الضوابط الشرعية للعمليات التجميلية (2-2) - هانـي بن عبد الله الجبير
مدة
قراءة المادة :
24 دقائق
.
حكم العمليات التجميليّة:تقدّم أن العمليات التجميليّة منها عمليات لا بد من إجرائها ومنها عمليات اختياريّة فالعمليات التجميليّة التي لابد منها لتضمنها علاجًا لمرض ما، أو للحاجة إليها؛ فإنَّ الباحثين المعاصرين يجيزون إجراءها ومنهم من قيدها بشروط تشمل كل أنواع العمليات الجراحيّة(1).
ويستدل على جوازها بأنّها نوع من التداوي، فهي إما علاج لمرض أو إصلاح لعيب محسوس والتداوي مشروع، كما أن هذه العمليات لا يقصد بها التجميل قصدًا أوليًا بل جاء التجميل تابعًا لإزالة الضرر ومعلوم أن التابع لا يفرد بحكم (2).
وأما العمليات العبثيّة المشوهة للإنسان فهي ليست تجميلاً بل عبث وتشويه وهو محرم لما فيه من المثلة وطلب الشهرة.
أمّا العمليات التجميليّة الاختيارية، والتي يطلق عليها: جراحة التجميل التحسينيّة فقد اختلف المعاصرون فيها على اتجاهين:
الاتجاه الأول: يرى المنع منها وتحريمها؛ لأنّ فيها تغييراً لخلق الله تعالى؛ ولأنه قد وردت نصوص تدل على منع الوشم والنمص والتفليج والوصل وذلك لما فيها من تغيير طلبًا للتحسين وهذا المعنى موجود في هذه العمليات، ولما فيها من غش وتدليس وأضرار ومضاعفات إلى غير ذلك من الأدلة (3).
الاتجاه الثاني: يرى أن تبحث كل عملية تجميليّة لوحدها، إذ من هذه العمليات ما دل الشرع على تحريمه والمنع منه، ومنه ما يمكن قياسه عليها، ومنها ما بحثه الفقهاء سابقًا أو يمكن تخريجه على أقوالهم فلا تجعل العمليات من هذا النوع كلها في مرتبة واحدة(4).
ولا شك أن التفصيل أسعد بالقبول وأرجح، وسبب ذلك أن الشرع مع نهيه عن الوشم والنمص والوصل جاء بالإذن بأنواع من الزينة والتحسين كصبغ الشعر مثلاً وهذا يدل على أن تعميم العلة بمنع التحسين غير مقبول، والعلّة متى فُقد اطرادها دَلّ على إبطال عليتّها(5).
والتعليل بقصد التحسين لا يصلح علةً للتحريم - أيضًا - لأنا نشهد من الشارع اعتبار قصد التحسين والتجميل لا المنع منه كما تقدَّم(6).
ثم إنّ أهل العلم اختلفوا في المعنى الممنوع في النمص والوصل ونحوها، فقيل: مُنع الوصل لأنّ فيه استعمالاً لجزء آدمي(7)، وقيل لأجل ما فيه من تدليس وخداع(8).
وقيل في النمص المحرم أن المراد به هو التبرج والتزين للأجانب(9)، أو ما كان بدون إذن الزوج (10)، أو للتدليس، أو للتشبّه بالفاجرات(11).
ومادام أن أهل العلم قد اختلفوا في العلة التي من أجلها ورد النهي، لم يَسُغ بعد ذلك توحيد علة المنع، مع ما تقدَّم من المراد بتغيير خلق الله - تعالى -.
وكذلك فإن الأضرار والمضاعفات والغش والتدليس التي من أجلها حرّم بعض المعاصرين العمليات التحسينيّة بإطلاق ليست قاعدة مطردة في كل العمليات التحسينيّة بل قد تقع في هذه العمليات أحيانًا وقد لا تقع، وهي مع ذلك أمور خارجة عن نفس العمليات فيكون التحريم لها لا لنفس الجراحة، إلا إذا رافقتها.
ومن جميع ما تقدَّم فإني أرى أنّ الاتجاه الثاني الذي يجعل لكل نوع من العمليات التحسينيّة حكمًا يناسبه حسبما تدل عليه الأدلّة ويبقى الباقي على أصل الإباحة، أولى من تعميم الأحكام على صور مختلفة.
ويشهد لهذه النتيجة ما ورد أنّ المقداد بن الأسود -رضي الله عنه- كان عظيم البطن وكان له غلام روميّ، فقال له: أشق بطنك فأخرج من شحمه حتى تلطف، فشقّ بطنه ثم خاطه، فمات المقداد وهرب الغلام(12).
وهذا نوع من العمليات التجميليّة التحسينيّة.
والله أعلم.
ضوابط العمليات التجميليّة:
الضوابط التي أتناولها الآن شروط وقواعد تضبط العمليات التجميليّة عن الانحراف بارتكاب المحظور، فهي متى روعيت عند إجراء العملية حفظتها عن الوقوع في المحظور الشرعي.
الضابط الأول: ألا تكون العمليّة محل نهي شرعي خاص.
والنهي يستفاد بطريق النهي الصريح أو بما يدل على إثم فاعله، أو وعيده.
وقد جاء الشرع بالنهي عن عدة إجراءات تجميليّة، منها:
- عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الواصلة والمستوصلة(13).
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة) (14).
- وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: زجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تصل المرأة برأسها شيئًا(15).
فهذه الأحاديث تدل على تحريم الوصل، وأنّه من المعاصي الكبيرة(16).
ومنها:
- عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن القزع.
فقيل لنافع: وما القزع؟ قال: يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضه(17).
وهذا يدل على كراهة القزع للرجال والنساء(18).
ومنها:
- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تنتفوا الشيب) (19).
ومنها:
- عن عبد الله بن مسعود قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله (20).
فهذا يدل على تحريم الوشم وتفليج الأسنان والنمص.
ومنها:
- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلعن القاشرة والمقشورة(21).
- وعنها أنها كانت تقول: يا معشر النساء إياكن وقشر الوجه(22).
- وهذه تدل على منع قشر الوجه -لو صح الحديثان-
الضابط الثاني: ألاّ تكون العملية محل نهي شرعيًّ عام.
وأقصد بهذا الضابط أن جواز العمليّة الجراحية يستدعي السلامة من عدة محاذير نهي الشرع عنها أدخلها كلها في هذا الضابط.
فمنها: أن تشبّه الرجال بالنساء، وتشبّه النساء بالرجال محذور.
فلا يجوز للرجل أن يجري عملية تجميل تحرفه ليكون مشبهًا للنساء في خلقتهن وكذلك العكس، ومعلوم أن لكل من الذكر والأنثى خصائص جسديّة تميّزه عن الآخر.
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال(23).
وليس من هذا عمليات تصبح الجنس بحيث يعود التوافق بين ظاهر الشخص وتركيبه الكرموسومي وأعضائه التناسلية، بل المراد بهذا العمليات الهادفة إلى تغيير ظاهر الشخص ليشبه غير جنسه وملامحه.
- ومما وجدت بعض الباحثين يذكره ممّا يصلح أن يكون ضابطًا وهو: ألاّ تتضمّن العمليّة غشًا وتدليسًا.
ولا شك أن الغش ممنوع في الشرع؛ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من غشنا فليس منا) (24).
ولكن إعمال هذا الضابط إنما يكون في الموضع الذي يمنع فيه الغش والتدليس مثل من يجرى جراحة للتنكّر والفرار من العدالة.
أو مثل الرجل أو المرأة قبل الخطبة إذا أجريت لهم عملية توقيعيّة غير دائمة، أما لو كانت آثار الجراحة دائمة فإنّه لا تدليس هنا.
وكذلك فلا تدليس لو أجرت امرأة متزوجة عملية تجميليّة، فإنّها لن تغش أحدًا بذلك، بل غاية عملها هو التجمّل في نفسها وهو غير ممنوع.
وذلك أن إخفاء الحقيقة إنما تمنع إذا ارتبط بها حَقٌّ للغير، وأما إذا لم يرتبط بها حق للغير فلا وجه لتحريم إخفاء الحقيقة؛ لأنه يعود أمرًا شخصيًا.
ومع ظهور هذا، فإنه يمكن تأكيده بما يذكره أهل العلم عند تعليلهم لمنع بعض الأعمال لما فيها من التدليس قال خطابي: (الواصلات هن للواتي يصلن شعور غيرهن من النساء يردن بذلك طول الشّعر...فيكون ذلك زورًا وكذبًا فنهي عنه، أمّا القرامل فقد رخّص فيها أهل العلم، وذلك أنّ الغرور لا يقع بها؛ لأنّ من نظر إليها لم يشك في أنّ ذلك مستعار) (25).
وقال ابن جزي: (ويكره نتف الشيب، وإن قَصَد به التلبيس على النساء فهو أشد في المنع) (26).
ولا أرى جعل منع التدليس والغش ضابطًا، لندرة حصوله، ولا يسوغ إن يجعل التحرز من الصور النادرة ضابطًا لعدد كبير من الإجراءات العلاجيّة.
ومما وقفت عليه مما يُذكر ضابطًا ألاّ يكون بقصد التشبّه بالكافرين أو أهل الشر والفجور.
ولا إشكال أن التشبّه بالكفار مذموم في الشرع.
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من تشبّه بقومٍ فهو منهم) (27).
وهذا ضابط صحيح، لكني لا أعلم عمليّة تجميليّة يمكن أن تجعل المسلم شبيهًا بالكافر، وذلك لأن كل عرق وجنس بشري فيه المسلم والكافر وأمّا قصد التشبّه من المريض بكافر معين، فهذا يعود للمريض دون الطبيب.
وعليه فإنّه لا يسوغ عمل تجميلي يقصد به المسلم التشبّه بالكافر.
الضابط الثالث: أن تكون خاضعةً للتصوّر الإسلامي للجمال.
فهذا التصوّر الإسلامي يؤمن بأن الله - تعالى -خلق الإنسان خلقة حسنة كما قال - تعالى -: (وصوّركم فأحسن صوركم) [غافر: 64].
ويؤمن كذلك أن الجمال وإن تفاوت لكنه ليس كل شيء، فلا يعطى أكبر من قدره كما سبق.
وهذا يحتم على الطبيب أن يكون له ذوقه في مسألة الجمال، ومدى ما فات منها، وحالة الإنسان، وهل شعوره بالنقص نتيجة لضعف في تركيبته النفسية، أو لمرض نفسي لديه وَلّد عنده عدم الرضا بما قدّر الله عليه، أو هو حقيقة تستحق العلاج.
ويمكنني أشير إلى أمور يمكن للطبيب من خلال ترجيح إجراء العمل الطبي من عدمه.
فمنها:
1- هل للشكوى المراد إزالتها بالعمليّة أثر على صحة الإنسان مثل: ألم الظهر، أو آثار السمنة.
2- هل هي ناتجة عن حادث استدعى علاجًا.
3- هل المراد تغييره يخالف الخلقة المعهودة في الإنسان.
4- هل يزول تضرر المريض وشكواه بمجرد العمليّة.
5- مدى الحاجة لها -مثل عمليات شد البطن أو شفط الدهون عند وجود الترهل الشديد-.
6- عمر المريض وجنسه.
7- هل للشكل المراد تغييره آثار سلبيّة على حياة المريض أم لا.
8- هل يمكن إزالة شكوى المريض بغير الجراحة.
وعند تأمل مثل هذه الجوانب يتبيّن للطبيب هل يجري الجراحة أم أن طلب المريض إنما هو محاولة لإشباع نزعة غرور تعتريه بالتطلّع إلى تحسين جسديّ مبالغ فيه، أو نتيجة ضعف في الشخصيّة فهذه لا ينبغي إجراء العمل لهم لأن شكواهم لن تزول بزوال العيب الظاهر، بل هم بحاجة للعلاج الإيماني والنفسي.
الضابط الرابع: أن يتحقق فيها ضوابط الأعمال الطبيّة عمومًا وهي الضوابط الآتية:
1- أن يغلب على الظن نجاحها.
وذلك أن كل إجراء طبي يشترط فيه أن تكون نسبة النجاح أكبر من نسبة عدم النجاح، وإلا صار العمل عبثًا، وكل عاقل فإنّه لا يقدم على عمل إلا بعد أن يغلب على ظنّه نجاحه وحصول النفع به.
وقد تقدم أن جسد الإنسان ملك لله - تعالى -، فلا يحق لأحد أن يقدم تصرف فيه إلا بما يغلب على الظن حصول المقصود منه، وإلا صار جسد الإنسان محلاً للتجارب، وموضعًا للعبث.
وكل إجراء لا يغلب على الظن نجاحه فهو عبث وإفساد وإضاعة وقت ومال.
قال العز بن عبد السلام: "الاعتماد في جلب مصالح الدارين، ودرء مفاسدهما على ما يظهر في الظنون،..
وكذلك أهل الدنيا إنّما يتصرّفون بناء على حسن الظنون، وإنما اعتمد عليها لأن الغالب صدقها عند قيام أسبابها، فإنّ التجار يسافرون على ظَنّ أنّهم يربحون..
والمرضى يتداوون لعلهم يُشفون ويبرؤون "(28).
2- أن يأذن بها المريض.
لا يحق لأي إنسان أن يتصرّف في جسم إنسان آخر بغير إذنه؛ فإنّه اعتداء عليه؛ قال - تعالى -: "ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين".
[البقرة: 190].
وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته يوم النحر بمنى: (إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)(29).
وقد قرر الفقهاء أنّه لا يجوز لأحدٍ أن يتصرّف في ملك الغير بلا إذن، ومنافع الإنسان وأطرافه حق له(30).
ويدل على ذلك ما روت عائشة - رضي الله عنها - قالت: (لددنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني، فقلتا: كراهية المريض للدواء، فلّما أفاق قال: ألم أنهكم أن تلدوني؛ لا يبقى أحدٌ في البيت إلاّ لُدَّ) (31).
فقد عاقب - صلى الله عليه وسلم - من داوه بعد نهيه عن ذلك، والعقوبة لا تكون إلا بسبب تعدٍّ(32)، وهذا يوضّح أنّ إذن المريض ضروريّ لإجراء التداوي فإذا رفض التداوي فله الحق في ذلك، ويكون إجباره على التداوي تعديًا(33).
3- أن يكون الطبيب مؤهّلاً.
قال ابن القيم : (إذا تعاطي علم الطب وعمله، ولم يتقدم له به معرفة، فقد هجم بجهله على إتلاف الأنفس، وأقدم بالتهوّر على ما لم يعلمه..
قال الخَطّابي: لا أعلم خلافًا في أن المعالج إذا اعتدى، فتلف المريض كان ضامنًا، والمتعاطي علمًا وعملاً لا يعرفه متعدٍّ) (34).
وقال ابن مفلح عن الطبيب: (لا تحلّ له المباشرة مع جهلة ولو أُذن له)(35).
والمتطبب الجاهل يشمل من لم يحسن الطب ولم يمارس العلاج أصلاً، ومن عنده إلمام بسيط يعلم الطب لا يؤهله لممارسته، ومن لديه معرفة بفن من فنون الطب ثم يقدم على الممارسة في تخصّص غيره.
ففي كل هذه الحالات يكون المعالج متطببًّا جاهلاً.
وهؤلاء لا يحل لهم أن يباشروا أي إجراء علاجي على أبدان المرضى، لفقدهم شرط الجواز وهو المعرفة بالطب.
4- ألاّ يترتب عليها ضرر أكبر.
مبنى الشريعة الإسلامية على جلب المصالح ودرء المفاسد.
وإذا تعارضت المصالح والمفاسد: فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فهو المطلوب، وإن لم يمكن تحصيل المصلحة إلا بارتكاب مفسدة فينظر في الغالب منهما.
فالله - تعالى -حرّم الخمر والميسر مع أن فيهما منفعة، لأن مفسدتهما أكبر قال - تعالى -: "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما" [البقرة: 219].
فلابد للطبيب قبل إجراء عمل تجميلي أن يقارن بين الآثار السلبيّة المترتبة على عمله وبين الأضرار المترتبة على عدم التدخل العلاجي، والمصلحة المترتبة عليه.
وللأضرار أنواع فمنها: شلل الوجه وتلف عصب الوجه في عمليات شد الجبين، أو التواء الذكر في عمليات إصلاح المبال التحتاني.
ومنها الضرر النفسي والاكتئاب المصاحب لعدم اقتناعه بنتيجة العمليّة وأثرها.
5- مراعاة أحكام كشف العورة.
العورة هي ما أوجب الله - تعالى -ستره من جسد الإنسان، ويحرم النظر إليه(36).
وقد قرر أهل العلم - استباطًا من نصوص الشرع وقواعده، واستلهامًا من مقاصده وعوائده - أنّه يسوغ كشف العورات عند جملة من أنواع الضرورات، ومنها المداواة.
وذلك لأنّ كل محرم يباح عند الاضطرار كما قال - تعالى -: "وقد فَصّل لكم ما حرّم عليكم إلاّ ما اضطررتم إليه".
[الأنعام: 119].
والحاجة تُنـَزَّل منـزلة الضرورة(37).
قال في الشرح الكبير: (وللطبيب النظر إلى ما تدعو الحاجة إلى نظره إليه من بدنها من العورة وغيرها، لأنّه موضع حاجة) (38).
ولكن قاعدة إباحة المحرم بعلّة الاضطرار مقيدة بقاعدة أخرى وهي أنّ الضرورة تقدَّر بقدرها(39)، فلا يتوسّع في المحظور، وإنمّا يترخّص بقدر ما تندفع الضرورة وتنتهي الحاجة.
وعليه فإني لا أرى أن للطبيب إجراء عمليات تجميل تتضمن كشف عورة مغلظة إلا إذا كانت من العمليات المحتاج لها دون العمليات التحسينية المحضة.
إن جميع ما سبق إنما هو عرض لبعض العلامات والمنارات التي يمكن للطبيب الاستفادة منها في تقويم مدى مشروعيّة إجراء الأعمال التجميليّة بشكل عام.
وإن فيما سبق عن عرض دليل على صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان كيف لا وهي دين رب العالمين.
وفيه دليل على عناية الإسلام بالجمال الذي هو من سمات ما خلق الله في الكون (فالله جميل يحب الجمال) (40).
----------------------------------------
(1) انظر: أحكام الجراحة الطبيّة ص 173؛ نقل وزراعة الأعضاء ص 234؛ المسائل المستجدة د.
محمد النتشة (2/260).
(2) انظر في هذه القاعدة: الأشباه والنظائر للسيوطي ص 130؛ ولابن نجيم ص 120؛ قواعد الزركشي (1/234).
(3) أحكام الجراحة الطبيّة ص 183؛ نقل وزراعة الأعضاء ص 242.
(4) أحكام جراحة التجميل د.
محمد عثمان شبير ضمن دراسات فقهية في قضايا طبيّة معاصرة (2/524)؛ فقه القضايا الطبيّة المعاصرة ص 532.
(5) انظر: إرشاد الفحول ص 207.
(6) انظر: المرجع السابق ص 218.
(7) الفتاوى الهندية (5/358).
(8) مغني المحتاج (1/191)؛ كشاف القناع (1/81).
(9) البحر الرائق (8/233).
(10) مغني المحتاج (1/191).
(11) الإنصاف (1/126).
(12) نقله في الإصابة (6/161) وقال: أخرجه يعقوب بن سفيان وابن شاهين من طريقه بسنده إلى كريمة زوج المقداد، به.
ولم أجده في كتاب المعرفة والتاريخ وإن كان محققه قد ذكره من النصوص المنسوبة إلى الكتاب والتي لم يجدها في مخطوطته وأمّا كتاب ابن شاهين فلم أقف عليه.
(13) تقدم تخريجه.
(14) صحيح البخاري (5937)؛ صحيح مسلم (2124).
(15) صحيح مسلم (2125).
(16) فتح الباري (10/377)؛ نيل الأوطار (6/216).
(17) صحيح مسلم (1213).
(18) انظر: تحفة المودود بأحكام المولود ص 59.
(19) سنن أبي داود (4/85)؛ مسند أحمد (2/207).
(20) صحيح البخاري (5939)؛ صحيح مسلم (2125).
(21) مسند الإمام أحمد (6/250) برقم (26128)؛ قال الهيتمي: فيه من لم أعرفه.
مجمع الزوائد (5/169).
(22) مسند الإمام أحمد (6/210) وسندهما ضعيف لجهالة آمنة بنت عبد الله وأم نهار حيث لم يوثقهما أحد.
للحديث شاهد أوجه الطبراني في الدعاء (2159) من طريق هشام بن سلمان المجاشعي عن امرأته غفيلة عنها به وغفيلة غير معروفة.
(23) صحيح البخاري (5885).
(24) صحيح مسلم (1/99).
(25) معالم السنن (4/209).
(26) القوانين الفقهيّة ص 383.
(27) سنن أبي داود (5312)؛ مسند أحمد (2/50) بإسناد جيّد.
(28) قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/6).
(29) صحيح البخاري (1740)؛ صحيح مسلم (1679).
(30) شرح القواعد الفقهيّة للشيخ أحمد الزرقا ص 463.
(31) صحيح البخاري (5712)؛ صحيح مسلم (2213)؛ واللدود: دواء يُصَبّ في أحد جانبي فم المريض.
(32) شرح النووي على صحيح مسلم (4/199).
(33) انظر تفصيل الإذن وأحكامه في بحثنا الإذن في إجراء العمليات الطبيّة أحكامه وأثره.
(34) زاد المعاد (4/139).
(35) الآداب الشرعية والمنح المرعيّة (2/474).
(36) حواشي الإقناع (1/174)؛ مغني المحتاج (1/185).
وانظر في تفصيل ما يتعلق بهده المسألة بحثنا: حفظ العورات كواجب على العاملين في القطاع الصحّي.
(37) الأشباه والنظائر للسيوطي 84، ولا بنّ نجيم 85.
(38) (20/44).
(39) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 84.
(40) صحيح مسلم (91).