(215) سُنَّة الدعاء عند عصف الريح - إحياء - راغب السرجاني
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحساسية لرؤية الغيم؛ لأن الله عز وجل أهلك أقوامًا قبل ذلك به، فقد حكى القرآن قصة قوم عاد فقال: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ . تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [الأحقاف:24-25]، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحضر هذه الصورة عند رؤية الغيم؛ وذلك مع أن الله سبحانه قد وعده بعدم إهلاك قومه وهو فيهم؛ حيث قال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33].
إلا إنه كان يحبُّ لأُمَّته ألا تطمئنَّ في هذه الدنيا ؛ بل تعيش على وَجَلٍ من عقاب الله، وهذا سيدفعها دومًا إلى مراجعة النفس والتوبة؛ وقد حَذَّر اللهُ عباده من شعور الأمن الزائف؛ فقال: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ .
أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ .
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 97 -99].
لهذا كانت هذه السُّنَّة النبوية؛ فقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، تَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ، «عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ»، فَإِذَا مَطَرَتْ «سُرَّ بِهِ، وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: «إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي»، وَيَقُولُ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ: «رَحْمَةٌ»".
وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أدعية خاصَّة إذا عصفت الريح بالمدينة؛ فقد روى مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهَا قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ، قَالَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ»، قَالَتْ: وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ، «تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ»، فَإِذَا مَطَرَتْ، «سُرِّيَ عَنْهُ»، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: " «لَعَلَّهُ، يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24]»".
فلتكن هذه هي مشاعرنا عند رؤية الغيم، أو عصف الريح.
ولا تنسوا شعارنا قول الله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54].