أكل أموال الناس بالباطل مهنة يمتهنها كثير من الناس
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
أكلُ أموال الناس بالباطل مهنةٌ يمتهنها كثيرُ من الناسقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].
تأمل قَولَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾، وكيف قدَّم الله تعالى النهي عن أكل الأموال في الذكر عن النهي عن القتلِ، ﴿ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾، مع أنَّ جرم القتل أبشعُ، وعاقبة القاتلِ أشنعُ في الدنيا والآخر!
والحكمة من تقديم النهي عن أكل الأموال على النهي عن القتل: استهانةُ كثيرِ من النَّاسِ بأكلِ الحرامِ، واستحلالِ طائفةٍ منهم أموالَ الغيرِ بغيرِ حقٍّ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ»[1].
ومنها كذلك ظنُّ كثير من الناس أنَّ الاستغفار يكفي للتحلل من مظالم الأموال، وأن الاستقامةَ بعد هضم الحقوق سببٌ للإفلات من العقاب يوم التلاق؛ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ»، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ»[2].
ومنها أنَّ أكل أموال الناس بالباطل مهنةٌ يمتهنها كثيرُ من الناس منذ القدم حتى الأحبار والرهبان؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ﴾ [التَّوبةِ: 35]، وقد ازداد الأمر سوءًا، لا سيما في زماننا هذا.
ومنها أنَّ الاستيلاء على الأموال قد يكون في كثير من الحالات سببًا للقتلِ؛ لأنَّ المال لما كان قوام الحياة، كان سلبه سلبًا للحياة، لذلك حين ييئَس المظلوم من استرداد حقه، يلجأ للقتل انتقامًا، فكان سلب الأموال سببًا للقتل، والسببُ (أكل الأموال) مُقَدَمٌ لا محالة.
ومنها كبح جماح أهل الفسادِ، ودفع شرورهم، والحد من شراهة حب تملك ما لا يحق تملكه؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ»[3].
[1] رواه مسلم - كتاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ، حديث رقم: 2581.
[2] رواه مسلم - كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ وَعِيدِ مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ فَاجِرَةٍ بِالنَّارِ، حديث رقم: 137.
[3] رواه البخاري - كِتَاب فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَالحَجْرِ وَالتَّفْلِيسِ، بَابُ مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَوْ إِتْلاَفَهَا، حديث رقم: 2387.