أرشيف المقالات

التغني بالقرآن - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
فضائياتنا تعج بأصوات الشياطين، شاشاتنا امتلأت برقصات الغانيات وعري الساقطات..
شوارعنا تعج بأغاني هابطة بين أصوات منفرة أو معانٍ وتلميحات ساقطة!

هذا هو حال الإعلام الذي يغزو بيوت المسلمين، والحقيقة أن تلك البيوت قد استسلمت لهذا الغزو في تلذذ مفزع..
ترى ما الفرق بيننا وبين الأصل الذي ينبغي أن نعيشه؟

يخبرنا الإمام ابن كثير في مقدمة تفسيره عن هذا الفرق ويعرض علينا العلاج المأمول قائلاً:
"حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، حدثنا عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم يأذن الله لشيء، ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن»، وقال صاحب له: يريد يجهر به فرد من هذا الوجه، ثم رواه عن علي بن عبد الله بن المديني، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري به ( البخاري )، قال سفيان: تفسيره: يستغنى به، وقد أخرجه مسلم والنسائي من حديث سفيان بن عيينة (مسلم)

ومعناه: أن الله ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها، وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية، وذلك هو الغاية في ذلك، وهو سبحانه وتعالى يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم، كما قالت عائشة رضي الله عنها: "سبحان الله الذي وسع سمعه الأصوات" (البخاري)، ولكن استماعه لقراءة عباده المؤمنين أعظم، كما قال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} الآية [يونس:61].

ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ كما دل عليه هذا الحديث العظيم، ومنهم من فسر الأذن ها هنا بالأمر، والأول أولى لقوله: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن»، أي: يجهر به، والأذن: الاستماع؛ لدلالة السياق عليه، وكما قال تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ .
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ .
وَإِذَا الأرْضُ مُدَّتْ .
وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ .
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}
[الانشقاق:1-5]، أي: وحق لها أن تستمع أمره وتطيعه، فالأذن هو الاستماع؛ ولهذا جاء في حديث رواه ابن ماجة بسند جيد عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لله أشد أذنا إلى الرجل  الحسن الصوت بالقرآن -يجهر به- من صاحب القينة إلى قينته» (ابن ماجة).

وقال سفيان بن عيينة: إن المراد بالتغني: يستغنى به، فإن أراد: أنه يستغنى عن الدنيا ، وهو الظاهر من كلامه الذي تابعه عليه أبو عبيد القاسم بن سلام وغيره، فخلاف الظاهر من مراد الحديث؛ لأنه قد فسره بعض رواته بالجهر، وهو تحسين القراءة والتحزين بها.

قال حرملة: سمعت ابن عيينة يقول: معناه: يستغنى به، فقال لي الشافعي : ليس هو هكذا، ولو كان هكذا لكان يتغانى به، وإنما هو يتحزن ويترنم به، ثم قال حرملة: وسمعت ابن وهب يقول: يترنم به، وهكذا نقل المزني والربيع عن الشافعي رحمه الله، وعلى هذا فتصدير البخاري الباب بقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت:51]، فيه نظر..

لأن هذه الآية الكريمة ذكرت ردًا على الذين سألوا عن آيات تدل على صدقه، حيث قال: {وَقَالُوا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ .
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}
[العنكبوت من الآية:50،51]، ومعنى ذلك: أو لم يكفهم آية دالة على صدقك إنزالنا القرآن عليك وأنت رجل أمي {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48]، أي: وقد جئت فيه بخبر الأولين والآخرين، فأين هذا من التغني بالقرآن وهو تحسين الصوت به أو الاستغناء به عما عداه من أمور الدنيا (أهـ من تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير).

والآن أخي القارئ الكريم عليك أن تعقد المقارنة بين واقعنا وبين ما ينبغي أن نكونه. 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣