أقوال السلف والعلماء في الشَّجَاعَة
مدة
قراءة المادة :
11 دقائق
.
- قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه لخالد بن الوليد: "احرص على الموت ، توهب لك الحياة" (العقد الفريد لابن عبد ربه: 1/92).- وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "الجبن والشَّجَاعَة غرائز في النَّاس، تلقى الرجل يقاتل عمن لا يعرف، وتلقى الرجل يفر عن أبيه" (مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا ص 70).
- وخطب عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، النَّاس لما بلغه قتل أخيه مصعب، فقال: "إن يقتل فقد قتل أبوه، وأخوه، وعمه، إنا والله لا نموت حتفًا، ولكن نموت قعصًا بأطراف الرماح، وموتًا تحت ظلال السيوف، وإن يقتل مصعب فإنَّ في آل الزبير خلفًا منه" (العقد الفريد لابن عبد ربه 1/101)، والموت قعصًا أن يُرمى فيموت مكانه.
- وكتب زياد إلى ابن عباس رضي الله عنه: أن صف لي الشَّجَاعَة، والجبن، والجود، والبخل، فكتب إليه: "كتبت تسألني عن طبائع، رُكِّبت في الإنسان تركيب الجوارح، اعلم أنَّ الشجاع يقاتل عمن لا يعرفه، والجبان يفر عن عرسه، وأن الجواد يعطي من لا يلزمه، وأن البخيل يمسك عن نفسه" (نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري 3/347).
- وقالوا: (حد الشَّجَاعَة سعة الصدر، بالإقدام على الأمور المتلفة) (نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري 3/208).
- وسئل بعضهم عن الشَّجَاعَة فقال: "جبلَّة نفسٍ أبيَّة، قيل له: فما النَّجدة؟ قال: ثقة النفس عند استرسالها إلى الموت، حتى تحمد بفعلها دون خوف" (نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري 3/208).
- وقيل لبعضهم: ما الشَّجَاعَة؟ فقال: صبر ساعة.
وقال بعض أهل التجارب: الرجال ثلاثة: فارس، وشجاع، وبطل، فالفارس: الذي يشد إذا شدوا، والشجاع: الداعي إلى البراز والمجيب داعيه، والبطل: الحامي لظهور القوم إذا ولَّوا.
- قال يعقوب بن السكيت في كتاب (الألفاظ): العرب تجعل الشَّجَاعَة في أربع طبقات، تقول: رجلٌ شجاعٌ، فإذا كان فوق ذلك، قالوا: بطلٌ، فإذا كان فوق ذلك، قالوا: بهمةٌ؛ بهمة: البُهْمةُ بالضم: الشجاع وقيل هو الفارس الذي لا يُدْرَى من أَين يُؤتى له من شدَّة بأْسِه والجمع بُهَم (لسان العرب لابن منظور 12/56)، فإذا كان فوق ذلك، قالوا: أَلْيس؛ الألْيَسُ مَن لا يُبَالي الحَرْبَ ولا يَرُوعُه.
واللِّيسُ واللُّوسُ: الأشِدَّاءُ (تاج العروس للزبيدي 16/493) (نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري (3/208).
- وقال بعض الحكماء: "جسم الحرب: الشَّجَاعَة، وقلبها: التدبير، ولسانها: المكيدة، وجناحها: الطاعة، وقائدها: الرفق، وسائقها: النصر" (نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري 3/208).
- وقال عمرو بن معد يكرب: "الفزعات ثلاثة: فمن كانت فزعته في رجليه، فذاك الذي لا تقله رجلاه، ومن كانت فزعته في رأسه، فذاك الذي يفر عن أبويه، ومن كانت فزعته في قلبه، فذاك الذي لا يقاتل" (الفروسية لابن القيم ص 498).
- وقال ابن تيمية : "ولما كان صلاح بني آدم لا يتم في دينهم ودنياهم إلا بالشَّجَاعَة والكرم، بيَّن الله سبحانه أنَّه من تولى عنه بترك الجهاد بنفسه، أبدل الله به من يقوم بذلك، ومن تولَّى عنه بإنفاق ماله، أبدل الله به من يقوم بذلك" ( الاستقامة لابن القيم 2/269).
- وقال ابن القيم : "الجبن والشَّجَاعَة غرائز وأخلاق، فالجبان يفر عن عرسه، والشجاع يقاتل عمَّن لا يعرفه، كما قال الشاعر:
يفرُ جبانُ القومِ مِن أُمِ نَفسِه *** ويحمي شُجاعُ القومِ مَن لا يُناسبه
والشجاع ضد البخيل؛ لأن البخيل يضن بماله، والشجاع يجود بنفسه، كما قال القائل:
كم بين قوم إنَّما نفقاتهم *** مال وقوم ينفقون نفوسا
(الفروسية لابن القيم ص 498).
- وقال الذهبي: "الشَّجَاعَة والسخاء أخوان، فمن لم يجد بماله، فلن يجود بنفسه" (سير أعلام النبلاء للذهبي 19/235).
فوائد الشَّجَاعَة:
الشَّجَاعَة لها فوائد تعود على الفرد والمجتمع، منها:
1- أنها سبب لانشراح الصدر:
قال ابن القيم: "فإنَّ الشجاع منشرح الصدر، واسع البطان، متسع القلب ، والجبان أضيق النَّاس صدرًا، وأحصرهم قلبًا، لا فرحة له ولا سرور، ولا لذة له ولا نعيم إلا من جنس ما للحيوان البهيمي، وأما سرور الروح ولذتها، ونعيمها، وابتهاجها، فمحرم على كل جبان، كما هو محرم على كل بخيل، وعلى كل معرض عن الله سبحانه، غافل عن ذكره، جاهل به وبأسمائه تعالى وصفاته ودينه، متعلق القلب بغيره" (زاد المعاد لابن القيم 2/22).
2- الشَّجَاعَة أصل الفضائل:
فمن يتصف بالشَّجَاعَة يتحلى أيضًا بالنجدة، وعظم الهمة ، والثبات، والصبر، والحلم، وعدم الطيش، والشهامة، واحتمال الكد.
3- الشَّجَاعَة تحمل صاحبها على عزة النفس وإيثار معالي الأخلاق والشيم؛ قال ابن القيم: "والشَّجَاعَة تحمله على عزة النفس، وإيثار معالي الأخلاق والشيم، وعلى البذل والندى، الذي هو شجاعة النفس، وقوتها، على إخراج المحبوب، ومفارقته، وتحمله على كظم الغيظ، والحلم، فإنَّه بقوة نفسه، وشجاعتها، يمسك عنانها، ويكبحها بلجامها عن النزغ، والبطش، كما قال: «ليس الشديد بالصرعة، إنَّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»، وهو حقيقة الشَّجَاعَة، وهي ملكة يقتدر بها العبد على قهر خصمه" (الفروسية لابن القيم ص 491).
4- الرجل الشجاع يحسن الظن بالله:
قال ابن القيم: "والجبن خلق مذموم عند جميع الخلق، وأهل الجبن: هم أهل سوء الظن بالله، وأهل الشَّجَاعَة والجود: هم أهل حسن الظن بالله ، كما قال بعض الحكماء في وصيته: عليكم بأهل السخاء، والشَّجَاعَة، فإنَّهم أهل حسن الظن بالله، والشَّجَاعَة جُنَّة للرجل من المكاره، والجبن إعانة منه لعدوه على نفسه، فهو جند وسلاح يعطيه عدوه ليحاربه به، وقد قالت العرب: الشَّجَاعَة وقاية، والجبن مقتلة، وقد أكذب الله سبحانه أطماع الجبناء في ظنِّهم أنَّ جبنهم ينجيهم من القتل والموت، فقال الله تعالى: {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} [الأحزاب: 16].
ولقد أحسن قطري بن الفجاءة بقوله:
أقول لها وقد طارت شعاعًا *** من الأبطالِ ويحك لن تراعي
فإنك لو سألت بقاء يوم *** على الأجل الذي لك لن تطاعي
فصبرًا في مجال الموت صبرًا *** فما نيل الخلود بمستطاع
وما ثوب الحياة بثوب عز *** فيطوى عن أخي الخنع اليراع
سبيل الموت غاية كل حي *** وداعيه لأهل الأرض داعي
ومن لم يعتبط يسأم ويهرم *** وتسلمه المنون إلى انقطاع
وما للمرء خير في حياة *** إذا ما عدَّ من سقط المتاع
(الفروسية لابن القيم ص 491).
5- لا تتم مصلحة الإمارة والسياسة إلا بالشَّجَاعَة:
قال ابن تيمية: "لا تتم رعاية الخلق وسياستهم، إلا بالجود الذي هو العطاء، والنجدة التي هي الشَّجَاعَة، بل لا يصلح الدين والدنيا إلا بذلك، ولهذا كان من لا يقوم بهما، سلبه الأمر ونقله إلى غيره، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ .
إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [ التوبة : 38-39] وقال تعالى: {هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]، وقد قال الله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10]، فعلق الأمر بالإنفاق الذي هو السخاء، والقتال الذي هو الشَّجَاعَة، وكذلك قال الله تعالى في غير موضع: {وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} [التوبة: 41] (السياسة الشرعية ص 74).
وقال في موضع آخر: "كما أنَّ عليهم -أي ولاة الأمور- من الشَّجَاعَة والسَّمَاحَة ما ليس على غيرهم؛ لأنَّ مصلحة الإمارة لا تتم إلا بذلك" (مجموع الفتاوى لابن تيمية 28/180).
6- الشجاعة تجمع جملة من الفضائل وهي (تهذيب الأخلاق لابن مسكويه ص 18، بتصرف):
أ- كِبَرُ النفس: وهو الاستهانة باليسير، والاقتدار على حمل الكرائه، فصاحبه أبدًا يؤهل نفسه للأمور العظام مع استخفافه لها.
ب- النَّجدة: وهي ثقة النفس عند المخاوف، حتى لا يخامرها جزع.
ج- عظم الهمة: وهي فضيلة للنفس، تحتمل بها سعادة الجد وضدها، حتى الشدائد التي تكون عند الموت.
د- الثبات : وهو فضيلة للنفس، تقوى بها على احتمال الآلام، ومقاومتها في الأهوال خاصة.
هـ- الحلم: وهو فضيلة للنفس، تكسبها الطمأنينة، فلا تكون شغِبَة، ولا يحركها الغضب بسهولة وسرعة.
و- السكون: وهو عدم الطيش، فهو إمَّا عند الخصومات، وإمَّا في الحروب التي يذب بها عن الحريم، أو عن الشريعة .
وهو قوة للنفس، تقسر حركتها في هذه الأحوال لشدتها.
ز- الشهامة: وهي الحرص على الأعمال العظام، توقعًا للأحدوثة الجميلة.
ح- احتمال الكد: وهو قوة للنفس، بها تستعمل آلات البدن في الأمور الحسية، بالتمرين وحسن العادة.