تساقط خانات مغول الشمال
مدة
قراءة المادة :
12 دقائق
.
خانية قازانمحمد أوغلان خان:
قل ارتباط قازان بعاصمة مغول الشمال سراي بعد تيمورلنك وعندما وقع الخلاف بين أحد خانات سراي وهو محمد أوغلان وأخوه كجك محمد عام 841هـ استطاع كجك محمد أن يتربع على عرش سراي، في حين هرب محمد أوغلان إلى مدينة قازان وسيطر عليها وعلى المناطق المحيطة بها، واستقل بها عن سراي وكون خانية قازان، وبدأ توسعة ملكه منها.
حارب محمد أوغلان الروس؛ بسبب أنه التجأ إليهم عندما هرب من أخيه كجك محمد، ولكنهم تنكَّروا له بالرغم من حسن معاملته لهم عندما كان خانًا على سراي، فهجم على بلادهم عدة مرات، وكان يكتفي بالغنائم حتى جاء هجومه عليهم عام 850هـ، وحاصر فيه موسكو وأسر بطريقها، وفي أثناء حصاره لموسكو استغل أحد أمراء المغول من أبناء شوبان الفرصة، وسيطر على قازان، فاضطر محمد أوغلان أن يفك الحصار عن موسكو، ويعود إلى قازان، واستطاع أن يستعيد السلطة فيها.
محمود خان:
أطلق محمد أوغلان سراح بطريق موسكو، فتسبب ذلك في الخلاف بين محمد أوغلان وابنه محمود فقتل محمد أوغلان، وسيطر ابنه محمود على الحكم عام 850هـ، ونتيجة لذلك فرّ إخوة محمود إلى موسكو، واستمر حكم محمود حتى توفي عام 872هـ.
إبراهيم خان:
وهو ابن محمود خان، وفي نفس الوقت تزوجت أُمُّه من عمّه قاسم الذي فر إلى موسكو، وأخذ يهاجم قازان بمساعدة الروس حتى توفي عام 873هـ، واستمرت الحروب بين الروس وقازان برغم محاولات أُمُّ إبراهيم في التوسط بين ابنها، وبين الأمير إيفان الثالث، حتى انسحب الروس إلى موسكو بعد أن خرَّبوا أطراف قازان، وتوفي إبراهيم عام 883هـ.
إلهام خان:
استمر حكمه عشر سنوات، وكان أخوه محمد أمين قد تشاكل معه، فذهب إلى الروس وأعانوه بقوةٍ هجم بها على قازان عام 893هـ، وتمكن من السيطرة عليها وخلع أخاه الهام وجلس مكانه وأسرَ أخوه لدى الروس.
محمد أمين خان:
اتصل أهل قازان بماموق خان الشيباني في القوقاز ليولوه عليهم خانًا بعد أن كرهوا محمد أمين، فحاول ماموق أن يدخل قازان عام 902هـ فاستنجد محمد أمين بإيفان الثالث، فأعانه ففشل ماموق في دخول قازان، ولكنه عاود الكرة، واستطاع دخول قازان ثم هرب محمد أمين وأسرته إلى موسكو، ولم يستطع ماموق أن يكسب أهل قازان فاستغلوا خروجه للحرب،.
وأغلقوا أبواب المدينة في وجهه عند عودته، وراسلوا إيفان الثالث يطلبون تعيين عبد اللطيف أخي محمد أمين خانًا عليهم، فوافق إيفان ونصب فعلاً عبد اللطيف، ولكن محمد أمين استطاع أن يسترد قازان عام 908هـ وأرسل عبد اللطيف إلى موسكو أسيرًا، وفي ذلك الوقت قامت زوجة محمد أمين -وكانت من قبل زوجة أخيه الهام- بإثارة محمد أمين ضد الروس، فسار بجيش كبير من قازان وبلاد النوغاي -الأجزاء التي تتضمن أطراف الأورال مثل مدن أوفا وأورنبرغ- إلى بلاد الروس.
وهكذا كثرت الحروب بين الروس وقازان في أيام محمد أمين، وفي ذلك الوقت أطلق سراح عبد اللطيف أخو محمد أمين بوساطة منكلي كراي خان القرم، فعاد عبد اللطيف إلى قازان بعد أن أمنه أخوه، بل وجعله وليًّا للعهد في قازان، إلا أنه توفي قبل موت محمد أمين الذي مات عام 925هـ، ولم يكن هناك ولي للعهد، فعيَّن الروس شيخ علي خانًا على قازان.
صاحب كراي:
اقترح محمد كراي خان القرم على موسكو تعيين أخيه صاحب كراي خانًا على قازان، فرفضت موسكو لخوفها من وحدة المسلمين، فاتفق محمد كراي مع أهل قازان على ذلك وأعانوه وخلعوا شيخ علي ونصَّبوا صاحب كراي خانًا لقازان، وتوحدت قازان والقرم في حربها مع الروس، فأخذت موسكو ترسل جيوشها بقيادة شيخ علي لمحاربة أهل قازان، وارتكبت هذه الجيوش أبشع الجرائم في أهل قازان في عامي 930هـ، 931هـ.
وعرض صاحب كراي خان القرم على الخليفة العثماني سليمان القانوني تبعية قازان للعثمانيين، فوافق الخليفة وأرسل إلى موسكو يخبرهم بذلك، فكان رد الروس أن إمارة قازان تتبعهم.
صفا كراي:
وسارعت روسيا بإرسال جيوشها إلى قازان حتى تسبق العثمانيين إليها في الوقت الذي ذهب صاحب كراي إلى العثمانيين للإتيان بقوة وترك مكانه لابن أخيه صفا كراي وحاول الروس احتلال قازان، ولكنهم فشلوا لما أبداه أهلها من مقاومة كبيرة ولكن أهل قازان قد أرهقتهم الحروب، فراسلوا روسيا يعرِضون التبعية الاسمية لها، وتعيين خانًا من قبلها فعينت عليهم جان على عام 939هـ وترك صفا كراي البلاد متجهًا إلى القرم.
وكان القرم دائمي الهجوم على الروس لتخفيف وطأتهم على قازان وتوفي أمير موسكو واسيلي الرابع وتولى مكانه ابنه إيفان الرابع -الرهيب-، وقد أطلق عليه هذا اللقب لما ارتكبه من جرائم بشعة في المسلمين، فاقت كل الوصف.
وفي عام 942هـ استطاع أمراء قازان قتل جان علي المعيَّن من قِبل الروس، وراسلوا صفا كراي ليعود لحكم قازان، فعاد إليها وهاجم الروس في العام التالي، وتوفي صفا كراي عام 956هـ فأصبحت قازان بلا خان.
وبعد عدة مناوشات مع الروس عقدوا اتفاقًا معهم بعودة شيخ علي إلى حكم قازان، وأخرج أمراء القرم من قازان ومنهم بولك كراي بن صاحب كراي.
ثم قرَّر إيفان الرهيب حسم مشكلة قازان مستغلاًّ تحسن علاقاته مع ليتوانيا وإمارة استراخان، وبرغم دعم القرم لقازان ومراسلة الخليفة العثماني سليمان القانوني لخان النوغاي؛ لمساعدة قازان المسلمة ضد الروس أعداء المسلمين ووصول النوغاي فعلاً إلى قازان، وخلع شيخ علي وتنصيب محمد خان من قبلهم على قازان.
إلا أن إيفان الرهيب سار مع الشيخ علي هذا الخائن الذي لا تهمه إلا مصلحته الشخصية، واتجها إلى قازان واستطاعوا بعد مقاومة عنيفة من أهلها أن يدخلوها عام 959هـ، لتبتلعها روسيا وترتكب بها أبشع الجرائم والمنكرات التي سنتكلم عنها فيما بعد.
خانية استراخان (الحاج طرخان)
استقل الحاج شركس باستراخان عن سراي عام 762هـ؛ واستطاع دخول سراي ولكنه ما لبث أن خرج منها بعد عدة أشهر، وعندما احتل تيمورلنك منطقة مغول الشمال نصب على سراي عاصمة بلاد مغول الشمال قويرجق خان، فخضعت له سراي وما إن توفي حتى تسلم تيمر قتلغ الأمر عام 802هـ ثم جاء من بعده براق خان وفي عهده تسلم محمد أوغلان خانية سراي.
انتقلت استراخان لتبعية القرم في عهد أحمد خان حاكم القرم ثم استقل بها حسين خان ثم عادت للقرم في عهد محمد كراي عام 930هـ.
خضعت استراخان إلى عبد الكريم بن أحمد خان من القرم، ثم ابن أخيه آقوبك ابن قاسم ثم عبد الرحمن خان عام 941هـ، ثم جاء النوغاي فاستولوا على استراخان وعيَّنوا عليها درويش علي خان، ثم حيدر خان ابن أحمد خان في عام 948هـ ثم آق كداك خان حفيد أحمد خان ثم يمغورجي خان.
حتى استولى عليها صاحب كراي عام 958هـ وأعاد درويش على خان، ثم استطاع يمغورجي أن يستعيد استراخان واتفق مع خان القرم وأمير النوغاي بدعم الدولة العثمانية ، وعزم إيفان الرهيب الأمير الروسي على احتلال استراخان، ووافقه على ذلك أمير النوغاي مرزا يوسف.
فتذرَّع إيفان للحرب مع استراخان بأن أمر يمغورجي أن يُعيد درويش علي خان على استراخان، فرفض يمغورجي، فانقض إيفان على استراخان واستطاع أن يحتلها عام 962هـ بجيش تحت إمرة مرزا إسماعيل، ونصَّب درويش علي خانًا عليها، ثم عقد درويش علي مع روسيا اتفاقًا ينص على عدم تعيين خانًا من بعده على استراخان، أي تكون استراخان من بعده إمارة روسية، وحاول درويش علي أن يتفق مع دولت كراي خان القرم على تعيين أحد أبنائه وليًّا للعهد على استراخان بعد موت درويش، فلما علمت روسيا بذلك استولت على استراخان عام 965هـ وضمتها إليها، وواصلت بشائعها مع التتار المسلمين.
خانية سيبيريا
ولى باتو بن جوجي أخاه شيبان على شرقي الأورال، فبنى مدينة سيبير وتأسست عام 640هـ إمارة سيبيريا التابعة لسراي عاصمة دولة مغول الشمال، وتوالى على حكم سيبيريا أبناء شيبان -الأسرة الشيبانية-، وبعد عهد تيمورلنك انفصلت عن سراي مع انفصال الإمارات الأخرى، وتوالى على حكمها أبناء شيبان حتى عهد قوتشم خان الذي نقض العهد مع الروس، الذي ينص على التبعية لروسيا وتعاون مع النوغاى في حرب الروس، وشجع القوزاق على عصيانهم.
وفي هذا الوقت ظهر يرمق بن تيما واستطاع أن يجمع حوله بعض أشقياء القوزاق، وقام بعمليات سطو وتخريب في بلاد التتار، فتمكن من الاستيلاء على قلعة سيبير عام 1003هـ وباعها للروس، وفرَّ قوتشم إلى بلاد الباشكير، وعاش بمدينة أوفا حتى مات وحاول ابنه علي خان وايشم خان أن يحررا بلادهما من الروس ولكنهما فشلا، وباستيلاء الروس على قازان واستراخان وسيبير واصلو تقدمهم في بلاد شرقي أورال، فاحتلوا بلاد النوغاي، وقضوا على أكثر خانات بني شيبان في سيبيريا.
خانية القرم
ماماي:
استقل ماماي صهر محمد بردي بالقرم عن سراي عام 762هـ، واستطاع تنصيب عبد الله بن محمد أوزبك خانًا على سراي بعد أن تمكن من السيطرة عليها، واضطر في حربه مع الروس أن ينسحب إلى مقرِّه في القرم حتى جاء تيمورلنك، واحتل بلاد مغول الشمال وعيَّن قويرجق خانًا على مغول الشمال.
حاجي كراي:
وفي عهد محمد أوغلان عام 839هـ عندما حدث الخلاف بينه وبين أخيه، اتجه بعض أبناء أوغلان إلى شبه جزيرة القرم، أمثال غياث الدين ودولت بردي وتربع حاجي كراي على حكم القرم حتى وفاته عام 871هـ.
منكلي كراي:
هو ابن حاجي كراي وفي عهده خرج عليه أخوه صدر، فاحتمى بالجنويين الذين كان لهم بعض المواقع على ساحل شبه جزيرة القرم في مدينة أكفا، وكان في ذلك الوقت السلطان محمد الفاتح يحارب الجنويين، واستطاع تطهير شبه جزيرة القرم منهم، ووقع منكلي كراي في يد السلطان محمد الفاتح فذهب به إلى إستانبول ثم أعاده خانًا على القرم وأصبحت القرم تحت حماية العثمانيين.
وكان العِداء مستمرًّا بين القرم وسراي، فحدث خلاف بين منكلي كراي والروس، في حين اتحد أحمد خان سراي مع الليتوانيين، واستمرت الحروب بين الحلفين، وعندما تولى مرتضى بن أحمد خان الحكم في سراي، وواصل الحرب مع القرم وتمكن منكلي كراي عام 890هـ من الانتصار على سراي وأسر مرتضى خان، لكن أهل سراي تمكنوا من إحراز الانتصار على القرم في العام التالي وإطلاق سراح مرتضى خان.
استطاع منكلي كراي أن يحرز انتصارًا كبيرًا على الليتوانيين، وكادت تخضع له لولا تدخل أحمد خان أخي مرتضى خان، واستطاع منكلي كراي أن يقضي على مدينة سراي عام 907هـ؛ حيث تأخر الليتوانيون في دعم سراي فدخلها منكلي كراي ودمرها تدميرًا ومحاها من الخريطة.
بدأت العلاقات تتوتر مع روسيا عام 917هـ؛ حيث تحالف تتار القرم مع الليتوانيين في هجومهما على روسيا، ثم توفي منكلي كراي عام 919هـ.