أرشيف المقالات

وحدك تعلم (3)

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
(9)

تكتم شهقاتها..
وتُربّت على قلبها المَكلوم وهي تتلوها بصوت مُرتفع..

{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83] 
وأنتَ أرحم الرّاحمين..
ارحمهم يا رب!

رأسي يضجّ بألف ألف سؤال ..
استيئس الرُسل يا رب !!
متى ينتهي كل هذا الوجع
تسمعنا ..
ترى حالنا
- وبعد مرور شُهور  ...
(10)

في رُكن بعيد ..
جلست في حديقة بيتها ..
تتحرّك أناملها بسُرعة فوق لوحة حاسوبها..
...

الآن الآن يجبُ أن أحكي لكِ ..
كيفَ صرتِ لي كُلّ هذا الذي لا أجد له وصفًا!؟
اليوم، حدث شيءٌ عجيب !
رُبما قُمت بكتابة كلمات بسيطة جدًا، واحتفظتُ بها كي لا أنسى.

لكن أحدثكِ أنتِ عن هذا الشيء..
كُنت أقرأُ سُورَتيّ الإسراء والكَهف، فجر اليوم  ..


العجيب..
أنهُ مُنذ شُهور ..
عندما اشتركتُ مع صديقات أسماء البلتاجي، لقراءة ختمة من أجلها  ..
وهذه الأيام..
حين اشتركتُ مع صديقتي أخت الشهيد عبد الرحمن علي ..
قَدرًا يقع نصيبي على قراءة هذا الجُزء الخامس عشر ..
بكلّ مرة وعلى آخر لحظة أجد أنهُ ينتظرني!

قد يبدو الأمر ساذجًا ...
لكن على الأقل، هذه المرة بالنّسبة لقلبي ليس كذلك أبدًا ..
ولا داعي لأن يستوعبه غيري ..

كنتُ أقرأ وأتلو الآيات ..
وأحسستُ بشدّة بقرب رُوحها، بقُرب رُوح الشهيد..
كلماته.
مرّ بخاطري تقريبًا كل كلمة تَعلمتها منهم..
الله جميل جدًا ..
قريب!

رُغم ضجيج تساؤلات رهيبة مُرعبة في عقلي مُنذ فترة..
قولي بدأت فقط منذ حوالي 3 سنوات ..
بدأت، وبضحالة فِكري حينها، والذي أعتقد ما زال يلزمه الكثير
لم أبالي..
أو على الأصح دفنتها -الأسئلة- في رأسي أكثر.
عن الكون ..
عن الحياة ..
عن الله ..
علاقتنا نحن بكل هذا!؟
أمتنا ..
بُؤسها ...
ضياعها ..
علاقة ذلك بذنوبنا ..
وكنتُ أقضي معظم أيامي عبث في عبث ..
غفر الله لي ...
ومنذ شهور الأفكار تكبر وتكبر ..
وبحثي أخذ طابع أكثر جدّية..
منذ ما حدث في رابعة رُغم هول الأمر ...
إلا أنهُ أيقظني.

ترتيبات الله عجيبة ..
حنانه رحمته ..
لُطفه الذي قد لا نتلمّسة للوهلة الأولى أبدًا وقد نشك كذلك ونيأس!

تدبيره وتحقيقه لأحلامنا مهما كانت بسيطة..
بسيطة جدًا.
حينَ أراها يكسوها هذا الجمال الباذخ ..
أصبحتُ لا أملك إلّا أن أبكي وأبكي وحسب ..
من الرّضا والفرح في صدري!
من عجزي كيف أشكره!؟

مُنذ أيام حقق لي حُلُم من هذه الأحلام التي قد يقول أيّ أحد غيري أنها طُفولية فعلًا جدًا!
لا قيمة له عند أيّ أحد غيري رُبما..
المُهم لي، أنهُ حقق الحُلم الذي كنتُ أتلهّف عليه..
سمع ما في قلبي وأعطاني، غير أنهُ حققه بدرجة جمال لم أتخيلها أبدًا!
جعلني أبكي له ..
وفكرتُ كثيرًا جدًا في ما هو أبعد من حُلمي البسيط هذا ..
في كل ما حولنا..
في أحوالنا ..
مصائبنا ..
في تدابيره هو ..
في سخطه من أفعالنا السيئة التي كل واحد منا يعلمها جيدًا كلٌّ أدرى بفعلته..
وقد يُصرّ ويتمادى فيها!!
في غضبه من رُكوننا ..
من يأسنا ..
استسلامنا ..
فُتور هِممنا.
في رضاه ..
..
معيّته ..
في حُبّه للعاملين المُحسنين.
في الجزاء..
في حِكمته من كُلّ شيء ..
في عظمته ..
في تقديره المُحكم الدّقيق لكُلّ حركة في هذا الكون.
في الكثير ..
الكثير..

مُنتشية جدًا فقط لأنهُ معنا!

رُغم أي شيء..
مُطمئنة لفكرة أنّ من يبحث عنهُ بنيةٍ صادقة لا بد وأن يجده ويعرفه..
وحين قرأت عبارة د.
مُصطفى محمود أخذت أرددها كثيرًا ..
"إن الله أقرب إلى الذين يجتهدونَ في فهمه، من الذين يُؤمنون به إيمانًا أعمى"..

انتهيتُ أمس من قراءة رواية اسمها "وحدكَ تعلم"..
كتب حروفها شابٌ سُوريّ غير معلوم الاسم للآن..
بسبب الظُروف الأمنيّة هُناك ..
لا أعتقد أبدًا أني انتهيتُ منها بالمعنى الحرفيّ.
أشعر أنها ستُلازمني كثيرًا، حتى يقبض الله رُوحي هنا..
على الأقل أثرها فيَّ سيبقى كثيرًا.
أو قولي أنها ستُصبح نُقطة تحول في حياتي بإذن الله.

لا ..
لستُ أُعطيها فوق حجمها أو غير ذلك..
وليس لمسألة أنها لامست شيء فيّ ..
أبدًا..
لمسألة أني شعرتُ أنهُ هو أرسلها من أجلي..
هو دبّر كل هذا ..
أن أجد فيها الكثير من الحلول التي أبحث عنها ..
كثير من الكلمات، تُشبه التي كنت أكتبها بصعوبة وأنا أبكي.

الأسئلة ....
عن الله ...
الحُبّ ..
الثَورَة ..

أثق أننا بإذن الله سنمضي رحلة بحثنا في هذه الدنيا ..
وإن كان بفكرة..
بكلمة..
نشيد..
نِقاش ..
كتاب..
خاطرة ..
بتذكرة ..
بدُعاء ...
بنبض صادق..
حتى نصل بإذن الله لأعالي الفردوس.

تعلمين..
لا أريد أن تُلبسيني ثوب إنسانة قد تقولين من كلماتها أنها مُتواضعة إلخ.
أنا بصدق..
لا أعلم ماذا أكتب لكِ عن هذه التي تَسكنني أو أسكنها..
هو ستر الله ورحمته..
أنا لا شيء أبدًا ..
بكرمه، لم أعد هذه التي كُنت عليها مُنذ شهور مَضت.
لا..
ليس من باب التغيير والأفضليّة والالتزام وغيرها من كلمات..
فقط من باب الصّدق ..
صدقي مع أمل أولًا..
وضُوحي معها في كل خطوة تخطوها..
وأنها بحاجة للكثير جدًا ..
"أدركتُ أن معرفة الله أهم من كُلّ شَيء"

انتهيتُ منها -الرواية- لأفتح بجدّية كتاب "رحلتي من الشك إلى الإيمان " للدكتور مصطفى محمود..
وقلبي يَرنو إلى اليَقين التّام  بإذن الله ..

لأبحر بصدق في كُتب فريد الأنصاري، وسيد قُطب والنّدوي، والمودودي.
علي الطنطاوي، والمسيري وزينب الغزالي وجاسم سُلطان وأحمد خيري العُمري
خالد أبو شادي والرافعي والمنفلوطي..
الغزالي والعقاد ومحمد موسى الشريف.
محمد أحمد الراشد، التّلمساني وعبد الله عزام، أحمد بهجت
ومحمد عمارة والقرضاوي، زغلول النجار وعمرو شريف، الكيلاني وطارق السويدان
ومجدي الهلالي.
وعلي عزت بيكوفتش..
رفاعي سرور وجهاد الرَّجبي ونُور الجَندلي
وإبراهيم السكران وسامية أحمد.
وعابدة العظم وعبد الرحمن الكواكبي.
وغيرهم وغيرهم ...
ممن عكفوا طويلًا يبحثون ويقرأون ويكتبون لنا
علّنا نذكُر أن أوّل كلمة نزلت "اقرأ باسم ربك الذي خلق"!
فالأمر جدّ مهم، ليس رفاهية أو مجرّد هواية حتى!
أول أمر كان اقرأ ...
وليس أيّ قراءة..
اقرأ باسم ربّك
لو نتدبرها؛ نعي جيدًا أن طريقنا لا بُدّ وأن يكون أولًا من أجل معرفته هو.

كُل كتاب سيفتح عُقولنا على آخر ويكون غَرساً لنبتةٍ تنمو إن تعاهدناها بالرعاية وأحسنَّا إليها.
نقرأ لنَفهم كتابنا الأعظم والأكبر  بوضوح أكبر ..
لنفهم القُرآن الكريم.
الذي قال لنا أنّهُ هُدىً للنّاس وبيّنات.
لنقرأه وكأنه يتنزّل على قُلوبنا عذبًا طيّبًا.
لنَرى قبسه.
ليكون مِنهاجُنا حقًا ..
لا نحيد عنه ولو كانت رقابنا الثّمن، كالقُطب سيّد!

أعلم أنه فعلًا مشوار طويل جدًا ..
أن نصل لهذا اليقين ..
هذا الرّضا ...
وهذا الوَعي.
أعلمُ أنّ بعض الأجوبة والتفسيرات رُبما لن أجد لها شيء شافي في هذه الدنيا..
وسأتخيل أني برحمته معكم في حلقة هُناك في بيت الرسُول  في الجن ّة ..
أو في هذا البيت الذي بُني عنده..
بيت السيدة آسيا..
المهم نجلس ونسمع..
عن أيّ شيء وكل شيء..
نحكي ونضحك ونفرح بفضل الله ورحمته.

أصبحتُ مُوقنة أنّ الله خالق عظيم..
موجود..
وموقنة أنه حكيم..
وعَدل ورَحيم.
وموقنة أن لي عقلًا صغيرًا جدًا بالنّسبة لهذا الكون الشاسع الذي خلقه..
ولذا يجب أن أتحرك في طريقي لمعرفته حق المعرفة بهدوء كما فعل عمر..-بطل الرواية -
بشيء من  حكمة..
بكثير من {إيّاكَ نعبدُ وإيّاكَ نستَعين} [ الفاتحة :5]  ..
سأجعلها -حياتي- بإذن الله رحلة من أجل كلّ شيء  ..
من أجل أن أعرف مُراده منّي ..
من أجل ألا يُصيبني اليأس أبدًا ..
من أجل أن أرى سُوريا بدون دماء ..
بدون قنابل يُلقيها معتوه يُدعى بشّار ..
من أجل أن أزور الأقصى حقًا ..
وأنا لا أرى هذه المُسوخ النّتنة تمضي بضفائرها وقبعاتها وأسلحتها حوله..
من أجل أن أتنعّم ببيت الله الحرام هناك في بَكّة ..
بدون هذه الأبنية القميئة وساعتهم الضّخمة التي يُشوهون بها المكان..
ونكاد لا نرى الكعبة جوارها..
أبغضها نعم..
مِليارات صُرفت عليها في الوقت ذاته الذي تَتَلَوّى الأطفال في شتى البقاع الحزينة ثُمّ يموتون !
جوعًا، عطشًا، بردًا..
حُزنًا.

من أجل أن أرى الأمل بالفعل في عُيون الأطفال..
أرى شمس عزّ الإسلام من جديد..
أمور عظيمة...
مُرعبة ومبهجة في ذات الوقت ..
فأل يُحبني وأحبّه.

سأبقى بإذنه أحاول أن أمضي في هذا الطريق ..
مع ابتسامة أسماء البلتاجي التي تلاحقني طوال اليوم..
وتكسر كُل فكرة لليأس ..
تجعلني أنهض كل يوم وأبتسم ..
رُغم خُطواتي التي لا تَكاد تُرى من بُطئها ..
سأحاول يا صديقتي بإذن الله ..
لن أملّ الدعاء وطرق باب الله ..
أثق أنه كريم ورحيم ..
لن أمَلّ وأضع يدي على خدّي أبكي كلّ يوم وحسب..
وما النّفع!؟ سلاحٌ فاسد كما قالت هذه السُورية مُنذ أعوام.
لم يعُد هُناكَ مُتسع للبُكاء كثيرًا ولنَدب الحال ..
لا بأس بدُموع نذرفها بين الفينة والأخرى ..
في سجدة لا يعلم ما فيها إلا الذي سُجدت له.
تنفث عنّ قلوبنا الوجع، لنمضي ونعمل جاهدين ..
نعمل معًا.

يوم وراء يوم ..
تتلاشى من رأسي تمامًا فكرة أني ناقمة على حياتنا كما كنت من قبل!
على بُؤس حالنا الشّديد مُنذ وعت عقولنا ..
وبعد رابعة خاصّة ..
ورُغم أني لا أفعل إلا قليل من قليل..
لكن بتُّ أفكر كثيرًا أنه ليس شيئًا هيّنًا عند الله أكيد..
ماذا لو أنت وأنا وهي وهو ..
هبّوا ولَبَّوْا بصدق!

لكل شيء حساب ..
وقدر ..
أتذكر قول رسوله صلى الله عليه:
«فواللهِ لأنْ يهْدي اللهُ بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من أنْ يكونَ لك حُمرِ النعمِ» (صحيح الجامع رقم 1511)
فأهدأ وحتّى أوقات أقول ..
إذًا بالتأكيد رحلة بحثي حتّى من أجل أن تَهتدي رُوحي إليه
وأبلغ اليقين ..
ليست بشيء هين في حسابه الكريم! :')
الله لطيف جدًا.

----

وأخيرًا ..
أبعدت حاسوبها عنها قليلًا ..
وأخذت تعبث في أصابعها وتُطقطها كعادتها ..
بحركة سريعة أخذت قلمها، وخطّت على ورقة بيضاء أمامها كلمات صارت لها كظلها مُؤخرًا..
مُنذ عشرات الأعوام..
خطّها سيّد قطب  رُبما في أيامه الأخيرة..
قبل الارتقاء من المشنقة إلى السّماء.


"لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة!
لقد عملتُ بقدر ما كنت مُستطيعًا أن أعمل..
هناك أشياء كثيرة أود أن أعملها لو مدّ لي في الحياة.. 
ولكن الحسرة لن تأكل قلبي إذا لم أستطع 
إن آخرين سوف يقومون بها ...
إنها لن تموت إذا كانت صالحة للبقاء!
فأنا مُطمئن إلى أن العناية التي تلحظ هذا الوجود لن تدع فكرة صالحة تموت"



كان مساءً  باردًا ..
استَلقت في سريرها..
ولأنها وحيدة؛ راحت تحكي حكاية لِنفسها..
تُغني كذلك لنفسها..
بصوتٍ بَحّهُ الصّمت والبحث والوصول..
راحت تُنشد:


صدحَ البُلبُل يشدو ..
إنهُ صوتُ الحياة ..
كيفَ يا بُلبُلُ تَشدو ..  في زمانِ النّكسات!؟
عاشَ في الدُنيا غريبًا ..
بينَ أنيابِ الطُغاة..
عاشَ في الدُنيا أسيرًا ..
أطلقتهُ الطلقات ..

رُبّ أيامٍ قضاها ..
في خِضمّ المَعمَعات ..
لم يذُق للنّومِ طَعمًا ..
لم يجد فيها الفُتات ..
أيُها البَطلُ المُسجَّى ..
في ثَباتٍ ووقار ..
نَم قريرَ العين أنعِم ..
إنّ نصرَ الله آت ..

-----

إلى فتية آمنوا بربهم ..
إلى فراشتي وشَهيدي وماما عزّة،
رحمة ومروة وشمس، ريم وهند وفاطمة،
أخي عليّ وحفصة وخديجة وسارة
ندى وبلسم وآية ودلال وسهام وإيمان.
إلى كُلّ الغُرباء.
------------------------------------------
بقلم: أمل ناجح
وحدك تعلم (1)
وحدك تعلم (2)

شارك الخبر

المرئيات-١