أرشيف المقالات

للموت معان كثيرة

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
للموت معانٍ كثيرة

للموت معانٍ كثيرة؛ منها:
مترادفات الموت:
يقال للموت: "مَنِيَّة"؛ (بفتح الميم، وكسر النون، وتشديد الياء المفتوحة).
 
ويُقال له: "المَنُون"؛ (بفتح الميم، وضم النون مخفَّفة).
 
وهي في الأصل صيغة مبالغة من: "مَنَّ"، بمعنى: قطع.
 
فالموت منونٌ؛ أي: كثير القطع؛ لأنه يقطع أسباب الحياة.
 
قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ﴾ [الطور: 30]؛ أي: حلول الموت وحدوثه؛ (القاموس القويم - مجمع البحوث الإسلامية (ج2).
 
ويقال له: "حِمام" (بكسر الحاء).
 
ويقال له: "سام"، ومنه قول اليهودي للرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((السام عليكم)).
 
ويقال له: "مَنى"؛ (بفتح الميم مع القصر).
 
ويقال له: "شَعُوب"؛ (بفتح الشين، ممنوع من الصرف)؛ لأنه صار علَمًا على المنيَّة.
 
وسُمِّي الموت أو المَنِيَّة: "شَعُوب"؛ لأنه أو لأنها: "تَشْعَب الخلائق"؛ أي: تفرِّقها.
 
قال نافع بن لقيط الأسدي في "بحر الكامل":

ذَهَبتْ شَعُوبُ بأهْلِه
إن المَنايا للرجالِ شَعُوبُ

 
ويقال له: "حَيْن" (بفتح الحاء وسكون الياء)، فيقال: "نزل بفلان الحَيْنُ"؛ أي: الموت والهلاك.
 
ومن معاني "الموْت والمَنِيَّة"، ما يطلق عليه: "أم قَشْعَم"؛ (بفتح القاف والعين، مع شين معجمة ساكنة بينهما).
 
قالوا عن الموت:
يقول القرطبي - رحمه الله - في كتابه "التذكرة" (ص24):
"اعلم أن الموتَ هو الخَطْب الأفظع، والأمر الأشنع، والكأس التي طعمُها أكره وأبشع، وأنه الهاذم للذَّات، والأقطع للراحات، والأجلب للكريهات، فإن أمرًا يقطع أوصالك، ويفرق أعضاءك، ويهدم أركانك، لهو الأمر الفظيع، والخطب الجسيم، وإن يومَه لهو اليوم العظيم"؛ اهـ.
 
قال البيهقي - رحمه الله - كما في كتابه "الزهد الكبير" (ص254):
"الموتُ كسوفُ قمرِ الحياة، وخسوفُ شمسها، وهو ليومِ الحياة مساء، والمحسن والمسيء فيها سواء، وهو منتهى راحة قوم، ومبتدأ عذاب آخرين، والموت بين الدنيا والآخرة جسرٌ، لكل أحدٍ معبر عليه، والموت وإن كان للحياة الفانية آخرًا، فهو للحياة الباقية أولاً وصدرًا".
 
فالموت ليس نهاية المطاف، إنما هو بداية الرحلة الأبدية.
 

ولو أنَّا إذا مِتنا تُركنا
لكان الموتُ غايةَ كلِّ حيِّ

ولكن إذا متنا بُعِثنا
ونُسألُ بعدَه عن كل شَيِّ

 
ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي أخرجه الترمذي من حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه -: ((القبر أولُ منازل الآخرة)).
 
حقيقة الموت:
ظن البعض في الموت ظنونًا كاذبة، وأوهامًا باطلة:
فظن البعض: أن الموت هو العدم، وأنه لا حشر ولا نشر، ولا عاقبة للخير والشر.
 
وظن البعض الآخر: أن الميت سيُبعَث، ولكن لا يتنعم بثواب، ولا يتألم بعقاب.
 
وقال آخرون: "إن الروح باقية لا تنعدم بالموت، وإنما يفنى الجسد، ولا يبعث ولا يحشر، وكل هذه ظنون فاسدة وباطلة"، بل الذي تشهد له طرق الاعتبار، وتنطق به الآيات والأخبار، أن الموت ليس بعدمٍ محض، ولا فناء صرف، وقد عرَّف القرطبي - رحمه الله - الموت كما مرَّ بنا فقال: "إنما هو انقطاعُ تعلُّق الروح بالبدن ومفارقته، وحيلولة بينهما، وتبدُّل حال، وانتقال من دار إلى دار"؛ اهـ، (التذكرة: ص 4).
 
فالروح باقية بعد مفارقة الجسد، وتعاد إليه مرة أخرى في القبر للسؤال والحساب؛ قال - تعالى -: ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [التغابن: 7].
 
يقول ابن القيم - رحمه الله - كما في كتابه "الروح" ص 99: "إن الله - عز وجل - جعل لابن آدم ميعادين وبعثين، يَجْزي فيهما للذين أساؤوا بما عَمِلوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، فالبعث الأول: مفارقة الروح للبدن، ومصيرها إلى دار الجزاء الأول (القبر).
 
والبعث الثاني: يوم يردُّ الله الأرواحَ إلى أجسادها، ويبعثها من قبورها إلى الجنَّة أو النار، وهو الحشر الثاني"؛ اهـ.
 
فالموت: انتقال من دارٍ إلى دار، ونحن خُلِقنا للأبد، لكنَّا نُنقل من دار إلى دار؛ حتى يستقر بنا القرار في جنة نعيمها مقيم أو ضده، نسأل الله الجنَّة، ونعوذ به من النار.
 
وقال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله -: "إنما خلقتم للأبد، وإنما تُنقلون من دار إلى دار"؛ (حلية الأولياء: 5/287).
 
الموت صفة وجودية وليس عدمًا:
قال ابن أبي العز الحنفي في "شرح الطحاوية" (ص 126):
"الموت صفة وجودية، خلافًا للفلاسفة ومَن وافقهم؛ قال - تعالى -: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور ﴾ [الملك: 2]، والعَدم لا يوصف بكونه مخلوقًا.
 
وفي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يؤتَى بالموت يوم القيامة على صورة كبش أملح، فيُذبَح بين الجنَّة والنار))، وهو وإن كان عرضًا، فالله - تعالى - يجعله عينًا، كما ورد في العمل الصالح: "أنه يأتي صاحبه في صورة الشاب الحسن، والعمل القبيح على أقبح صورة"، (وفيه حديث عند الإمام أحمد عن البراء).
 
وورد في القرآن[1]: "أنه يأتي على صورة الشاب الشاحب اللون..."، الحديث؛ (ابن ماجه)، الحديث أخرجه أيضًا الإمام أحمد وفيه: ((وإن القرآن يَلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب))، وورد في الأعمال: "أنها توضع في الميزان"، والأعيان هي التي تقبل الوزن دون الأعراض.
 
وورد في "سورة البقرة وآل عمران": أنهما يوم القيامة: ((يُظِلان صاحبهما كأنهما غمامتان، أو غيايتان، أو فِرْقان من طير صوافَّ))، وفي "الصحيح": ((إن أعمال العباد تصعد إلى السماء))؛ قال الحسن - رحمه الله - في قوله: ﴿ أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ﴾ [الإسراء: 51]، قال: الموت.
 
قال الشنقيطي - رحمه الله - في "أضواء البيان" (8/388):
"الآية تدل على أن الموت أمر وجودي لا عدمي كما زعم الفلاسفة؛ لأنه لو كان عدميًّا، لما تعلق به الخَلْق".

[1] قوله: وورد في القرآن؛ أي: ورد في شأن القرآن؛ أي: في شأن قراءة العبد، والمقصود في الحديث، أن عمل الإنسان يأتيه، وأُطلق على القراءة التي هي أفعال العباد قرآنًا، وليس المراد بالقرآن هنا: المكتوب بين دفتي المصحف، ويدل على أنه ليس المراد نفس القرآن: تعدُّدُ المجيء، ويلزم منه الثواب؛ (انظر مجموع الفتاوى: 12/79).

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير