بين يدي الساعة تسليم الخاصة
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
"بين يدي الساعة تسليم الخاصة" عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «بين يدي الساعة تسليم الخاصة»؛ رواه: الإمام أحمد، والبخاري في "الأدب المفرد".
أخْبَرَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَلامة من علامات اقْتِرابِ يوْمِ القِيامَةِ ألا وهي "تَسْليمُ الخاصَّةِ".
ومن ذلك أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "بين يَدَيِ الساعَةِ"؛ أي: مِنْ عَلاماتِ قُرْبِ القِيامَةِ "تَسْليمُ الخاصَّةِ"؛ أي: يُسلِّمُ المَرْءُ على خاصَّتِه، ومَن يَعرِفُه دون السَّلامِ على عامَّةِ المُسلِمينَ إذا مَرَّ بهم، مع أن السنة هي إلقاء السلام على مَنْ نعرف ومَنْ لا نعرف.
ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم تقوية العلاقات بين المسلمين من خلال إفشاء السلام بينهم، فالمسلمون أسرةٌ واحدةٌ، بل جسدٌ واحدٌ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَّهَر والحُمَّى، والعلاقة بينهم هي علاقة الأخوة الإسلامية؛ لذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعزيزها إلى أقصى درجاتها، واعتبر أن إفشاء السلام ونشره بين المسلمين من أعظم أسباب الإيمان، ومن أوسع الطرق إلى الجنة؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحابَبْتُم، أفشوا السلام بينكم»؛ أخرجه مسلم.
وهو أيضًا تَحِيَّةُ المَلائِكَةِ، وتَحِيَّةُ أَهْلِ الجَنَّةِ، وتَحِيَّةُ المُؤمِنِينَ يَومَ يَلْقَونَ رَبَّهُم عزَّ وجلَّ يَومَ القِيَامَةِ، والسَّلامُ سَبَبٌ من أَسبَابِ التَّآلُفِ، ومِفتَاحٌ من مَفَاتِيحِ اسْتِجْلابِ المَوَدَّةِ، وفي إِفْشَائِهِ تَتَمَكَّنُ الأُلْفَةُ بَينَ المُسْلِمِينَ، وفِيهِ رِيَاضَةٌ للنَّفْسِ، ولُزُومُ التَّوَاضُعِ، وإِعْظَامُ حُرُمَاتِ المُسْلِمِينَ.
روى الإمام البخاري عَن عَمَّارٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: «ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ: الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ، وَالْإِنْفَاقُ مِن الْإِقْتَارِ».
وبِإِفْشَاءِ السَّلامِ قَطْعٌ للتَّهَاجُرِ والشَّحْنَاءِ وفَسَادِ ذَاتِ البَينِ التي هيَ الحَالِقَةُ، روى الإمام أحمد عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّم: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ، الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، حَالِقَةُ الدِّينِ، لَا حَالِقَةُ الشَّعَرِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».
ومن المؤسف أن تمُرَّ على أخيك المسلم فلا تُلقي السلام عليه؛ لأنك لا تعرفه وهو لا يعرفك، والأَسْوَأُ حَالًا أن يَدْخُلَ الإِنسَانُ مَجْلِسًا فِيهِ أُنَاسٌ يَعْرِفُ بَعْضَهُم، ولا يَعْرِفُ الآخَرِينَ، فَيَتَوَجَّهُ إلى مَن يَعْرِفُ فَيُسَلِّمُ عَلَيهِ ويُصَافِحُهُ، ويَدَعُ الآخَرِينَ، وإذا سَلَّمَ عَلَيهِم سَلَّمَ سَلامَ المَنَّانِ بالتَّحِيَّةِ والسَّلامِ، ومن المُؤْسِفِ أيضًا أن يَحْرِمَ الإِنسَانُ نَفْسَهُ هذا الخَيرَ العَظِيمَ، والأَجْرَ المُتَرَتِّبَ على إِلقَاءِ السَّلامِ، روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ.
ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَشْرٌ».
ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ.
فَقَالَ: «عِشْرُونَ».
ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ.
فَقَالَ: «ثَلَاثُونَ»، وهو أجر من جاء بكل صيغة من صيغ السلام، وحتى في ختام المجلس يُشرع السلام، روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إلى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ، فَلَيْسَتِ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِن الْآخِرَةِ».
وهذه بعض فوائد إفشاء السلام:
1- نشر المحبة والتآلف بين المسلمين.
2- إظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل.
3- رياضة النفس ولزوم التواضع وإعظام حرمات المسلمين.
4- رفع التقاطُع والتهاجُر والشحناء.
5- سبب في زيادة الأجر.
6- من حقوق المسلمين فيما بينهم، قال صلى الله عليه وسلم: «حقُّ المسلم على المسلم ست، قيل: ما هي يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجِبْه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمِّتْه، وإذا مرض فعُدْه، وإذا مات فاتْبَعه».
نسأل الله أن يوفقنا للخير، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يجعلنا إخوة متحابِّين متآلفين، وأن يجنِّبنا المحن والفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.