التيسير في دعوة المسلم الجديد
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
التيسير في دعوة المسلم الجديدمِن المعالِم الرئيسة في المنهج النَّبويِّ في دعوة المسلِم الجديد: التَّيسيرُ في دعوته، والتيسيرُ مِن أعظم خصائص دِين الإسلام، ولن يشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلا غلبه؛ كما في "صحيح البخاري" عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ الدِّين يُسْرٌ، ولن يُشَادَّ الدِّينَ أحدٌ إلا غلبه، فسَدِّدوا وقارِبوا، وأبشِروا، واستعينوا بالغدوةِ والرَّوحةِ، وشيءٍ مِن الدُّلجة))، ودِينُ الإسلام لم يأتِ لِيضعَ الآصارَ والأغلالَ في أعناقِ أتْباعِه؛ بل جاء ليضعَها عنهم، ويكلِّفهم مِن العمل ما يُطيقون.
وفي تشريعات الإسلام وأوامره ونواهيه مِن اليُسر والسهولة ما هو ظاهرٌ؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾، وقال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾، ونهى الإسلامُ عن التكلُّف والتنطُّع والغلوِّ في الدِّين؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((هَلَكَ المتنطِّعون)).
قال العلماء: "أي: المتعمِّقون المشدِّدون في غير موضع التشديد"، وعندما بَعَثَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم معاذًا وأبا موسى الأشعري رضي الله عنهما إلى اليمَن قال لهما: ((يَسِّرَا ولا تُعَسِّرَا، وبشِّرَا ولا تُنَفِّرا، وتطاوَعا ولا تختلِفا))، فلم يكتفِ بالتيسير والتبشير والتطاوُع؛ بل ضَمَّ إليها النهي عن ضدِّ ذلك، وهو التعسير والتنفير والاختلاف.
وكان للتيسير موضعه في جميع مراحل دعوته صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان يختار الأَيسَر على أمَّته مِن كلِّ الأمور، وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يَأمُر بالتيسير في الأمور كلها، ويلتزم عمليًّا بما يَأمُر به الآخرين، لا سيَّما في دعوة الناس إلى الإسلام، وترغيبهم فيه، وكان الوضوح والبيان وسهولة الألفاظ والمعاني سببًا في إسلام مَن أسلم من الصحابة رضي الله عنهم، فكان صلَّى الله عليه وسلَّم يُوجِز دعوتَه في كلام يَسِيرٍ، يَفهَمه العامةُ والخاصة، وعندما كانتِ الوفود تَقدَم على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يكُن يحبسُهم طويلًا؛ بل يَعْرض عليهم الإسلام، ويُعلِّمهم قواعدَ الدِّين وأصولَه؛ ولذا فليس مِن حكمة الداعية أن يَضع الدِّين كله جملة واحدة أمامَ المدعوِّ؛ لئلا يشقَّ عليه، وهذا هو الذي يتَّفق مع التيسير في الدَّعوة والتبشير بها، وعدم التنفير عنها.
وإنَّ فهْم التيسير على حقيقته مِن البصيرة في الدعوة، وهو مِن الحكمة التي أَمَرَ اللهُ بالدعوة بها، والتيسير لا يعني فعْلَ ما يهوى؛ بل اتِّباع الأسهلِ على المدعوِّ بما يوافق الشرع.
وقد يعمد بعضُ المسلمين الجُدُد إلى القيامِ بأعمالٍ تَشُقُّ عليهم في بداية الأمْر؛ ظنًّا منهم أن على المسلم الجديد أن يَشُقَّ على نفسه في بداية إسلامه، أو يُعَذِّبها بأنواع من الطاعات؛ ليكفِّر عما سلف مِن ذنوبه، قال شيخ الإسلام: "ومما ينبغي أن يُعرف: أن الله تعالى ليس رضاه أو محبَّته في مجرَّد عذاب النفس، وحَمْلِها على المشاقِّ، حتى يكُون العمل كلما كان أشقَّ كان أفضلَ، كما يحسب كثيرٌ مِن الجهال أنَّ الأجر على قدْر المشقَّة في كل شيء، لا، ولكن الأجْر على قدْر منفعة العمل ومصلحته وفائدته، وعلى قدْر طاعة أمْر الله ورسوله، فأيُّ العمليْن كان أحسَنَ، وصاحبُه أَطْوَع وأَتْبَع، كان أفضل، فإنَّ الأعمال لا تتفاضل بالكثرة، وإنما تتفاضل بما يحصُل في القلوب حالَ العمَل؛ ولهذا لما نذرتْ أختُ عقبة بن عامر أنْ تحجَّ ماشيةً حافيةً، قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ الله لَغَنِيٌّ عن تعذيب أختِكَ نفسَها، مُرْها فلتَرْكَب))، وروي: أنه أَمَرَها بالهدْي، وروي: بالصَّوْم.
واعتبار التيسير في دعوة المسلم الجديد مأخوذٌ مِن هدْي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عندما يَبعث أحدًا للدعوة إلى دِين الله، فكان صلَّى الله عليه وسلَّم إذا بَعث أحدًا قال: ((يَسِّروا، ولا تُعَسِّروا))، قال النووي رحمه الله: "فيه تأليفُ مَن قَرُب إسلامُه، وترْك التشديد عليه، وكذلك مَن قارَبَ البلوغَ مِن الصبيان، ومَن بَلغ، ومَن تاب مِن المعاصي، كلهم يُتَلَطَّف بهم، ويُدَرَّجُون في أنواع الطاعة".