الدعوة إلى الله تعالى: الشرف العظيم
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
الدعوة إلى الله تعالى: الشرف العظيمبسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
إن الدعوة إلى الله تعالى هي أشرفُ الأعمال وأعظمها، وكلُّ مَن يحظى بشرف الدعوة إلى الله الملكِ ولدينِه العظيم، هو في نعمة كبرى؛ فالدعوة هي دليل الحائرين، وسراج للعالمين؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]، وبالدعوة تصلحُ مَعايشُ الناس، وبالدعوة يتوجَّه المذنب إلى التوبة، والعاصي إلى الطاعة، وبالدعوة تستقيم أمورُ الخَلْق، وبالدعوة يكون المسلم في رحاب رضوان الله تعالى.
الدعوة تتطلَّب من المسلم أن يتبع أوامرَ الله جل جلاله، وأن يهتديَ بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، ويتحلَّى بصفات خير الخلق صلى الله عليه وسلم؛ لكي يحقِّقَ الهدف الذي يصبو إليه، ولكي يغتنمَ المكاسب التي يسعى إليها؛ قال الله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].
والدعوة تتطلب المثابرة، والصبرَ، والسعيَ الدؤوب لنيل المطالب الشريفة والمقاصد العُليا.
إن الدعوة مُكلَّفٌ بها كل المسلمين، كلٌّ حسب طاقته ومقدرته، وتفضيل الأمة كان لما تقوم به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإيمان بالله تعالى؛ قال الله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]، ولقد حثَّنا الرسولُ صلى الله عليه وسلم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيَّن لنا أنهما من روافد الصدقات؛ فعن أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تبسُّمُك في وجه أخيك لك صدقةٌ، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقةٌ، وإرشادُك الرجلَ في أرض الضلال لك صدقةٌ، وإماطتُك الأذى والشوك والعظم عن الطريق لك صدقةٌ، وإفراغُك من دلوك في دلو أخيك لك صدقةٌ))؛ صححه الألباني، وعن أبي أُمامة الباهليِّ رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فضلُ العالم على العابد كفضلي على أدناكم)) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وملائكتَه وأهلَ السموات والأرض حتى النملة في جُحْرها، وحتى الحوت - ليُصلُّون على معلم الناس الخيرَ))؛ رواه الترمذي، وصححه الألباني، والحديث الشريف يُوضِّح الشرف العظيم للعلم وتعليم الناس الخير، وهي أَسْمَى مكانة يصبو لها العبد؛ لكي يتقرَّب إلى مولاه الخالق العظيم.
فالمسلمُ يتحيَّنُ كلَّ فرصة سانحةٍ؛ لكي يسابق بالخيرات، ويزاحم الآخرين بالطاعات، فلا يثقلُه الشيطان، ولا يلقي في قلبه الوَهَنَ، أو الاستكانة؛ للانشغال بأمور الدنيا، والدعوة مكفولةٌ للجميع، وبأيسر الطرق، فأهلُ البيت من الوالدين والإخوة، بإمكانك تعليمهم بعضَ السنن النبوية، وبعض الأذكار الشرعية، وزملاؤك في العمل تواصل معهم في أبواب الخير، قم بإرشادهم إلى تعلُّم معلومة فقهية كلَّ يوم؛ مثل: واجبات الصلاة، وسنن الصلاة، وفوائد الصدقات، شاركهم في عمل صدقة جارية، أَخبِرْهم عن فضل إلقاء السلام، وعن مكارم ذكر الله تعالى، وعن وجوب صلاة الجماعة وفضلها، وعن الجنة ونعيمها، والنار وعذابها، تواصل مع الجيران، ومع كلِّ من تستطيع أن تدعوَه؛ ليكون ذلك شاهدًا لك يوم القيامة، ولا يُثْنِ المسلم عن الدعوة سخريةُ الجاهلين، ولا نسمح لوساوس الشيطان بأن تَثنِيَنا عن الدعوة تحت زعم أننا في زمرة المذنبين، فالمذنب لا يَثنيه عن الدعوة ذنب، بل يحرِّكه الذنب لكي يكون في صفوف التائبين وفي زمرة المصلحين، والله تعالى يحب التوابين، والله تعالى وعَدَ الذين ينهون عن السوء بالنجاة؛ قال الله سبحانه: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [الأعراف: 165]، وقال الله ذو الجلال والإكرام: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 117]، فلنكن بفضل الله تعالى وتوفيقه في زمرة التائبين، ولندعُ اللهَ تعالى الكريم أن يجعلنا من المصلحين، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.