أرشيف المقالات

(3) - الدرر الغراء من كتاب روضة العقلاء ونزهة الفضلاء - أيمن الشعبان

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
لما ابتعد الناس كثيرًا عن حال سلفنا الصالح؛ علمًا وعملاً، سلوكًا ومنهاجًا، كان لزامًا علينا أن نقف ونستخرج من بطون كتبهم وما خلّفوه لنا من تراث وأدب، ينير الطريق ويستنهض الهمم، سيما في الجانب التربوي الذي نحن بأمس الحاجة إليه، في دنيا الماديات وكثرة المغريات وانكباب الناس على الشهوات.

ومن تلك الكتب النافعة، التي حوت عبارات جامعة، وفقرات ماتعة؛ كتاب "روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" للإمام العلامة الحافظ أبو حاتم محمد ابن حبان البستي (ت:354هـ)، صاحب الكتب المشهورة منها كتاب: صحيح ابن حبان المسمى "المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع"، قال عنه الحاكم كما في السير: "كان ابن حبان من أوعية العلم في الفقه، واللغة، والحديث، والوعظ، ومن عقلاء الرجال".

يقول ابن حبان في مقدمة كتابه الذي بين أيدينا: "فلما رأيت الرُّعَاع من العالَم يغترون بأفعالهم، والهمجَ من الناسِ يقتدون بأمثالهم، دعاني ذلك إلى تصنيف كتاب خفيف، يشتمل متضمنه على معنى لطيف، مما يحتاج إليه العقلاء في أيامهم، من معرفة الأحوال في أوقاتهم، ليكون كالتذكِرة لذوي الحجى عند حضرتهم، وكالمعين لأولي النُّهى عند غيبتهم، يفوق العالِمُ به أقرانه، والحافظ له أترابه، يكون النديمَ الصادق للعاقل في الخلوات، والمؤنس الحافظَ له في الفلوات، إن خَصَّ به من يحب من إخوانه، لم يفتقده من ديوانه، وإن استبدَّ به دون أوليائه، فاق به على نظرائه".

اعتمدت في كتاب "روضة العقلاء" على طبعة مطبعة السنة المحمدية (1368هـ- 1949م)، وقمت بانتقاء واختيار بعض العبارات النفيسة والمقولات المهمة لابن حبان أو من نقل عنهم، دون ذكر السند لسهولة الوصول والاستفادة من تلك الدرر، مع وضع عناوين تناسب كل مقولة أو فقرة.

في حالة ذكر العبارة دون نسبتها لقائل، هذا يعني أنها من كلام المصنف أبي حاتم ابن حبان رحمه الله، كما قمت بوضع فقرة تحت عنوان (الدرر الغراء مما قلَّ ودلّ) للمقولات القصيرة التي لا تتجاوز السطر الواحد ذات الدلالات الكبيرة، وفقرة (الدرر الغراء مما قيل شعرًا) مع ذكر رقم الصفحة لكل عبارة أو جملة أو شعر.

من كثر تواضعه ازداد رفعة.
"لو لم يكن في التواضع خَصلة تحمد إلا أن المرء كلما كثر تواضعه، ازداد بذلك رفعة، لكان الواجب عَلَيْهِ ألا يتزيًا بغيره" (ص62).

كيف لا يتواضع من هذا حاله؟!
"كيف لا يتواضع من خلق من نطفة مذرة، ويعود آخره جيفة قذرة، وهو بينهما يحمل العذر" (ص64).

استحباب التحبب إلى الناس:
"الواجب على العاقل أن يتحبب إلى الناس بلزوم حسن الخلق ، وترك سوء الخلق؛ لأن الخلق الحسن يذيب الخطايا، كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيئ ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل" (ص67).

قال ابْنَ عَبَّاسٍ: "إِنَّ الرَّحِمَ تُقْطَعُ، وَإِنَّ النِّعَمَ تُكْفَرُ، وَلَمْ أَرَ مِثْلَ تَقَارُبِ الْقُلُوبِ" (ص67).
قال ميمون بْن مهران: "التودُّد إلى الناس نصفُ العقل، وحسن المسألة نصفُ العلم، واقتصادك في معيشتك يُلقي عنك نصف المئونة" (ص69).

"التحبب إلى الناس أسهل مَا يكون وجهًا، وأظهر مَا يكون بشرًا، وأخصر مَا يكون أمرًا، وأرفق مَا يكون نهيًا، وأحسن مَا يكون خُلُقا، وألين مَا يكون كَنَفًا، وأوسع مَا يكون يدًا، وأدفع مَا يكون أذى، وأعظم مَا يكون احتمالاً؛ فإذا كان المرء بهذا النعت لا يَحزَنُ من يُحبهُ، ولا يَفرَحُ من يحسُده؛ لأن من جعل رضاه تبعًا لرضا الناس، وعاشرهم من حيث هم، استحق الكمال بالسؤدد" (ص69).

لا تكن ثقيل الظل:
"الواجب على العاقل مجانبة الخصال التي تورثه استثقال الناس إياه، وملازمة الخصال التي تؤديه إلى محبتهم إياه" (ص72).

لا تقطع حبل التواصل مع الناس.
قَالَ مُعَاوِيَةُ: "لَوْ أَنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ شَعْرَةٌ مَا انْقَطَعَتْ"، قِيلَ: "وَكَيْفَ؟" قَالَ: "لأَنَّهُمْ إِنْ مَدُّوهَا خَلَّيْتُهَا، وَإِنْ خَلَّوْهَا مَدَدْتُهَا" (ص76).

ميزان دقيق لدوام معاشرة الناس:
"العاقل إذا دفعه الوقت إلى صحبة من لا يثق بصداقته، أو صداقة من يثق بأخوته، فرأى من أحدهما زَلَّةً، فرفضه لزلته، بقي وحيدًا لا يجد مَن يعاشر، فريدًا لا يجد من يخادن، بل يُغضي على الأخ الصادق زلاته، ولا يناقش الصديق السيئ على عثراته؛ لأن المناقشة تلزمه في تصحيح أصل الوداد، أكثر مما تلزمه في فروعه" (ص76-77).

لا تعامل بالخديعة.
قَالَ عَلِيٌّ:لا تُعَامِلْ بِالْخَدِيعَةِ، فَإِنَّهَا خُلُقُ اللِّئَامِ، وَامْحَصْ أَخَاكَ النَّصِيحَةَ، حَسَنَةً كَانَتْ أَمْ قَبَيحَةً، وَسُاعِدْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَزُلْ مَعَهُ حَيْثُ زَالَ" (ص77).

أبخل الناس من بخل بالسلام.
قَالَ زُبَيد اليامي: "إن أجود الناس من أعطى مَا لا يريد جزاءه، وإن أحسن الناس عفوًا من عفًا بعد قدرة، وإن أوصل الناس من وصل من قطعه، وإن أبخل الناس من بخل بالسلام" (78).

البشاشة إدام العلماء :
"البشاشة إدام العلماء، وسَجِية الحكماء، لأن البشر يطفئ نار المعاندة، ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصينٌ من الباغي، ومَنجاة من الساعي، ومن بَشَّ للناس وجهًا، لم يكن عندهم بدون الباذل لهم مَا يملك" (ص79).

لتكن بشوشًا منبسط الوجه.
عَن هشام بْن عروة، عَن أبيه، قَالَ: "أخبرت أنه مكتوب في الحكمة، يا بني لِيَكُن وجهك بَسطًا، ولتَكُن كلمتُك طيبة، تكن أحب إلى الناس من أن تعطيهم العطاء" (ص79).
قال حبيب بْن أَبِي ثابت: "من حسن خلق الرجل، أن يحدث صاحبه وهو يتبسم وبالله التوفيق" (ص81).

أنواع المزاح:
المزاح على ضربين: "فمزاح محمود، ومزاح مذموم.
فأما المزاح المحمود: "فهو الذي لا يشوبه مَا كره اللَّه عز وجل ولا يكون بإثم ولا قطيعة رحم، وأما المزاح المذموم: "فهو الذي يُثير العداوة، ويُذهب البَهاء، ويقطع الصداقة، ويُجَرِّئ الدنيء عَلَيْهِ، ويحقد الشريف به" (ص81).

المزاح بمواضعه:
قال عَبْد اللَّه بْن حبيق: "كان يقال لا تمازح الشريف، فيَحقِد عليك، ولا تمازح الوضيع فيجترئ عليك" (ص82).

ضابط المزاح:
"المزاح إذا كان فيه إثم، فهو يُسَوِّد الوجه، ويُدمي القلب َ، ويورث البغضاء، ويحيي الضغينة، وإذا كان من غير معصية، يُسَلِّي الهم َّ، ويوقع الخلَّة، ويحيي النفوس، ويذهب الحِشمَة" (ص84).

من كثر ضحكه قلت هيبته.
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "مَنْ كَثُرَ ضَحِكُهُ قَلَّتْ هَيْبَتُهُ، وَمَنْ مَزَحَ اسْتُخِفَّ بِهِ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْءٍ عُرِفَ بِهِ" (ص84-85).

لا تكن عبدًا إلا لله.
قال أَحْمَد بْن حنبل: "رأيت ابن السماك يكتب إلى أخ له: إن استطعت أن لا تكون لغير اللَّه عبدا مَا وجدت من العبودية بُدَّا، فافعل" (ص86).

الأنس بكلام الله:
قال مالك بْن دينار: "من لم يأنس بحديث اللَّه عَن حديث المخلوقين، فقد قَلَّ علمه، وعَمِيَ قلبه، وضيع عمره" (ص89).

لم يبق من العيش إلا ثلاث:
قَالَ مُحَمَّد بْن واسع: "لم يبق من العيش إلا ثلاث..
الصلاة في الجماعة ترزق فضلها وتكفي سهوها، وكفاف من معاش ليست لأحد من الناس عليك فيه مِنَّة ولا لله عليك فيه تَبَعة، وأخ محسن العشرة إن زُغتَ قَوَّمك" (ص90).

الود الصحيح:
الود الصحيح: "هو الذي لا يميل إلى نفع، ولا يفسده منع، والمودة أمن، كما أن البغضاء خوف" (ص91).

أسباب المؤاخاة النافعة:
"من أسباب المؤاخاة التي يجب على المرء لزومها، مَشيَ القَصد، وخَفضَ الصوت، وقلة الإعجاب، ولزوم التواضع، وترك الخلاف" (ص93).

لا تؤاخي إلا ذا فضل.
"العاقل لا يؤاخي إلا ذا فضل في الرأي والدين والعلم والأخلاق الحسنة، ذا عقل نشأ مع الصالحين؛ لأن صحبة بليد نشأ مع العقلاء خير من صحبة لبيب نشأ مع الجهال" (ص95).

اختبار قبل مؤاخاة الرجل:
قال عوانة بْن الحكم: "قَالَ لقمان لابنه: يا بُنَّي، إذا أردت أن تُؤاخيَ رجلا فأغضِبه قبل ذلك، فإن أنصفك عند غضبه، وإلا فدعه" (ص95).

أنفع ما يستعان به على العدو:
"لا يجب على العاقل أن يكافئ الشر بمثله، وأن يتخذ اللعن والشتم على عدوه سلاحًا، إذ لا يستعان على العدو بمثل إصلاح العيوب، وتحصين العورات، حتى لا يجد العدو إليه سبيلاً" (ص99).

لا تستمرأ العداوة بل اترك للصلح موضعًا.
"المعاداة بعد الخُلَّة فاحشة عظيمة، لا يليق بالعاقل ارتكابها، فإن دفعه الوقتُ إلى ركوبها ترك للصلح موضعًا" (ص102).

الدرر الغراء مما قلَّ ودل:
قَالَ يَحْيَى بْن جعدة: "إذا رأيت الرجل قليل الحياء ، فاعلم أنه مدخول في نسبه" (ص62).

التواضع المحمود: "ترك التطاول على عباد اللَّه، والازدراء بهم" (ص62).
التواضع المذموم: "هو تواضع المرء لذي الدنيا رغبة في دنياه" (ص62).
"التواضع يرفع المرء قدرًا، ويعظم له خطرًا، ويزيده نُبلاً" (ص63).

قال يحيى بن خالد البرمكي: "الشريف إذا تقرأ تواضع، والدنيء إذا تقرأ تكبر" (ص64).
"التواضع يكسب السلامة، ويورث الألفة، ويرفع الحقد، ويذهب الصد" (ص64).
"ثمرة التواضع المحبة، كما أن ثمرة القناعة الراحة" (ص64).

"أفضل الناس من تواضع عَن رفعة، وزهد عَن قدرة، وأنصف عَن قوة" (ص65).
"ما رأيت أحدًا تكبر على من دونه، إلا ابتلاه اللَّه بالذلة لمن فوقه" (ص65).
"مَا استجلبت البغضة بمثل التكبر، ولا استجلبت المحبة بمثل التواضع" (ص65).

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "لَوْ بَغَى جَبَلٌ عَلَى جَبَلٍ لَدَكَّ اللَّهُ الْبَاغِيَ مِنْهُمَا" (ص66).
"حاجة المرء إلى الناس مع محبتهم إياه، خير من غناه عنهم مع بغضهم إياه" (ص69).
"المداراة من المداري صدقة له، والمداهنة من المداهن تكون خطيئة عَلَيْهِ" (ص74).

"من لم يدار الناس ملوه" (ص74).
قال الحسن: "يا ابن آدم، اصحب الناس بأي خلق شئت، يصحبوك عَلَيْهِ" (ص75).
"المزاح في غير طاعة اللَّه مَسلَبة للبهاء، مَقطَعة للصداقة، يورث الضِّغن، وينبت الغِلَّ" (ص82).

قَالَ بلال بْن سعد: "إذا رأيت الرجل لجوجا مماريًا معجبًا برأيه، فقد تمت خسارته" (ص84).
قال عمر بن الخطاب : "خُذُوا بِحَظِّكُمْ مِنَ الْعُزْلَةِ" (ص84).
قال أبو ذر: "كَانَ النَّاسُ وَرَقًا لا شَوْكَ فِيهِ، فَهُمُ الْيَوْمَ شَوْكٌ لا وَرَقَ فِيهِ" (ص88).

"على العاقل ألا يغفل عَن مؤاخاة الإخوان، وإعداده إياهم للنوائب والحدثان" (ص90).
"العاقل لا يؤاخي لئيمًا، لأن اللئيم كالحية الصماء، لا يوجد عندها إلا اللدغ والسُّم" (ص93).
"لا شيء أضيع من مودة تَمنحُ من لا وفاء له، وصنيعة تصطنع عند من لا يشكرها" (ص94).
"ليس من السرور شيء يعدل صحبة الإخوان، ولا غم يعدل غم فقدهم" (ص97).

قال إِسْمَاعِيل: "لا تَشتريَنَّ عداوة رجل، بمودة ألف رجل" (ص99).
قَالَ ابن السماك: "لا تَخَف ممن تحذر، ولكن احذر ممن تأمن" (ص100).
قَالَ الأحنف بْن قيس: "من جالس عدوه، حفظ عَلَيْهِ عيوبه" (ص103).

الدرر الغراء مما قيل شعرًا
أنشدني الكريزي: (ص64).

ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا *** فكم تحتها قوم هُمُ منك أرفع
فإن كنت في عز وخير ومَنعة *** فكم مات من قوم هم منك أمنع؟

لقد أحسن الذي يقول: (ص76).
تجنب صديق السوء واصرِم حباله *** فإن لم تجد عنه محيصا فدارِهِ
وأحبب حبيب الصدق واحذر مراءه *** تَنَل منه صَفو الوُدِّ مَا لم تماره

قال أَبُو الأخفش الكناني لابن له: (ص83-84).
أبُنَيَّ لا تَكُ مَا حَييتَ مماريا *** ودَع السفاهة إنها لا تنفعُ
لا تَحمِلَنَّ ضَغينة لقرابةٍ *** إن الضَغينة للقرابة تقطعُ
لا تَحسِبَنَّ الحلم منك مَذَلَة *** إن الحليم هو الأعَزُّ الأمنع

أنشد مُحَمَّد بْن عمران الضبي: (ص91).
وما المرء إلا بإخوانه *** كما تقبض الكفُّ بالمعصم
ولا خير في الكَفِّ مقطوعة *** ولا خير في الساعد الأجذم

لقد أحسن العباس بْن عُبَيْد بْن يعيش، حيث يقول: (ص92).
كم من أخٍ لكَ لم يلده أبوكا *** وأخ أبوه أبوك قد يجفوكا
صافِ الكرام إذا أردت إخاءهم *** واعلم بأن أخا الحِفَاظِ أخوكا
كم إخوةٍ لك لم يلدك أبوهُم *** وكأنما آباؤهم ولدوكا
لو كنت تحملهم على مكروهة *** تخشى الحُتوف بها لما خذلوكا
وأقاربٍ لو أبصروك معلقاً *** بنياط قلبك ثَمَّ مَا نصروكا
الناسُ مَا استغنيت كنتَ أخاً لهم *** وإذا افتقرت إليهمُ فضحوكا


9-ذي القعدة-1434هـ
15/9/2013م

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢