Warning: Undefined array key "member_user" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/379f6d1c5f54bdd9f12bcbc99cdb8fd8709cb09e_0.file.header_new.tpl.php on line 272
int(202) array(0) { }

أرشيف المقالات

الحركة العلمية بصقلية وإفريقية في المنتصف الأول من القرن السادس الهجري

مدة قراءة المادة : 31 دقائق .
الحركة العلمية بصقلية وإفريقية في المنتصف الأول من القرن السادس الهجري.
 
ليس نافلةً في مجال البحث العلمي أن تُفرَد حِقْبَةٌ ما بالبحث في الحركة العلمية بها؛ لأن ذلك كاشف ومُعين على حسن إدراك وفهم التراث؛ من حيث استشفاف الإطار العام للبناء المعرفي المحدِّد لمعالم الإنتاج العلمي في تلك الفترة؛ وذلك برصد علله المادية، والصورية، والغائية، كما هو كاشف ومُعين على استتمام رسم واضح عن الشخصيات المنتجة لذلك التراث؛ من حيث الكشف على الاتجاهات الفكرية، والتيارات المعرفية، التي يصدرون عنها، ومن حيث تفسير بعض الجوانب الغامضة في بعض اختياراتهم العلمية والشخصية، وليس لهذا فحسب؛ فلأنه أيضًا مجال لرصد السنن في تطور الإنتاج المعرفي وضموره، واستجلاء ناموس الله تعالى في ذلك.
 
ولقد كان النصف الأول من القرن السادس الهجري امتدادًا للعصور التي قبله في ازدهار نشاط الحركة العلمية فيه ازدهارًا كبيرًا، وبلوغها شأوًا عظيمًا، مشرقًا ومغربًا، في شتى مناحي المعرفة الشرعية والدنيوية، والنقلية والعقلية، ويكفي لإثبات هذا الأمر استحضارُ أعلام هذا العصر ممن تدفَّقت أنهار علومهم، وأخصبت الأرض معرفة بمجالسهم وتواليفهم، فنالوا من الشرف ما طاولوا به النجوم كل مطال، ولاحظوا به الجوزاء من عل؛ من أمثال: أبي حامد الغزالي (505 هـ)، وأبي الوفاء ابن عقيل (513 هـ)، وابن رشد الجد (520)، وأبي القاسم الزمخشري (538 هـ)، وأبي عبد الله المازري (443 هـ)، وأبي موسى عياض بن موسى السبتي (544 هـ)، وأبي القاسم ابن عساكر الدمشقي (571 هـ)، وغيرهم كثير.
 
هذا الازدهار في نشاط الحركة العلمية في هذا العصر - هو كما وُصف - من حيث الجملة، فإنه لم يكن على وزن واحد في كل بقاع العالم الإسلامي؛ لأن تداعيات الصراعات السياسية والعسكرية في هذا العصر، أرْخَتْ أروقتها القاتمة على بعض الأقطار والأمصار، ففترت الحركة العلمية بها، بل ضمرت ضمورًا كاملًا في بعضها.
 
وقد آثرتُ في هذا المقال أن أجمع بين الحركة العلمية بإفريقية، والحركة العلمية بصقلية؛ للارتباط بين العدوتين سياسيًّا وعلميًّا؛ وذلك أن الأغالبة حكام إفريقية هم الذين فتحوا صقلية سنة 213هـ، ومنذ ذلك الحين كانت العدوة الشمالية تابعة للجنوبية، سواء في زمن الأغالبة، أو في زمن العُبيديين؛ إذ كانت من أعمال ولاية الصنهاجيين ولاة إفريقية، أو بعد إعلان المعز بن باديس الصنهاجي سنة 435هـ انفصاله عن حكم العبيديين، وبقيت كذلك إلى أن سقطت الجزيرة في يد النورمان في سنة 484هـ، وكذلك الشأن علميًّا؛ فإن طبيعة الحركة العلمية بصقلية مشابهة لطبيعتها بإفريقية؛ فالعلاقة بينهما كعلاقة الفرع بالأصل.
 
وليس ما ذُكر هو وجه التشابه بين الحركة العلمية بصقلية، ومثيلتها بإفريقية فحسب، فإنه بعد العقد الرابع من القرن الخامس، بدأ يدِب الضعف إلى الحركة العلمية بالعدوتين؛ وذلك راجع أساسًا إلى الظروف السياسية التي كانتا تعيشانها؛ إذ انطلقت الحروب الصليبية على صقلية بأيدي الرومان، كما اجتاح الأعراب إفريقية؛ وذلك أن في سنة 440هـ "أمر المعز بن باديس بأن يُدعى على منابر إفريقية للعباس بن عبدالمطلب، ويقطع دعوة الشيعة العبيديين، فدعا الخطيب للخلفاء الأربعة وللعباس، ولبقية العشرة رضي الله عنهم"[1]، مما دفع الحاكم العبيدي المستنصر بإغراء الأعراب وتحفيزهم على دخول القيروان، وملَّكهم الأراضي التي يتسلطون عليها، وكان ذلك سنة 442 هـ[2]، فملكوا طرابلس سنة 446 هـ، ودارت بينهم وبين المعز حروب آلت إليهم الغلبة فيها، وحاصروا القيروان؛ قال ابن الأثير: "وشرعت العرب في هدم الحصون والقصور، وقطعوا الثمار وخربوا الأنهار، وأقام المعز والناس ينتقلون إلى المهدية إلى سنة تسع وأربعين، فعندها انتقل المعز إلى المهدية في شعبان"[3]، وفي أول رمضان نُهبت القيروان عاصمة العلم بإفريقية نهبًا شديدًا[4]، فغادر الفقهاء والعلماء القيروان، وتفرقوا في البلدان، ولم يبقَ فيها ممن يُشار إليه بالبنان، إلا أبا القاسم السيوري (بعد 460 هـ)؛ قال القاضي عياض فيه: "خاتمة أئمة القيروان...
ولازم مدينة القيروان بعد خرابها، إلى أن مات بها"[5]، وقد ذكر الدباغ في معالمه تأثير حدث خراب القيروان في مغادرة العلماء منها؛ حيث قال بعد ذكر ترجمة أبي عبدالله المازري المعروف بالذكي: "ولم يبقَ بالقيروان من له اعتناء بتاريخ؛ لاستيلاء مفسدي الأعراب على إفريقية وتخريبها، وإجلاء أهلها عنها، إلى سائر بلاد المسلمين"[6].
 
وكان من شأن هذين الحدثين الجليلين في تاريخ المنطقة: دخول النورمان صقلية إلى سقوطها بين أيديهم سنة 484 هـ، وجائحة الأعراب على إفريقية، وخراب عاصمتها العلمية القيروان على وجه الخصوص - فتورُ الحركة العلمية بهما، بمغادرة الأئمة من الفقهاء، والقراء والمحدِّثين، ومن الشعراء والأدباء، والنحويين، وأضرابهم منها.
 
أعلام صقلية وإفريقية النازلون بغيرهما من الأقطار في عصر ابن ظفر:
كان هذا الوضع القاتم في العدوتين داعيًا إلى نزوح ونزول كثير من أعلامها ببعض البلدان والأقطار الآمنة؛ حيث فروا بعلمهم إليها، فملؤوا ما استوطنوها علمًا كثيرًا، ولو شاء المولى أن كتب لهم البقاء في موطنهم، لكان أمر الحركة العلمية بهما مخالفًا لما آل إليه الأمر فيهما.
 
ومن أبرز هؤلاء الأعلام الصقليين:
الذكي النحوي الصقلي (516 هـ)[7]:
هو أبو عبدالله، محمد بن أبي الفرج بن فرح بن أبي القاسم، ذكي الدين، الكتاني، المازري، الصقلي، ولد بصقلية سنة (427 هـ)، أخذ عن شيوخ بلده، وأخذ بالقيروان عن السيوري، والخرقي وغيرهما، سكن قلعة بني حماد، ثم خرج الى الشرق، فدخل العراق، وسكن أصبهان إلى أن مات بها، وألف في علوم القرآن كتابًا كبيرًا.
 
قال فيه القاضي عياض: "وكان فقيهًا حافظًا، مدركًا نبيلًا، فهمًا متقدمًا في علم المذهب واللسان، متفننًا في علوم القرآن، وسائر المعارف"[8].
 
وتوفي سنة 516 هـ بأصبهان، وقيل سنة 510 هـ.
 
ابن المسلم القرشي الصقلي، ثم الإسكندري (بعد 520 هـ)[9]:
هو أبو عبدالله، محمد بن المسلم، بن محمد، بن أبي بكر، القرشي، المخزومي، الصقلي، المازري، ثم الإسكندري، درس النحو والأدب بصقلية عن أبي القاسم ابن القطاع، وأبي حفص السوسي وعن آخرين، ثم نزل الإسكندرية وسمع الحديث من الطرطوشي وغيره.
 
قال فيه القاضي عياض: "غلب عليه الكلام والتحقيق، وتقدم فيه تقدمًا بزَّ فيه أهل وقته، وصنف فيه التصانيف الكبار القوية المأخذ؛ ككتاب البيان لشرح البرهان، وكتاب تأييد التمهيد وتقييد التجريد، وكتاب المهاد في شرح الإرشاد، وغير ذلك، ورحل إليه الناس في هذا الشأن وناظر الفِرَق"[10].
 
قال ابن مخلوف: "لم أقف على وفاته وكان بالحياة في سنة عشرين وخمسمائة"[11].
 
ومن أبرز الذين خرجوا من القيروان بعد خرابها من العلماء إلى غير إفريقية، وعاصرهم الحجة ابن ظفر:
ابن الحناط القيرواني (507 هـ) [12]:
هو أبو محمد، عبدالقادر بن محمد، الصدفي، القيرواني، يعرف بابن الحناط، وُلد بالقيروان سنة 424هـ، وأخذ عن الإمام عبدالحق الصقلي وغيره، وسمع بمصر من محمد بن الفرج، ورحل إلى الأندلس، ونزل بالمرية حتى تُوفي، وسمع منه جماعة بها.
 
قال فيه ابن بشكوال: "وكان رجلًا فاضلًا زاهدًا، معنيًّا بالعلم والرواية"[13].
 
وقال الضبي: "فقيه محدث"[14].
وتوفي بالمرية في ربيع الأول سنة (507 هـ).
 
ابن أبي كدية القيرواني (512 هـ)[15]:
هو أبو عبدالله، محمد بن عتيق أبي بكر، بن محمد، بن أبي نصر هبة الله، بن علي، بن مالك، التميمي، القيرواني، يعرف بابن أبي كدية، الإمام، المتكلم، النظار، الأشعري، المقرئ، وُلد بالقيروان سنة 420 هـ، وأخذ علم الكلام بها عن صاحبي الباقلاني (403 هـ)، أبي عبدالله الأزدي، وأبي الطاهر ابن عرس، وسمع الحديث من ابن عبدالبر وغيره بالأندلس، وتلا بالروايات على ابن النفيس بمصر، ودخل بغداد وسمع من أشياخها، وأقْرَأَ علم الكلام بنظامية بغداد، وقرأ عليه المبارك الشهرزوري وابن عقيل، ودخل الشام، ثم رجع إلى بغداد.
 
قال فيه السلفي: "كان مشارًا إليه في الكلام، قال لي: أنا أدرس الكلام من سنة ثلاث وأربعين[16]، جرت بينه وبين الحنابلة فتن، وأُوذي غاية الإيذاء"[17].
وتوفي ببغداد سنة 512 هـ.
 
إن هذا الفتور في الحركة العلمية بإفريقية وصقلية بعد العقد الرابع من القرن الخامس الهجري، آل إلى مآلين مختلفين في القطرين مع نهاية هذا القرن وبداية القرن السادس الهجري؛ حيث شُلَّت الحركة العلمية بالعدوة الشمالية مؤذِنة باضمحلالها وزوالها، جراء الحكم النورماني الصليبي بها، الذي ضيَّق على المسلمين - الذين أبَوا أن يرتدوا - في أمور دينهم تضييقًا خانقًا، بتجفيف منابع العلم، ومنع الجُمُع، وما تركوا لهم إلا إقامة الصلوات الخمس بالمساجد، وتحفيظ صبيانهم القرآن الكريم؛ قال ابن جبير واصفًا حال المسلمين حين مروره بصقلية قاصدًا حج بيت الله الحرام: "وللمسلمين بهذه المدينة رسم باقٍ من الإيمان، يعمرون أكثر مساجدهم ويقيمون الصلاة بأذان مسموع...
ولا جمعة لهم بسبب الخطبة المحظورة عليهم، ويصلون الأعياد بخطبة؛ دعاؤهم فيها للعباسي، ولهم بها قاضٍ يرتفعون إليه في أحكامهم، وجامع يجتمعون للصلاة فيه ويحتفلون في وقيده في هذا الشهر المبارك، وأما المساجد فكثيرة لا تُحصى، وأكثرها محاضر لمعلمي القرآن.
 
وبالجملة فهم غرباء عن إخوانهم المسلمين تحت ذمة الكفار، ولا أمْنَ لهم في أموالهم، ولا في حريمهم، ولا أبنائهم، تلافاهم الله بصنع جميل بمَنِّهِ"[18].
 
وأما العدوة الجنوبية؛ فآل أمرها إلى عكس ما آلت إليه العدوة الشمالية؛ حيث بدأ يتبدد الفتور الذي لحقها بعد خراب القيروان، إثر جائحة الأعراب؛ وذلك بانتقال الريادة العلمية منها إلى المهدية، بعد أن صارت عاصمة ملك الصنهاجيين، ويمكن عزوُ سبب تبدد فتور الحركة العلمية بإفريقية مع نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس، إلى استقرار الأوضاع السياسية بإفريقية في ولايتي الأمير أبي يحيى تميم بن المعز بن باديس الصنهاجي (501 هـ)، وابنه الأمير يحيى (509 هـ)، مع اتصافهما بالعلم، وتقريب العلماء، وإجزال العطاء للشعراء والأدباء[19]، وأيضًا، إلى استيطان بعض أئمة ذلك الزمن المهديةَ؛ مما جعلها قِبلة للعلماء وطلبة العلم، وروضة فيحاء بعَبَقِ العلوم، ومِن أجلِّ مَن استوطنها من الأئمة:
أبو عبدالله المازري (536 هـ) [20]:
هو أبو عبدالله محمد بن علي بن عمر بن محمد، التميمي، المازري، ثم المهدوي، يعرف بالإمام، الفقيه، المالكي، المحدِّث، وُلد بالمهدية، أخذ عن اللخمي وأبي محمد السوسي وغيرهما من شيوخ إفريقية، وألَّف "المُعلِم بفوائد كتاب مسلم"، و"شرح التلقين"، و"إيضاح المحصول في الأصول"، ومصنفات في الأدب، وجاءه الناس من الأقطار يأخذون عنه.
 
قال فيه القاضي عياض: "إمام بلاد إفريقية وما وراءها من المغرب، وآخر المستقلين من شيوخ إفريقية بتحقيق الفقه ورتبة الاجتهاد ودقة النظر...
ودرس أصول الفقه والدين، وتقدم في ذلك فجاء سابقًا، لم يكن في عصره للمالكية في أقطار الأرض في وقته أفْقَه منه ولا أقوم لمذهبهم، وسمع الحديث وطالع معانيه، واطَّلع على علومٍ كثيرةٍ من الطب والحساب والآداب وغير ذلك، فكان أحد رجال الكمال في العلم في وقته، وإليه كان يُفزع في الفتوى في الطب في بلده، كما يُفزع إليه في الفتوى في الفقه"[21].
 
توفي (536 هـ) بالمهدية، وله ثلاث وثمانون سنة.
كان من تجليات تبدد فتور الحركة العلمية في عصر ابن ظفر بإفريقية، وبروز مخاييل نهضة علمية بها، ظهور أعلام في الفقه خاصة؛ ومن أبرزهم:
أبو الفضل ابن النحوي، القيرواني، التوزري (513 هـ)[22]:
هو أبو الفضل يوسف بن محمد بن يوسف، ابن النحوي، القيرواني، التوزري، ناظم قصيدة "المنفرجة" المشهور، أخذ عن أبي الحسن اللخمي، وأبي عبدالله المازري، وغيرهم.
 
قال فيه ابن الآبار: "وكان أبو الفضل هذا عارفًا بأصول الدين والفقه، يميل إلى النظر والاجتهاد، ولا يرى التقليد، وله تواليف"[23].
 
وتُوفي عن ثمانين سنة بقلعة بني حماد، وأصله منها في محرم سنة (513 هـ).
 
أبو الطاهر ابن بشير (بعد 526 هـ)[24]:
هو أبو الطاهر إبراهيم بن عبدالصمد، بن بشير، التنوخي، المهدوي، أحد أعلام مذهب مالك من أهل إفريقية، صاحب كتاب "التنبيه على مبادئ التوجيه"، وغيره.
 
قال فيه ابن فرحون: "كان رحمه الله إمامًا، عالمًا، مفتيًا، جليلًا، فاضلًا، ضابطًا، متقنًا، حافظًا للمذهب، إمامًا في أصول الفقه والعربية والحديث، من العلماء المبرَّزين في المذهب، المترفعين عن درجة التقليد إلى رتبة الاختيار والترجيح"[25].
 
وقتله قطاع الطرق، ولا يعرف متى كان ذلك؟ وذكر ابن فرحون أنه اختتم كتابه المختصر سنة 526 هـ.
 
ومن أهل إفريقية الذين عُرفوا بالشعر والأدب:
أبو عبدالله ابن بشير[26]:
هو أبو عبدالله محمد بن عبدالصمد بن بشير، التنوخي، المهدوي، من شعراء الأمير علي بن يحيى بن تميم، كان من الفضلاء، العلماء، الأدباء.
توفي في حدود سنة (520 هـ).
 
ولم يشتهر بإفريقية أحد، عُرف عنه تبحر في العلوم الدنيوية من الفلسفة، والطب، والفلك والحساب وغيرها، إلا ما كان من أبي أمية ابن الصلت الأندلسي (528 هـ)، وهو أنه بعد انفكاكه من خدمة العبيديين بمصر، خدم الأمير تميم بن المعز وابنه يحيى عشرين سنة[27]، والإمام أبا عبدالله المازري الذي اشتغل بالطب، وحُكي أن سبب ذلك أنه "مرض في أثناء عمره، فلم يجد من يعالجه إلا يهودي، فلما عُوفي على يده، قال له اليهودي: لولا التزامي بحفظ صناعتي لأعدمتك المسلمين، فأثر هذا عند المازري، وأقبل على تعلم الطب حتى برع فيه في زمن يسير، وصار يُفتي فيه كما يُفتي في العلم"[28].
 
وهذا الذي نُقل عن الإمام المازري يؤكد أن إفريقية كانت قفرًا من الاشتغال بهذه العلوم، خاصة أن الإمام من مستوطني المهدية، وهي دار ملك، فما يكون الحال في غيرها من أعمال إفريقية؟
 
لم أقف على أحد من العلماء الذين استوطنوا إفريقية ولم ينزلوا بغيرها من البلدان، عُرف عنه اشتغال بالتفسير والقراءات غير الحجة ابن ظفر الصقلي (567 ه)، صاحب كتاب "ينبوع الحياة في تفسير القرآن العظيم"، وهو أمر غريب، خاصة أن هذه البلاد من المغرب اشتهرت بالأعلام من المفسرين والقراء؛ كمكي بن أبي طالب (437 هـ)، وأبي العباس المهدوي (توفي في حدود 440 هـ)، ولعل مرد ذلك إلى الخراب الذي أحدثه الأعراب بإفريقية، حتى إن كان بقِيَ فيها من اشتغل بذلك، فإنه لم يبقَ فيها من يؤرخ له؛ قال الدباغ: "ولم يبقَ بالقيروان من له اعتناء بتاريخ؛ لاستيلاء مفسدي الأعراب على إفريقية وتخريبها، وإجلاء أهلها عنها، إلى سائر بلاد المسلمين"[29].
 
ومن خلال ما سبق نستشف أن الطابع الذي طُبعت به الحركة العلمية بإفريقية في أواخر القرن الخامس، وبداية القرن السادس، طابع فقهي، بصبغة مالكية صرفة؛ وذلك أن المعز بن باديس حمل الناس على مذهب مالك، وقضى على مذهب أبي حنيفة حسمًا للاختلاف؛ قال الذهبي: "وكان مذهب أبي حنيفة ظاهرًا بإفريقية، فحمل المعز أهل مملكته على مذهب مالك والاشتغال به، وحسم مادة الخلاف في المذاهب"[30].
 
لائحة المصادر والمراجع:
1- أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض، لشهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى، أبي العباس المقري التلمساني (ت: 1041 ه)، تحقيق: مصطفى السقا - إبراهيم الإبياري - عبدالعظيم شلبي، الناشر: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر - القاهرة، عام النشر: 1358 هـ - 1939 م.

2- إنباه الرواة على أنباه النحاة، لجمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف القفطي (ت 646 ه)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة، ومؤسسة الكتب الثقافية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1406 هـ - 1982 م.

3- بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس لأحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة، أبي جعفر الضبي (المتوفى: 599 ﻫ)، الناشر: دار الكاتب العربي – القاهرة، عام النشر: 1967 م.

4- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة لجلال الدين عبدالرحمن السيوطي سنة الولادة 849 ﻫ/ سنة الوفاة 911 ﻫ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، لبنان/ صيدا.

5- البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، لابن عذاري المراكشي، أبي عبدالله محمد بن محمد (المتوفى: نحو 695 ﻫ)، تحقيق ومراجعة: ج.
س.
كولان، إ.
ليفي بروفنسال، الناشر: دار الثقافة، بيروت، الطبعة: الثالثة، سنة: 1983 م.

6- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام لشمس الدين أبي عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (المتوفى: 748 ﻫ)، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى، 2003 م.

7- ترتيب المدارك وتقريب المسالك، لأبي الفضل القاضي عياض بن موسى اليحصبي (المتوفى: 544ﻫ)، تحقيق: محمد بن شريفة وغيره، الناشر: مطبعة فضالة - المحمدية، المغرب، الطبعة: الأولى.
 
8- التكملة لكتاب الصلة لابن الأبار، محمد بن عبدالله بن أبي بكر القضاعي البلنسي (المتوفى: 658 ﻫ)، تحقيق: عبدالسلام الهراس، دار الفكر للطباعة – لبنان، 1415ﻫ - 1995م.

9- الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، لإبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون، برهان الدين اليعمري (المتوفى: 799 ﻫ)، تحقيق وتعليق: الدكتور محمد الأحمدي أبو النور، دار التراث للطبع والنشر، القاهرة.

10- رحلة ابن جبير، لابن جبير، محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي (المتوفى: 614 ﻫ)، الناشر: دار بيروت للطباعة والنشر، الطبعة: الأولى.

11- سير أعلام النبلاء لشمس الدين أبي عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (المتوفى: 748 ﻫ)، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثالثة، 1405 ﻫ/ 1985 م.

12- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد بن محمد بن عمر بن علي بن سالم مخلوف (ت 1360 هـ)، علق عليه: عبدالمجيد خيالي، الناشر: دار الكتب العلمية، لبنان، الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2003 م.

13- الصلة في تاريخ أئمة الأندلس، لأبي القاسم خلف بن عبدالملك بن بشكوال (المتوفى: 578 ﻫ)، تحقيق: السيد عزت العطار الحسيني، الناشر: مكتبة الخانجي، الطبعة: الثانية، سنة: 1374 ﻫ/ 1955 م.

14- غاية النهاية في طبقات القراء، لشمس الدين أبي الخير ابن الجزري، محمد بن محمد بن يوسف (ت 833 ﻫ)، الناشر: مكتبة ابن تيمية، الطبعة: عُني بنشره لأول مرة عام 1351ﻫ، ج.
برجستراسر.

15- الغنية، فهرست شيوخ القاضي عياض، لعياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبي الفضل (ت 544 ه)، تحقيق: ماهر زهير جرار، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى 1402 هـ - 1982 م.

16- فوات الوفيات، لمحمد بن شاكر بن أحمد بن عبدالرحمن بن شاكر بن هارون بن شاكر الملقب بصلاح الدين (ت 764 ه)، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر - بيروت، الطبعة: الأولى.

17- الكامل في التاريخ لأبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبدالكريم بن عبدالواحد الشيباني الجزري، عز الدين، ابن الأثير (المتوفى: 630 ﻫ)، تحقيق: عمر عبدالسلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1417هـ/ 1997م.
 
18- معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، لعبدالرحمن بن محمد الأنصاري الأسيدي الدباغ، تحقيق: إبراهيم شبوج، الناشر: مكتبة الخانجي بمصر، الطبعة الثانية: 1388 هـ/ 1968 م.
 
19- معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار، لشمس الدين أبي عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (ت 748 ه)، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى 1417هـ - 1997.

20- المقفى الكبير لتقي الدين المقريزي (ت 845 ﻫ)، تحقيق: محمد اليعلاوي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، سنة: 1411هـ/ 1991 م.
 
21- نزهة الألباء في طبقات الأدباء، لعبدالرحمن بن محمد بن عبيدالله الأنصاري، أبي البركات، كمال الدين الأنباري (ت 577هـ)، تحقيق: إبراهيم السامرائي، الناشر: مكتبة المنار، الزرقاء – الأردن، الطبعة: الثالثة، 1405 هـ - 1985 م.
 
22- الوافي بالوفيات لصلاح الدين خليل بن أيبك بن عبدالله الصفدي (المتوفى: 764 ﻫ)، تحقيق: أحمد الأرنؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث – بيروت، 1420هـ - 2000 م.

23- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان، البرمكي الإربلي (المتوفى: 681 ﻫ)، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر – بيروت، الطبعة: 1، 1994م.



[1] البيان المعرب (1/ 277).


[2] ينظر: الكامل في التاريخ (8/ 86).


[3] الكامل في التاريخ (8/ 89).


[4] ينظر: الكامل في التاريخ (8/ 89)، وبيان المغرب (1/ 294).


[5] ترتيب المدارك (8/ 65).


[6] (3/ 203-204).


[7] ينظر ترجمته في: ترتيب المدارك (8/ 101)، ونزهة الألباء في طبقات الأدباء (275-278)، ومعالم الإيمان (3/ 202-203)، وإنباه الرواة على أنباه النحاة (3/ 73-74)، والمقفى الكبير (6/ 272)، وبغية الوعاة (1/ 210)، وشجرة النور الزكية (1/ 184-185).


[8] ترتيب المدارك (8/ 101).


[9] ينظر ترجمته في: الغنية (88)، والمقفى الكبير (7/ 141)، ونيل الابتهاج (376)، وشجرة النور الزكية (1/ 84).


[10] الغنية (88).


[11] شجرة النور الزكية (1/ 184).


[12] ينظر ترجمته في: الصلة (371-372)، وبغية الملتمس (394 - 395)، وتاريخ الإسلام (11/ 89)، وغيرها.


[13] الصلة (372).


[14] بغية الملتمس (394 - 395).


[15] ينظر ترجمته في: تاريخ دمشق (54/ 188-190)، وتاريخ إربل (2/ 449)، وتاريخ الإسلام (11/ 198)، والسير (19/ 417-418)، ومعرفة القراء الكبار (261)، وفوات الوفيات (3/ 429-430)، والوافي بالوفيات (4/ 59-61)، وغاية النهاية في طبقات القراء (2/ 195 - 196)، والمقفى الكبير (6/ 102-103)، وغيرها.


[16] أي بعد الأربعمائة.


[17] ينظر: السير (19/ 418).


[18] رحلة ابن جبير (273).


[19] ينظر: الكامل في التاريخ (8/ 609، 610)، وتاريخ الإسلام (11/ 24).


[20] ينظر ترجمته في: الغنية (65)، ووفيات الأعيان (4/ 285)، وتاريخ الإسلام (11/ 661)، والسير (20/ 104-107)، والوافي بالوفيات (4/ 110-111)، والديباج المذهب (2/ 250-252)، وأزهار الرياض (3/ 166-169)، وشجرة النور الزكية (1/ 186-188)، وغيرها.


[21] الغنية (65).


[22] ينظر ترجمته في: التكملة (4/ 225-226)، وتاريخ الإسلام (11/ 213)، وبغية الوعاة (2/ 236)، ونيل الابتهاج (622)، وشجرة النور الزكية (1/ 185).


[23] التكملة (4/ 226)، وتاريخ الإسلام (11/ 213).


[24] ينظر ترجمته في: الديباج المذهب (265-266)، وشجرة النور الزكية (1/ 186).


[25] الديباج المذهب (265).


[26] شجرة النور الزكية (1/ 185).


[27] ينظر: التكملة (1/ 168).


[28] تاريخ الإسلام (11/ 661).


[29] معالم الإيمان (3/ 203-204).


[30] تاريخ الإسلام (10/ 54).

شارك المقال