أرشيف المقالات

قادة ومواقف في دولة السلاجقة - علي بن محمد الصلابي

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
القائد الأول: ألب أرسلان
(محمد) الأسد الشجاع: السلطان الكبير، الملك العادل، عضد الدولة، أبو شجاع ألب أرسلان، محمد بن السلطان جغري بك داود ميكائيل بن سلجوق بن تُقاق بن سلجوق التركماني، الغُزَّي، من عظماء ملوك الإسلام وأبطالهم، ملك بعد عمه طغرل بك، وكان عادلاً سار في الناس سيرة حسنة، كريماً رحيماً، شفوقاً على الرعية رفيقاً على الفقراء، بارّا بأهله وأصحابه ومماليكه كثير الدعاء بدوام ما أنعم به عليه، كثير الصدقات يتصدق في كل رمضان بخمسة عشر ألف دينار، ولا يعرف في زمانه جناية ولا مصادرة، بل يقنع من الرّعايا بالخراج في قسطين، رفقاً بهم، وقد تولى السلطنة السلجوقية عام (455هـ) بعد عمه طغرل بك، وقد اعتمد ألب أرسلان في الوزارة على نظام الملك، وكان وزير صدق يكرم العلماء والفقراء، ولما عصى الملك شهاب الدولة قُتُلمش، وخرج عن الطاعة، وطمع في أخذ الملك من ألب أرسلان وكان من بني عم طغرل بك، فجمع وحشد واحتفل له ألب أرسلان فقال له الوزير: "أيها الملك، لا تخف؛ فإني قد استخدمت لك جنداً ليلياً يدعون لك وينصرونك بالتوجه في صلواتهم وخلواتهم، وهم العلماء والصلحاء"، فطابت نفسه بذلك، فحين التقى مع قتلمش لم ينظره أن كسره، وقتل خلقاً من جنوده، وقُتل قتلمش في المعركة واجتمعت الكلمة على ألب أرسلان، وعظم أمره، وخطب له على منابر العراق والعجم وخراسان ودانت له الأمم.
 
* جهاد ألب أرسلان في سبيل الله:
كان ألب أرسلان - كعمه طغرل بك- قائداً ماهراً مقداماً، وقد اتخذ سياسة خاصة تعتمد على تثبيت أركان حكمه في البلاد الخاضعة لنفوذ السلاجقة، قبل التطلع إلى إخضاع أقاليم جديدة، وضمها إلى دولته، كما كان متلهفاً للجهاد في سبيل الله، ونشر دعوة الإسلام في داخل الدولة المسيحية المجاورة له؛ كبلاد الأرمن وبلاد الروم، وكانت روح الجهاد الإسلامي هي المحركة لحركات الفتوحات التي قام بها ألب أرسلان وأكسبتها صبغة دينية، وأصبح قائد السلاجقة زعيماً للجهاد، وحريصاً على نصرة الإسلام ونشره في تلك الديار، ورفع راية الإسلام خفاقة على مناطق كثيرة من أراضي الدولة البيزنطية.
لقد بقي سبع سنوات يتفقد أجزاء دولته المترامية الأطراف، قبل أن يقوم بأي توسع خارجي، وعندما أطمأن على استتباب الأمن وتمكن حكم السلاجقة في جميع الأقاليم والبلدان الخاضعة له، أخذ يخطط لتحقيق أهدافه البعيدة، وهي فتح البلاد المسيحية المجاورة لدولته، وإسقاط الخلافة الفاطمية "العبيدية في مصر "، وتوحيد العالم الإسلامي تحت راية الخلافة العباسية السنية ونفوذ السلاجقة، فأعد جيشاً كبيراً اتجه به نحو بلاد الأرمن وجورجيا فافتتحها وضمها إلى مملكته، كما عمل على نشر الإسلام في تلك المناطق..
وأغار ألب أرسلان على شمال الشام وحاصر الدولة المرداسية في حلب، والتي أسسها صالح بن مرداس على المذهب الشيعي سنة (414هـ)، وأجبر أميرها محمود بن صالح بن مرداس على إقامة الدعوة للخليفة العباسي بدلاً من الخليفة الفاطمي العبيدي سنة (462هـ)، ثم أرسل قائد الترك أتسنسر بن أوق الخوارزمي في حملة إلى جنوب الشام فانتزع الرملة وبيت المقدس بدلاً من الفاطميين العبيديين، ولم يستطيع الاستيلاء على عسقلان التي تعتبر بوابة الدخول إلى مصر، وبذلك أضحى السلاجقة على مقربة من قاعدة الخليفة العباسي والسلطان السلجوقي داخل بيت المقدس، وفي سنة (462هـ)، ورد رسول صاحب مكة محمد بن أبي هاشم إلى السلطان يخبره بإقامة الخطبة للخليفة القائم وللسلطان، وإسقاط خطبة حاكم مصر العبيدي، وترك الأذان بـ"حي على خير العمل" فأعطاه السلطان ثلاثين ألف دينار وقال له: "إذا فعل أمير المدينة كذلك أعطيناه عشرين ألف دينار".
وكان حريصاً على إقامة العدل في رعاياه وحفظ أموالهم وأعراضهم، بلغه أن غلاماً من غلمانه أخذ إزاراً لبعض التجار، فصلبه فارتدع سائر المماليك به، خوفاً من سطوته، وكتب إليه بعض السُّعاة في نظام الملك، فاستدعاه وقال له: "إن كان هذا صحيحاً فهذَّب أخلاقك، وأصلح أحوالك، وإن لم يكن صحيحاً فاغفر لهم زلتهم بمُهمَّ يشغلهم عن السعاية بالناس"، وكان كثيراً ما يقرأ عليه تواريخ الملوك وآدابهم، وأحكام الشريعة ، ولما اشتهر بين الملوك بحُسن سيرته، ومحافظته على عهوده أذعنوا له بالطاعة والموافقة بعد الامتناع وحضروا عنده من أقاصي ما وراء النهر إلى أقاصي الشام.
 
* موقعة ملاذكرد بقيادة المجاهد الكبير ألب أرسلان:
موقعة ملاذكرد سنة (463هـ): قام ألب أرسلان بحملة كبيرة ضد الأقاليم النصرانية المجاورة لحدود دولته، وقاد جيشه نحو جنوب أذربيجان واتجه غرباً لفتح بلاد الكُرج والمناطق المطلة على بلاد البيزنطيين وكان سكان الكرج يكثرون من الغارة على أذربيجان فأصبحوا مصدر قلق لسكان المنطقة، وانضم إليه وهو في مدينة مرند في أذربيجان أحد أمراء التركمان ويدعى طغتكين، وكان دائم الغارة على تلك المنطقة، عارفاً بمسالكها، واجتاز الجيش السلجوقي نهر الرس، في طريقه إلى بلاد الكُرج، وفصل ألب أرسلان أثناء زحفه قوة عسكرية بقيادة ابنه ملكشاه، ووزيره نظام الملك هاجمت حصوناً ومدناً بيزنطية منها حصن سُرماري.
ومدينة مريم نشين الحصينة وفتحها واستمرت فتوحاته الكبيرة في الأراضي الأرمينية، ويبدو أن ملك الكُرج هاله التوغل السلجوقي في عمق المناطق الأرمينية فهادن ألب أرسلان وصالحه على دفع الجزية، ونتيجة لهذا التوغل السلجوقي أضحى الطريق مفتوحاً أمام السلاجقة للعبور إلى الأناضول بعد أن سيطروا على قلب أرمينية، فأغاروا على المناطق الحدودية واستولوا على دروب الأمانوس في عام (459هـ)، وهاجموا قيصرية حاضرة كبادوكية في العام التالي.
جرى كل ذلك ولم يبذل الإمبراطور البيزنطي جهداً كبيراً لمقاومة هذه الغارات، مما شجعهم على التوغل في عمق الأناضول فوصلوا إلى نيكسار، وعمورية في عام (461هـ) وإلى قونية في العام التالي، وإلى خونية القريبة من ساحل بحر إيجه في عام (463هـ)، شكل فتح السلاجقة لبلاد الكرج والقسم الأكبر من أرمينية تحدياً لبيزنطة وبخاصة بعد أن أدرك الإمبراطور البيزنطي أن ألب أرسلان يصبغ غزوه للبلاد بصبغة الجهاد الديني، وهو يطبع المناطق المفتوحة بالطابع الإسلامي، مما جعل نشوب الحرب بين المسلمين والبيزنطيين أمرًا لا مفر منه.
 
* تآمر ملك الروم على الإسلام:
خرج ملك الروم (رومانوس) في جمع كبير من الروم والروس والكرج والفرنجة وغيرهم من الشعوب النصرانية، حتى قدر ذ?ك الجمع بثلاثمائة ألف جندي، أعدهم الإمبراطور لملاقاة السلطان السلجوقي، الذي ما إن علم باقتراب الروم ومن معهم حتى استعد للأمر واحتسب نفسه ومن معه، وكان في قلة من أصحابه لا تقارن بعدد الروم وأتباعه، قيل إنهم قرابة خمسة عشر ألفًا، ولم يكن لديه وقت لاستدعاء مدد من المناطق التابعة له وقال قولته المشهورة: "أنا أحتسب عند الله نفسي، وإن سعدت بالشهادة ففي حواصل الطيور الخضر من حواصل النسور الغبر رمسي، وإن نصرت فما أسعدني وأنا أمسي ويومي خير من أمسي"، وهجم بمن معه على مقدمة الأعداء وكان فيها عشرون ألفاً معظمهم من الروس، فأحرز المسلمون عليهم انتصاراً عظيماً وتمكنوا من أسر معظم قوادهم.
 
* عرض السلطان ألب أرسلان المصالحة على ملك الروم:
ثم أرسل السلطان ألب أرسلان من قبله وفداً إلى إمبراطور الروم وعرض عليه المصالحة ولكنه تكبر وطغى ولم يقبل العرض، وقال: "هيهات!! لا هدنة ولا رجوع إلا بعد أن أفعل ببلاد الإسلام مثل ما فُعل ببلاد الروم"، وجاء في رواية: "لا هدنة إلا ببذل الري"، فحمى السلطان وشاط، فقال إمامه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي: "إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح فالقهم يوم الجمعة في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين".
 
* اندلاع المعركة وانتصار المسلمين:
أعد المسلمون العدة للمعركة الفاصلة واجتمع الجيشان يوم الخميس الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة (463هـ)، فلما كان وقت الصلاة من يوم الجمعة صلى السلطان بالعسكر ودعا الله تعالى وابتهل وبكى وتضرع وقال لهم: "نحن مع القوم تحت الناقص، وأريد أن أطرح نفسي عليهم في هذه الساعة التي يُدعى فيها لنا وللمسلمين على المنابر، فإما أن أبلغ الغرض، وإما أن أمضي شهيداً إلى الجنة ، فمن أحب أن يتبعني منكم فليتبعني، ومن أحب أن ينصرف فليمض مصاحباً فما هاهنا سلطان بأمر ولا عسكر يؤمر، فإنما أنا اليوم واحد منكم، وغاز معكم، فمن تبعني، ووهب نفسه لله تعالى فله الجنة أو الغنيمة، ومن مضى حقت عليه النار والفضيحة".
فقالوا: "مهما فعلت تبعناك فيه وأعناك عليه"، فبادر ولبس البياض وتحنط استعداداً للموت وقال: "إن قتلت فهذا كفني"، ثم وقع الزحف بين الطرفين ونزل السلطان ألب أرسلان عن فرسه ومرغ وجهه بالتراب وأظهر الخضوع والبكاء لله -تعالى- وأكثر من الدعاء ثم ركب وحمل على الأعداء، وصدق المسلمون القتال وصبروا وصابروا حتى زلزل الله الأعداء وقذف الرعب في قلوبهم، ونصر الله المسلمين عليهم، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا منهم جموعاً كبيرة، كان على رأسهم ملك الروم نفسه الذي أسره أحد غلمان المسلمين فأحضر ذليلاً إلى السلطان، فقّنعه بالمِقرعة، وقال: "ويلك ألم أبعث أطلب منك الهدنة"؟ قال: "دعني من التوبيخ".
قال: "ما كان عزمك لو ظفرت بي"؟ قال: "كل قبيح"، قال: "فما تؤمَّلُ وتظُن بي"؟ قال: "القتل أو تُشهّرني في بلادك، والثالثة بعيدة: العفو وقبول الفداء".
قال: "ما عزمت على غيرها"، فاشترى نفسه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، وإطلاق كل أسير في بلاده، فخلع عليه، وبعث معه عدة وأعطاه نفقة توصله.
وأما الروم فبادروا وملَّكوا آخر، فلما قرب أرمانوس شعر بزوال ملكه، فلبس الصوف، وترهب، ثم جمع ما وصلت يده إليه نحو ثلاثمائة ألف دينار، وبعث بها، واعتذر وقيل: "إنه غلب على ثغور الأرمن".
لقد غزا ألب أرسلان بلاد الروم مرتين، وافتتح قلاعاً، وأرعب الملوك، ثم سار إلى أصبهان ومنها إلى كرمان وذهب إلى شيراز ثم عاد إلى خراسان، وكاد يتملك مصر.
 
* نتائج ملاذكرد، (463هـ):
أ- تعتبر معركة "ملاذكرد" من المعارك الفاصلة في التاريخ ويسميها بعض المؤرخين باسم الملحمة الكبرى، وتعد أكبر نكسة في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية وأصبحت الأراضي البيزنطية تحت رحمة السلاجقة، وبذلك يكون السلاجقة قد تابعوا الجهاد الذي قام به المسلمون ضد الروم. 
ب- لم يكن هذا الانتصار انتصاراً عسكرياً فقط بل كان انتصاراً دعوياً للإسلام، إذ انتشر السلاجقة في آسيا الصغرى عقب معركة ملاذكرد وضموا إلى ديار الإسلام مساحة تزيد على (400) ألف كم، عم الإسلام تلك الجهات منُذ ذلك الوقت ولم يكن دخلها أبداً من قبل، فإن هذه المرحلة من تاريخ الإسلام كانت مرحلة امتداد وتوسع أيضاً ولم تكن مرحلة جمود وتوقف كما يتصور كثير من الناس ممن يقرؤون التاريخ الإسلامي على عجالة ويتوقفون عند نهاية العصر العباسي الأول ويجملون العصر الثاني بكلمات تدل على الضعف والتفكك والتوقف، وخصوصاً إذا ذهبنا إلى المغرب والأندلس حيث دولة المرابطين السنية التابعة للخلافة العباسية، فبعد ست سنوات من معركة ملاذكرد، أي في عام (469هـ)، استطاع المرابطون في المغرب أن يفتحوا عاصمة إمبراطورية غانا "كومبي صالح"، وأن يفرضوا الإسلام على جميع البلاد، وقد وافق ملك غانا "تنكامنين" على الدخول في الإسلام والخضوع لسلطان المرابطين، وقد دخل كثير من الشعب في الإسلام أيضاً، وبذا تكون ديار الإسلام قد امتدت في إفريقيا على مساحة جديدة تقرب من نصف مليون كيلو متر مربع وفي الوقت نفسه فقد اتسعت ديار الإسلام في الجنوب الشرقي في الهند وفتحت مساحات واسعة من شمال تلك البلاد.
جـ- تعتبر هزيمة البيزنطيين في ملاذكرد نقطة تحول في التاريخ الإسلامي البيزنطي، فلأول مرة يقع الإمبراطور نفسه أسيراً في أيدي المسلمين، فهي لا تقل أهمية عن اليرموك ونتائجها، فإذا كانت هذه الأخيرة قررت مصير بلاد الشام، فإن الأولى قد قررت مصير آسيا الصغرى، التي نجح الأتراك السلاجقة في فتحها والتوغل فيها، وكانت بذلك لبنة اجتثت من بناء الدولة البيزنطية فمهدت لسقوطها، فعندما فقدت الإمبراطورية ولاياتها الغنية في آسيا الصغرى، أصبحت القسطنطينية رأساً حُرم من الجسد الذي يسنده، وبذلك غدت آسيا الصغرى برمتها مكشوفة أمام السلاجقة، وهكذا بضربة واحدة دفعت الحدود التقليدية التي طالما فصلت بين الإسلام والمسيحية (400) ميل إلى الغرب، ولأول مرة استطاع الأتراك السلاجقة أن يحرزوا مكاناً ثابتاً في تلك البقاع، ومنُذ ذلك الحين فقد الرؤساء والجنود شجاعتهم، ولم تحرز الإمبراطورية نصراً على الإطلاق.
د- ومن نتائج ملاذكرد أن قضى السلاجقة على التحالف البيزنطي الفاطمي، واضطرت بيزنطة إلى مصالحتهم، أما أرمينية فقد زالت منها الإدارة البيزنطية بعد أن هجرها سكانها وخضعت المدن الأرمينية للسلاجقة، كما انهار نظام الدفاع البيزنطي الذي تولاه أمراء التخوم، وبذلك تعرض نظام الثغور لضربة قاسية لاسيما أن بيزنطة لجأت بعد المعركة إلى إنزال حاميات من الجند المرتزقة في أرمينية، ولم تحاول الاستعانة بالسكان الأصليين.
هـ- تُعد معركة ملاذكرد أشد ما وقع في التاريخ البيزنطي من كوارث، بل إنها أكبر كارثة حلت بالإمبراطورية البيزنطية حتى نهاية القرن الخامس الهجري، وجاءت دليلاً على نهاية دور الدولة البيزنطية في حماية النصرانية من ضغط الإسلام، وفي حراسة الباب الشرقي لأوروبا من غزو المسلمين، وتراءى للصليبيين فيما بعد أن البيزنطيين فقدوا على أرض المعركة ما اتخذوه من لقب حماة العالم النصراني، وبررت هذه المعركة ما جرى من تدخل الغرب الأوروبي؛ لأن بيزنطة لم يعد بوسعها حماية العالم النصراني في الشرق وأصبحت عاجزة عن أن تُلقي بجيش في المعركة لأعوام عديدة.
كما أن هذه المعركة مهدت الطريق ويسرت السبل للقضاء على سيطرة البيزنطيين على أكثر أجزاء منطقة آسيا الصغرى، مما ساعد على القضاء على الدولة البيزنطية نفسها، بعد ذلك على أيدي الأتراك العثمانيين.
و‌- يعد الأتراك أكثر العناصر العسكرية الأجنبية إفادة من الأوضاع المضطربة التي سادت المجتمع البيزنطي والوضع السياسي بعد معركة ملاذكرد.
فقد حاولت الأطراف المتنازعة في بيزنطة أن تستعين بالقوات التركية ضد بعضها البعض مما أتاح للسلاجقة التوغل في صميم الحياة البيزنطية.
ز‌- أقدمت السلطات البيزنطية في القسطنطينية على عزل الإمبراطور رومانوس الرابع وأجلست مكانه ميخائيل السابع بن قسطنطين العاشر دوقاس، وحاول رومانوس في غمرة هذا الصراع أن يستعين بالقوات التركية، غير أن الهزيمة لحقت به وتقرر إلقاء القبض عليه وسمل عينيه.
ح- انتهج معظم الأباطرة البيزنطيين بعد رومانوس الرابع نهجه في الاستعانة بالأتراك كلما واجهتهم محنة، فعندما أعلن روبيل بايليل قائد قوات الفرنج المرتزقة العصيان على الدولة البيزنطية استعان ميخائيل السابع بالقوات التركية لقمع حركته، كما استعان بالأخوين منصور وسليمان، من أقارب السلطان ألب أرسلان، للقضاء على ثورة نقفور بوتانياتسى، على أن الأخوين لم يلبثا أن تخليا عن الإمبراطور ودخلا في خدمة بوتانياتس، فأنزلهما في مدينة نيقية، وعلى هذا النحو استولى الأتراك على مقاطعتي جالايتا في وسط بلاد الأناضول وفريجيا المجاورة.
ط- لقد حقَّق ألب أرسلان هدفه، إذ كفل الحماية لجناح جيشه، وأزال خطر التقارب بين بيزنطة والفاطميين، وانصرف بعد ذلك لمواصلة القتال في إقليم ما وراء النهر حيث قضى نحبه عام (465هـ) ولم ينفذ ابنه وخليفته في الحكم -ملكشاه- إلى آسيا الصغرى، غير أن رعاياه من الأتراك اتخذوا من سهول وسط آسيا الصغرى، مراعى تنتجعها الأغنام، وعهد إلى ابن عمه سليمان بن قُتلمش بأن يستولي على هذا الإقليم لصالح الأقوام التركية.
 
* دروس وعبر وفوائد:
تظهر مجموعة من الفوائد والدروس والعبر من معركة ملاذكرد، منها:
- أهمية الإخلاص لله، والاستعداد للموت في سبيله، واللجوء إليه في تحقيق انتصارات المسلمين في معاركهم الكبرى.
- دور العلماء في تثبيت القادة والجنود وتذكيرهم بالله واليوم الآخر، وأثر الوعظ والتذكير في شجاعة الجنود واندفاعهم وخصوصاً عندما يكون العلماء في ميادين النزال وساحات المعارك.
- من أسباب النصر وجود القائد الخبير المحنك والجيش القوى المنظم.
- أهمية الصبر عند مواجهة الأعداء في المعارك، تلك الصفة الربانية التي أمر الله بها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]، فالجيوش الإسلامية التي تتحلى بهذه الصفة يحالفها نصر الله تعالى.
- ما لم تكن الشريعة حاضرة على مستوى القيادة والجنود ما كان يمكن أن يتحقق هذا النصر.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢