دفع الصائل ( مشروعيته - شروطه - حكمه - ضمان الفعل )
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
دفع الصائل[1]( مشروعيته - شروطه - حكمه - ضمان الفعل )
أولاً: مشروعيته:
الصائل: هو الذي يشبُّ على غيرِه ويستطيل عليه يريد ماله أو نفسه ظلمًا.
ويشرَعُ للمتعدَّى عليه ولغيره ممَّن شاهد الأمر ردُّ العدوان بالقدر اللازم لدفع الاعتداء، مبتدئًا بالأخف فالأخف، فلا يتجاوز حدَّ الضرورة، حتى لا تتوسَّع دائرة الضرر، ولا مسؤولية على المدافع إلا إذا تجاوز الحد المشروع.
وأدلة المشروعية كثيرة؛ منها:
قوله - تعالى -: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 194].
ومن السنة قولُه - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن قُتل دون دِينه فهو شهيد، ومَن قُتل دون أهله فهو شهيد))[2].
وأما جواز الدفاع عن الغير، فأساسه وجوب صيانة الحُرُماتِ مطلقًا من نفسٍ أو مال، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((انصُرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا))، قيل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيتَ إن كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: ((تحجزه عن الظلم، فإن ذلك نصره))، وقال أيضًا: ((مَن أُذِل عنده مؤمن فلم ينصُرْه وهو يقدر على أن ينصره، أذله الله على رؤوس الأشهاد يوم القيامة))[3].
ثانيًا: شروط دفع الصائل:
يشترط لدفع الصائل أربعة شروط؛ وهي:
1- أن يكون هناك اعتداءٌ على رأي الجمهور، وقال الحنفية: أن يكون الاعتداء جريمةً يعاقب عليها.
2- أن يكون الاعتداء عليها واقعًا بالفعل، لا مؤجَّلاً ولا مهدَّدًا به.
3- ألا يُمكِن دفع الاعتداء بطريق آخر.
4- أن يدفع الاعتداء بالقدر اللازم من القوة مبتدئًا بالأيسر فالأيسر.
ثالثًا: هل دفع الصائل حق مباح أم واجب؟
قال الجمهور من المالكية والشافعية والحنفية بأن دفع الصائل واجب دفاعًا عن النفس؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]، وقوله - تعالى -: ﴿ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الحجرات: 9]، وقوله - تعالى -: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 194].
وقال الحنابلة: دفع الصائل على النفس جائز لا واجب؛ لحديث ((تكون فتنٌ، فكُنْ عبدَ الله المقتول، ولا تكُنِ القاتل))[4]، وقد صح أن عثمان - رضي الله عنه - منَع عبيده من الدفاع عنه، وكانوا أربعمائةٍ، وقال: ((مَن ألقى سلاحه فهو حر)).
رابعًا: ضمان الفعل:
1- قتل الصائل:
اتفق الفقهاء على أن المعتدَى عليه إذا قتل الصائل، فلا مسؤولية عليه ولا دية ولا قصاص؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن شهر سيفه ثم وضعه - ضرب به - فدمه مهدَر))[5]؛ ولأن الصائل باغٍ، والمصول عليه كان يؤدِّي واجبه في الدفاع عن نفسه، ودفع الشر والبغي.
واستثنى الحنفية ما إذا كان الصائل صبيًّا أو مجنونًا أو دابة، فإذا قتله المدافع فلا قصاص عليه، ولكنه يدفع الدِّيَة عن الصبي والمجنون، ويضمن قيمة الدابَّة.
وقال الحنابلة: إن مَن دفع صائلاً عن نفسه أو عن ولده ونسائه ومحارمه بالقتل لم يضمنه، ولو دفع الصائل عن غيره بالقتل ضمنه.
2- حكم العاضِّ:
أما مَن عَضَّ يد إنسان، فانتزعها منه فسقطت أسنانه فلا ضمان على المعضوضِ عند الجمهور، بدليل حديث عمران بن حصين: أن رجلاً عضَّ يدَ رجل فنزع يده من فيه فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: فقال: ((يَعَضُّ أحدُكم يدَ أخيه كما يَعَضُّ الفحل؟! لا دِيةَ لك))[6].
قال المالكية: يجب الضمان في مثل هذا؛ لحديث: ((في السِّنِّ خمسٌ من الإبل))[7]، فقال ابن بطال: لو بلغ مالكًا حديث عمران بن حصين لم يخالفه.
3- حكم الدفاع عن العرض:
أراد فاسقٌ الاعتداءَ على شرفِ امرأةٍ، فيجب عليها أن تدافع عن نفسها باتفاق أهل العلم، ولا تمكِّنه من نفسها، ولها قتله، ولو قتلَتْه كان دمُه مهدرًا إذا لم يمكن دفعه بغير ذلك؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن قُتِل دون عِرْضه فهو شهيد))[8]، كما يجب على كل مَن رأى غيرَه يحاول الاعتداءَ على امرأة أن يدفعَه عنها ولو بالقتل إن لم تَكْفِ السبل الأخرى؛ لأن الأعراض حرماتُ الله في الأرض، ولا تُباح إلا بسبيلها الشرعي، يستوي في ذلك عِرْض الرجل وعِرْض غيره.
4- حكم قتل الزاني بالزوجة:
مَن وجد رجلاً يزني بامرأته فقتله فلا قصاصَ عليه باتفاق المذاهب؛ للحديث السابق ولقضاء عمر بذلك، غير أنه لا بد من البيِّنة، وهي أربعة شهداء، وقيل: يكفي شاهدان؛ لأن البينة المطلوبة هنا على وجوده فوق المرأة، وهذا يثبُت بشاهدينِ.
5- حكم الاطلاع على داخل البيوت:
لو اطَّلع شخص بدون إذنٍ على بيتِ غيره، فرماه صاحب البيت ففقأ عينَه، ونحو ذلك، فلا مسؤولية عليه عند الشافعية والحنابلة؛ بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو أن رجلاً اطَّلع عليك بغير إذنٍ فقذَفْتَه بحصاةٍ ففقأت عينه ما كان عليك جناح))[9].
قالوا: هذا الحكم إذا رماه بشيء خفيف كحصاة ونحوها مما لا يقتل عادة، أما إذا رماه بما يقتل فإنه يُقاد به.
وقال الحنفية والمالكية: بل يجب عليه القصاص أو الدية؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((في العين نصف الدِّية))[10]، واتفق أهل المذاهب الأربعة على أنه لو أدخل شخص رأسه داخل دار، فرماه صاحب الدار ففقأ عينه، فلا يضمن إجماعًا.
6- حكم الدفاع عن المال:
اتَّفق أكثر أهل العلم على أن الدِّفاع عن المال جائز لا واجب، قلَّ المال أو كثر، ولا قصاصَ على المدافعِ عن ماله إذا اتَّبع الدفع بالأسهل؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "جاء رجل فقال: يا رسول الله، أرأيتَ إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ فقال: ((لا تعطه مالك))، وفي لفظ: ((قاتِلْه دون مالك)))، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: ((قاتِلْه))، قال: أرأيتَ إن قتلني؟ قال: ((فأنت شهيد))، قال: أرأيتَ إن قتلتُه؟ قال: ((هو في النار))[11].
وفرَّق المالكية بين المال الكثير والقليل، فقالوا: لا يجوز الدفاع عن المال اليسير حتى لا يعرِّضَ نفسه للهلاك من أجل ذلك، وفرَّق الشافعية بين ما فيه روح وما لا روح فيه، فأجازوا الدفاع في الأول دون الثاني.
ولم يَقُلِ العلماء بوجوب الدفاع عن المال؛ لأنه مما يباح بالإذن بخلاف النفس والعِرْض، فلا يباحان مطلقًا.
[1] ينظر: بدائع الصنائع 7/93، الدر المختار ورد المحتار 3/197، الشرح الكبير 4/357، بداية المجتهد 2/319، مغني المحتاج 4/196، المغني 8/329، قواعد الأحكام 1/195، التشريع الجنائي الإسلامي 1/278.
[2] رواه أصحاب السنن الأربعة.
[3] رواه أحمد.
[4] أخرجه ابن أبي خيثمة والدارقطني، ونحوه عند الإمام أحمد في المسند.
[5] أخرجه النسائي والطبراني.
[6] رواه البخاري ومسلم وأحمد.
[7] أخرجه أحمد وابن حبان والنسائي.
[8] سبق تخريجه.
[9] متفق عليه.
[10] أخرجه أحمد وابن حبان والنسائي.
[11] أخرجه مسلم.