أرشيف المقالات

التجاعيد..!

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
استوقفتني بالمرآة صورة أثر الأيام على وجهي، وتكاثر الشيب الذي بدأ وكأنه غزو ساحق لما دونه، وتنادي تجاعيد الزمان على الجسد!
أحمد الله أن كان الشيب في الإسلام وأسأل الله ثوابه، كما أحمد الله أن جاءت التجاعيد وبدأت كنذير لرحيل الأيام وقرب يوم اللقاء..

تابعت يومها كثيرًا ممن حولي من الأسرة والأصدقاء والجيران، فذهلت كثيرًا لما لم أكن ألتفت إليه من تغيرات طرأت عليهم جميعًا بلا استثناء، فالشيب لم يترك أحدًا من الكبار إلا وقد أثر فيه، وتجاعيد الوجه والمحيا تكسر في العيون كثيرًا من معانيها.

الشباب هم الآخرون رأيتهم -وبعد أن كانوا بالأمس القريب صبية- قد دب فيهم الوهن، خور بلا سبب، وتعب وإرهاق باديين على المحيا بلا خلفية معروفة، وانكسار أمام صولة الأيام! إنها الحياة التي خاب من تمسك بها وظن أنها باقية، وهي دورة العمر التي تطوي معها كل أحد مهما كان فتيًا قويًا صبيًا.

سألني ذات مرة أحد الأصدقاء، هل يختص وطننا العربي بهذه الصفة، صفة سرعة الوهن، وسرعة دبيب الشيب، إذ إنه على كثرة سفره وتجواله بين الدول، لم يشهد شعورًا سريعًا بالكبر واستسلامًا له مثلما يشهد في بلاد العرب؟!

وتساءل صاحبي: هل تأخذ الشعوب الأخرى بنصائح طبية مثلًا ونحن لا نفعل؟!..
هل ثمة ما نرثه ممن سبقونا من جينات الوهن؟!..
هل الأمم الأخرى تهتم بنفسها أكثر؟!
لا أظن شيئًا ما قاله صاحبي يصلح إجابة على سؤاله، وقد يكون شىء قليل من رؤيته بها بعض الصواب المنطبق على أممنا، فكل الناس يهرمون ويمرضون، لكن السبب الأكبر برأيي هو ذلك الذي نجده في نفوسنا من الاستسلام للوهن والهم والحزن!

هذا الذي حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم فكان كثيرا ما يدعو: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل والهرم، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال» ( البخاري ).

كل إنسان يصيبه الهم والحزن والعجز في لحظة من حياته وقد يصيبه الجبن أو البخل لحظة طارئة، ويصيبه الكبر إن طال به العمر، لكنه صلى الله عليه وسلم يريد من الاستعاذة عون الله سبحانه، ثم يعلمنا ألا يستسلم المرء لهموم تقعده أو تكسره أو أحزان تمرضه وتثنيه عن فعل المكرمات، أو كبر يجعله ثقيلًا أمام غيره فيحملون مشقته وهمه ويصعب عليه شأنه ويضعف عقله وتشق عليه الطاعات..

كنت قد التقيت الشيخ سيد سابق رحمه الله صاحب فقه السنة ، وقد بلغ عمره ما يزيد عن الثمانين عامًا، ورأيته نشيطًا متحركًا بسومًا، مسارعًا للطاعات ومبادرًا للعبادات، وكان كلما سأله أحدهم ما سبب نشاطك يا شيخ، كان يقول: "نعمة من الله، هذه جوارح أمرنا أن نحفظها في الصغر، فحفظها الله لنا في الكبر".

 
خالد رُوشه 
11/7/1436 هـ
 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢