أرشيف المقالات

اصطبغ بصبغة الله - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
عش مع القرآن والسنة، تخلق بأخلاقهما، اعمل بمقتضياتهما، اتبع ولا تبتدع..
در بقلبك وعقلك واجعل حياتك في مدارهما حتى تبدو للناس وكأنك مصبوغ بهما، وكأن حياتك لا تخرج عن الشرع قيد أنمله، فإن سهوت فعد وإن ابتعدت فأسرع بالعود فما أجمل صبغة الله، وما أعظم أن تصطبغ بها! 

كن من جنده وأهله وخاصته، كن من حاملي راية التوحيد ومشعل الهداية، وخذ مكانك في صف الأنبياء والعلماء والشهداء والصديقين والصالحين.
قال تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة:138]
قال العلامة السعدي رحمه الله:
"أي: الزموا صبغة الله، وهو دينه، وقوموا به قيامًا تامًا، بجميع أعماله الظاهرة والباطنة، وجميع عقائده في جميع الأوقات، حتى يكون لكم صبغة، وصفة من صفاتكم، فإذا كان صفة من صفاتكم، أوجب ذلك لكم الانقياد لأوامره، طوعًا واختيارًا ومحبة، وصار الدين طبيعة لكم بمنزلة الصبغ التام للثوب الذي صار له صفة، فحصلت لكم السعادة الدنيوية والأخروية، لحث الدين على مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال، ومعالي الأمور.. 
فلهذا قال -على سبيل التعجب المتقرر للعقول الزكية-: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} أي: لا أحسن صبغة من صبغته.
وإذا أردت أن تعرف نموذجًا يبين لك الفرق بين صبغة الله وبين غيرها من الصبغ، فقس الشيء بضده، فكيف ترى في عبد آمن بربه إيمانًا صحيحًا، أثر معه خضوع القلب وانقياد الجوارح، فلم يزل يتحلى بكل وصف حسن، وفعل جميل، وخلق كامل، ونعت جليل، ويتخلى من كل وصف قبيح، ورذيلة وعيب. 
فوصفه: الصدق في قوله وفعله، والصبر والحلم، والعفة، والشجاعة، والإحسان القولي والفعلي، ومحبة الله وخشيته، وخوفه، ورجاؤه، فحاله الإخلاص للمعبود، والإحسان لعبيده، فقسه بعبد كفر بربه، وشرد عنه، وأقبل على غيره من المخلوقين فاتصف بالصفات القبيحة، من الكفر، والشرك والكذب، والخيانة، والمكر، والخداع، وعدم العفة، والإساءة إلى الخلق، في أقواله، وأفعاله، فلا إخلاص للمعبود، ولا إحسان إلى عبيده، فإنه يظهر لك الفرق العظيم بينهما، ويتبين لك أنه لا أحسن صبغة من صبغة الله، وفي ضمنه أنه لا أقبح صبغة ممن انصبغ بغير دينه.
وفي قوله: {وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} بيان لهذه الصبغة، وهي القيام بهذين الأصلين: (الإخلاص، والمتابعة)، لأن (العبادة) اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال، والأقوال الظاهرة والباطنة، ولا تكون كذلك، حتى يشرعها الله على لسان رسوله، والإخلاص: أن يقصد العبد وجه الله وحده، في تلك الأعمال، فتقديم المعمول يؤذن بالحصر.
وقال: {وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} فوصفهم باسم الفاعل الدال على الثبوت والاستقرار، ليدل على اتصافهم بذلك وكونه صار صبغة لهم ملازمًا".
 

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن