أحقد وأحسد الناس - استشارات د.محمد علي يوسف - محمد علي يوسف
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
أتمنى من الله تعالى أن يزيل من قلبك تلك المشاعر؛ فصدر الحاقد الكاره دائما ما يكون ضيقا حرجا مليئا بالحزن يمزقه الكره ويسيل لعاب طمعه على ما فُضل به غيره؛ وهو لا يرتاح أبدا لأنه يرى أن الكل لا يستحقون ما هم فيه بينما هو وحده من يستحق.ولو أنه انشغل بأداء ما عليه واجتهد؛ ثم ترك النتائج لمن يخفض ويرفع ومن بيده الضر والنفع؛ لارتاح وأراح،
أما لو ظل يمد عينيه إلى ما تمتع به غيره من عرض الدنيا الزائل فإنه سيظل في ذلك العذاب طويلا، إلا لو جرب يوما أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
وهو بالمناسبة شعور أجمل بكثير من الحقد والكراهية والشحناء، وبدلا من سيطرة تلك المشاعر على نفسه لدرجة تجعله يبغض ذلك المحقود عليه، فإن عليه أن ينشغل بما ينفعه ويصلح حاله، لعله يرزق نقاء السريرة وسلامة الصدر التى لا يعادلها شىء، والتي هى من أعظم وأجل النعم، وهي معيار الأفضلية كما صح أيضا عن الحبيب صلى الله عليه وسلم حين سألوه: أيُّ الناسِ أفضلُ؟ فأجاب: «كلُّ مخمومِ القلب ِ، صدوقِ اللسان ِ»، قالوا: صدوقُ اللسانِ نعرفُهُ، فما مخمومُ القلبِ؟ قال: «هو النقيُّ التقيُّ، لا إثمَ عليهِ، ولا بغيَ، ولا غلَّ، ولا حسدَ» (رواه ابن ماجه).
أما أكثر ما يطهر القلب من الحسد ؛ وينقي النفس من شوائب الحقد وكراهية الخير للغير؛ هو إدراك الإنسان لمعنى القاعدة القرآنية الجامعة: {إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16].
فإن أدرك العبد أن ربه وحده هو من يخفض ويرفع ويعطي ويمنع؛ وأن مطالبه مهما كانت بعيدة وصعبة المنال فلا يأتي بها إلا هو فعلى ماذا يحسد ولماذا يحقد؟! حينئذ -وحينئذ فقط- يكون الأمر مستويا عنده وتهون الدنيا في نظره ولا يعدل بسلامة صدره شيئا.
اجعلي عبارة {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} مبدأ حياتك؛ ثم أتبعيها بالبذل والعمل والأخذ بالأسباب دون النظر لما في أيدي الناس؛ وصدقيني ستنعمين ويسلم صدرك من أسقام الحقد وأدران الغل وأوجاع الحسد؛ ويستبدل كل ذلك بالطمأنينة والرضا وحب الخير للغير.