النظام النصيري والمليشيات الرافضية، وفي العراق على يد مليشيات الحشد الصفوي وقوات التحالف الدولي، وفي اليمن على يد الحوثيين أذناب ملالي قم، وفي فلسطين المحتلة على يد الصهاينة، دون أن يتحرك العالم لإيقاف هذه الانتهاكات؛ يدرك جيداً أن هناك مخطط وتنسيق بين جميع هذه القوى ضد أهل السنة.
وأمام هذا الواقع لا يكفي التنديد والاستنكار لوقف استباحة الدم السني، ولا تجدي مناشدة المجتمع الدولي للتدخل لوقفها، لسبب بسيط هو: تواطؤه وتورطه في تلك الاستباحة، بل لا بد من خطوات عملية أكثر فاعلية، كتلك التي قامت بها السعودية في اليمن -وما زالت- لوقف تغول الحوثيين.
 
زياد الشامي

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢