أسباب قطيعة الرحم
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
أسباب قطيعة الرحم[1] إذا نظرت إلى قطيعة الرحم وجدت أنها تحدُث لأسباب عديدة تحمل على القطيعة، منها:
1- الجهل:
فالجهل بعواقب القطيعة العاجلة والآجلة، يحمل عليها ويقود إليها، كما أن الجهل بفضائل الصلة العاجلة والآجلة يقصر عنها، ولا يبعث إليها.
2- ضعف التقوى:
فإذا ضعفت التقوى، ورق الدين لم يبالِ المرء بقطع ما أمر الله به أن يوصل، ولم يطمَع بأجر الصلة، ولم يخش عاقبة القطيعة.
3- الكبر:
فبعض الناس إذا نال منصبًّا رفيعًا، أو حاز مكانة عالية، أو كان تاجرًا كبيرًا، تكبر على أقاربه وأنف من زيارتهم والتودُّد إليهم؛ بحيث يرى أنه صاحب الحق، وأنه أولى بأن يزار ويؤتى إليه.
4 - الانقطاع الطويل:
فهناك من ينقطع عن أقاربه فترة طويلة، فيصيبه من جراء ذلك وحشة منهم، فيبدأ بالتسويف بالزيارة، فيتمادى به الأمر إلى أن ينقطع عنهم بالكلية، فيعتاد القطيعة ويألف البعد.
5 - العتاب الشديد:
فبعض الناس إذا زاره أحدٌ من أقاربه بعد طول انقطاع، أمطر عليه وابلًا من اللوم والعتاب والتقريع على تقصيره في حقه، وإبطائه في المجيء إليه، ومن هنا تحصل النفرة من ذلك الشخص والهيبة من المجيء إليه؛ خوفًا من لومه وتقريعه وشدة عتابه.
6 - التكلف الزائد:
فهناك من إذا زاره أحد من أقاربه، تكلَّف لهم أكثر من اللازم، وخسر الأموال الطائلة وأجهد نفسه في إكرامهم، وقد يكون قليل ذات اليد، ومن هنا تجد أن أقاربه يقصرون عن المجيء إليه؛ خوفا من إيقاعه في الحرج.
7 - قلة الاهتمام بالزائرين:
فمن الناس من إذا زاره أقاربه، لم يُبْدِ لهم الاهتمام ولم يُصغ لحديثهم، بل تجده معرضًا مشيحًا بوجهه عنهم إذا تحدَّثوا، لا يفرح بمقدمهم، ولا يشكرهم على مجيئهم، ولا يستقبلهم إلا بكل تثاقلٍ وبرود؛ مما يقلِّل رغبتهم في زيارته.
8 - الشح والبخل:
فمن الناس من إذا رزقه الله مالًا أو جاهًا، تجده يتهرب من أقاربه، لا كبرًا عليهم وإنما خوفًا من أن يفتح الباب عليه من أقاربه، فيرهقوه بالاستدانة منه، ويكثرون الطلبات عليه، أو غير ذلك، وبدلًا من أن يفتح الباب لهم، ويستضيفهم ويوسِّع عليهم، ويقوم على خدمتهم بما يستطيع، أو يعتذر لهم عما لا يستطيع إذا به يُعرض عنهم، ويصرمهم، ويهجُرهم؛ حتى لا يرهقوه بكثرة مطالبهم - كما يزعم - وما فائدة المال أو الجاه إذا حُرم منه الأقارب، قال زهير بن أبي سلمى وما أجمل ما قال:
ومن يكُ ذا فضلٍ فيبخل بفضله
على قومه يُستغنَ عنه ويُذَمَّمِ
وما أجمل قول البارودي:
فلا تَحسبنَّ المال ينفع ربَّه
إذا هو لم تُحمَد قِراه العشائرُ
ومما قيل في ذلك:
ومن ذا الذي نرجو الأباعد نفعه
إذا كان لم يصلح عليه الأقارب
9- تأخير قسمة الميراث:
فقد يكون بين الأقارب ميراث لم يقسم، إما تكاسلًا منهم، أو لأن بعضهم عنده شيء من العناد، أو نحو ذلك، وكلما تأخر قسم الميراث، وتقادم العهد عليه، شاعت العداوة والبغضاء بين الأقارب، فهذا يريد حقَّه من الميراث ليتوسع به، وهذا آخر يموت ويتعب من بعده في حصر الورثة، وجمع الوكالات حتى يأخذوا نصيبهم من مورثهم، وذاك يسيء الظن بهذا، وهكذا تشتبك الأمور، وتتأزم الأوضاع، وتكثر المشكلات، فتحل الفرقة، وتسود القطيعة.
10- الشراكة بين الأقارب:
فكثيرًا ما يشترك بعض الإخوة أو الأقارب في مشروع أو شركة ما، دون أن يتفقوا على أسس ثابتة، ودون أن تقوم الشركة على الوضوح والصراحة، بل تقوم على المجاملة وإحسان الظن، فإذا ما زاد الإنتاج، واتسعت دائرة العمل، دب الخلاف وساد البغي، وحدث سوء الظن، خصوصًا إذا كانوا من قليلي التقوى والإيثار، أو كان بعضهم مستبدًّا برأيه، أو كان أحد الأطراف أكثر جدية من الآخر، ومن هنا تسوء العلاقة، وتَحل الفرقة، وربما وصلت الحال بهم إلى الخصومات في المحاكم، فيصبحون بذلك سبة لغيرهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ﴾ [ص: 24].
11- الانشغال بالدنيا واللهث وراء حطامها:
فلا يجد هذا اللاهث وقتًا يصل به قرابته، ويتودد إليهم.
12- الطلاق بين الأقارب:
فقد يحدث طلاق بين الأقارب، فتكثر المشكلات بين أهل الزوجين، إما بسبب الأولاد، أو بسبب بعض الأمور المتعلقة بالطلاق، أو غير ذلك.
13- بعد المسافة والتكاسل عن الزيارة:
فمن الناس من تنأى به الديار، ويشط به المزار، فيبتعد عن أهله وأقاربه، فإذا ما أراد المجيء إليهم، بعُدت عليه الشقة، فتثبط عن المجيء والزيارة.
14- التقارب في المساكن بين الأقارب:
فربما أورث ذلك نفرة وقطيعة بين الأقارب، وقد رُوي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "مروا ذوي القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا".
قال الغزالي معلقًا على مقولة عمر رضي الله عنه: "وإنما قال ذلك لأن التجاور يورث التزاحم على الحقوق، وربما يورث الوحشة وقطيعة الرحم"؛ (إحياء علوم الدين للغزالي: 2 /261).
وقال أكثم بن صيفي رحمه الله: "تباعدوا في الديار، تقاربوا في المودة".
ثم إن القرب في المسافة قد يسبب بعض المشكلات التي تحدث بسبب ما يكون بين الأولاد من تنافس، أو مشادة، أو غير ذلك، وقد ينتقل ذلك إلى الوالدين، فيحاول كل من الوالدين أن يبرئ ساحة أولاده، فتنشأ العداوة، وتحل القطيعة.
15- قلة تحمل الأقارب والصبر عليهم:
فبعض الناس لا يتحمل أدنى شيء من أقاربه، بمجرد أي هفوة، أو زلة، أو عتاب من أحد من أقاربه يبادر إلى القطيعة والهجر.
16- نسيان الأقارب في الولائم والمناسبات:
فقد يكون عند أحد أفراد الأسرة وليمة أو مناسبة ما، فيقوم بدعوة أقاربه إما مشافهة، أو عبر رقاع الدعوة، أو عبر الهاتف، وربما نسي واحدًا من أقاربه، وربما كان هذا المنسي ضعيف النفس، أو ممن يغلب عليه سوء الظن، فيفسر هذا النسيان بأنه تجاهل له واحتقار لشخصه، فيقوده ذلك الظن إلى الصرم والهجر.
17- الحسد:
فهناك من يرزقه الله علمًا، أو جاهًا، أو مالًا، أو محبة في قلوب الآخرين، فتجده يخدم أقاربه، ويفتح لهم صدره، ومن هنا قد يحسُده بعض أقاربه، ويناصبه العداء، ويثير البلبلة حوله، ويشكك في إخلاصه.
18- كثرة المزاح:
فإن لكثرة المزاح آثارًا سيئة، فلربما خرجت كلمة جارحة من شخص لا يرعي مشاعر الآخرين، فأصابت مقتلًا من شخص شديد التأثر، فأورثت لديه بغضًا لهذا القائل، ويحصل هذا كثيرًا بين الأقارب، لكثرة اجتماعاتهم.
قال محمود الوراق:
تلقَى الفتَى يلقَى أخاه وخِدْنَه
في لحنِ منطقِه بما لا يُغْفَرُ
ويقول: كنت مُمَازِحًا ومُلَاعبًا
هيهاتَ نارُك في الحشا تتسعَّرُ
ألهبتَها وطَفِقتَ تضحكُ لاهيًا
عمَّا به وفؤادُه يتفطَّرُ
أو ما علمتَ، ومثلُ جهلِك غالبٌ
أنَّ المزَاح هو السُّبابُ الأصغرُ؟
قال ابن عبد البر رحمه الله: "وقد كره جماعة من العلماء الخوض في المزاح، لما فيه من ذميم العاقبة، ومن التوصل إلى الأعراض، واستجلاب الضغائن، وإفساد الإخاء".
19- الوشاية والإصغاء إليها:
فمن الناس من دأبه وديدنه - عياذًا بالله - إفساد ذات البين، فتجده يسعى بين الأحبة لتفريق صفهم، وتكدير صفوهم، فكم تحاصت بسبب الوشاية من رحم، وكم تقطعت من أواصر، وكم تفرَّق من شمل، وأعظم جرمًا من الوشاية أن يصغى الإنسان إليها، ويصيغ السمع لها، وما أجمل قول الأعشى:
ومن يطعِ الواشينَ لا يتركوا له
صَديِقًا وَإنْ كَانَ الحَبِيبَ المُقَرَّبَا
20- سوء الخلق من بعض الزوجات:
فبعض الناس يبتلى بزوجة سيئة الخلق، ضيقة العطن، لا تحتمل أحدًا من الناس، ولا تريد أن يشاركها في زوجها أحدٌ من أقاربه أو غيرهم، فلا تزال به تنفره من أقاربه، وتثنيه عن زيارتهم وصلتهم، وتقعد في سبيله إذا أراد استضافتهم، فإذا استضافهم أو زاروه، لم تظهر الفرح والبشر بهم، فهذا مما يسبب القطيعة بين الأقارب، وبعض الأزواج يسلم قياده لزوجته، فإذا رضيت عن أقاربه وصلهم، وإن لم ترضَ قطعهم، بل ربما أطاعها في عقوق والديه مع شدة حاجتهم إليه، فعلى الأقارب أن يحاولوا اجتناب هذه الأسباب المؤدية للقطيعة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.
فصلْ رحمَك يرحمك مولاك، وخالف بذلك نفسك وهواك، واصبِر على أذاهم، فإن بذلك نبيك أوصاك، وبالغ في الإحسان إلى من أساء إليك منهم، تُحمد بذلك عقباك، وحسِّن أخلاقك معهم تُرضِ مولاك، وتنَل راحتك ويطيب مثواك.
فنسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يجعلنا ممن يصلون ما أمر الله به أن يوصَل، وأن يعيننا على البر والصلة، وأن يعيذنا من قطيعة الأرحام، وأن يطهِّر قلوبنا من الغل والغش والحسد والنفاق.
﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].
[1] انظر: "الأخلاق بين الطبع والتطبع لفيصل الحاشدي ص 102"، "التحذير من قطيعة الرحم لإيهاب فتحي عاشور ص 15 – 24"، "احذر أقوال وأفعال واعتقادات خاطئة لطعت زهران ص 36- 39".