الحمد لله على نعمة الإسلام
مدة
قراءة المادة :
33 دقائق
.
ربسم الله الرحمن الرحيماَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي أَنْزَلَ اَلْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى لِلْمُتَّقِينَ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ، اَلْمَلِكُ اَلْحَقُّ اَلْمُبِينُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اَلصَّادِقُ اَلْأَمِينُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
وبعد ..
فإن نعمة الإسلام نعمة من أجل النعم وأوفاها وأعلاها، ويجب على المسلم أن يحمد الله تعالى ليل نهار على تلك النعمة الكبرى والمنة العظمى، إذ جعله من أهل التوحيد الخالص والدين الحق؛ فهو دائم الشكر على نعمة الإسلام لما لهذا الدين من خصائص وفضائل منها:
1- أن الإسلام هو الدين الذي رضيه الله تعالى لعباده:
قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ} [آل عمران من الآية:19]، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85].
وعَنْ عَمَّارِ بن أَبِي عَمَّارٍ: "أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة من الآية:3]، وَعِنْدَهُ يهودِيٌّ، فَقَالَ لَوْ أُنْزِلَتْ عَلَيْنَا هَذِهِ الآيَةُ لاتَّخَذْنَا يَوْمَهَا عِيدًا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدَيْنِ اثْنَيْنِ: جُمُعَةٍ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ" (أخرجه الطبراني في معجمه الكبير ج 12، [ص:185]، حديث رقم: [12835] الألباني : مشكاة المصابيح [1/306]).
فالله تعالى قد رضي لعباده هذا الدين الأغر الخاتم وهو سبحانه لا يرضى لعباده إلا لِما فيه الخير الكامل والصلاح الأتم لهم.
2- أن الإسلام هو دين الفطرة:
قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:172].
قال ابن كثير : "يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو، كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه.
قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} [الروم:30]" (انظر تفسير ابن كثير [3/500]).
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ».
ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (أخرجه أحمد [2/393] [9091] والبُخاري [2/118] [1359]، ومسلم [8/53] [6851]).
عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: «أَلاَ إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا: كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلاَلٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ، فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلاَّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا، فَقُلْتُ: رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً، قَالَ: اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ، وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ، وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ، قَالَ: وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ، مُتَصَدِّقٌ، مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ، رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى، وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ، ذُو عِيَالٍ، قَالَ: وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لاَ زَبْرَ لَهُ، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا، لاَ يَتْبَعُونَ أَهْلاً وَلاَ مَالاً، وَالْخَائِنُ الَّذِي لاَ يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ، وَإِنْ دَقَّ، إِلاَّ خَانَهُ، وَرَجُلٌ لاَ يُصْبِحُ وَلاَ يُمْسِي إِلاَّ وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَذَكَرَ الْبُخْلَ، أَوِ الْكَذِبَ، وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ» (أخرجه أحمد 4/162] [17623] ومسلم [8/158] [7309] وابن ماجة [4179]).
سئل أعرابي عن الدليل فقال: البعرة تدل على البعير.
والروث على الحمير، وآثار الأقدام على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج.
وبحار ذات أمواج، أما تدل على الصانع الحليم العليم القدير؟ قال سبحانه: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله} [الزخرف من الآية:87].
قال الشاعر:
تأمّل في نبات الأرض وانظر *** إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات *** وأزهار كما الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات *** بأن الله ليس له شريك
وقال آخر: فيَا عَجَباً كيف يُعْصَى الإلهُ *** أم كيف يَجْحَدُه الجاحدُ؟!
وللهِ في كل تحريكةٍ *** وتسكينةٍ أبداً شاهدُ
وفي كُلِّ شَيءٍ له آيةٌ *** تَدُلُّ على أنَّه واحِدُ
وها هو الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري ذهب ذات يوم ليقدم مراسيم الطاعة لصنمه، وبينما هو كذلك وجد ثعلباً متسلق على رأس الصنم وقد بال عليه فوقف متعجباً ساخراً مما حدث وأنشد قائلاً:
ربٌّ يبول الثعلبان برأسه *** لقد ذل من بالت عليه الثعالب
فلو كان رباً كان يمنع نفسه *** فلا خير في ربّ نأته المطالب
برئتُ من الأصنام في الأرض كلها *** وآمنتُ بالله الذي هو غالب
وقصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي؛ شاهدة على أن الإسلام هو دين الفطرة فالطفيل وهو من دوس زهران، من السراة سمع بالرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، فركب جمله، وأخذ متاعه، ولبس ثيابه.
وكان الطفيل شاعراً مجيداً، وخطيباً فصيحاً، يعرف جزل الكلام من ضعيفه.
وصل إلى مكة، ولكن الدعايات المغرضة ضد الرسول صلى الله عليه وسلم تتحرك من المشركين لتشويه سمعة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالقول المريض، والتعليقات المرة.
دخل مكة، فلقيه كفار قريش.
فقالوا: إلى أين يا طفيل؟ قال: أريد هذا الذي يزعم أنه نبي قالوا: ما أشبه ذلك تريد؟ قال: أريد أن أسمع كلامه، إن كان حقاً اتبعته، وإن كان باطلاً تركته.
قالوا: إياك وإياه، إنه ساحر، انه شاعر، إنه كاهن، إنه مجنون، احذر لا تسمع كلامه.
قال الطفيل: فوالله، ما زالوا بي يخوفونني حتى أخذت القطن فوضعته في أذني.
لكن الحق أقوى من القطن، والقرآن ينفذ من خلال القطن إلى القلب .
قال: ودخلت الحرم يوماً، والقطن في أذني لا أسمع شيئاً.
لكن أراد الله عز وجل أن يفتح أذنيه؛ لأن بعض الناس له أذنان وعينان وقلب، لكن كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]، أتى فرأى وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: فلما رأيت وجهه عرفت أنه ليس بوجه كذاب.
لو لم تكن فيه آيات مبينة *** لكن منظره ينبئك بالخير
فوجه الكذاب تعرفه، ووجه الخمار تعرفه، ووجه تارك الصلاة تعرفه، وهكذا وجه المصلي والصادق تعرفه، وأصدق الصادقين وخير الناس أجمعين: محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الطفيل: فسمعته صلى الله عليه وسلم يقرأ، لكن لا أسمع ؛ لأن في أذني القطن، فقلت لنفسي: عجباً لي، أنا رجل شاعر فصيح، أعرف حسن الكلام من قبيحه، لماذا لا أضع القطن، فإن سمعت الكلام طيباً وإلا تركته؟!
فوضع القطن، وهذه هي الخطوة الأولى.
وبدأ صلى الله عليه وسلم يقرأ آيات القرآن.
فلما سمع الكلام وقع في قلبه.
هل يستطيع ملحد، إن كان عنده عقل أن يسمع {طه}: {طه .
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى .
إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:1-3] ولا يؤمن؟ من يستطع أن يسمع: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ .
بل عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [قّ:1-2]، ولا يسلم؟ قال: فلما سمعت الكلام، تقدمت، وقلت: عم صباحاً، يا أخا العرب.
هذه تحية جاهلية، وهي ملغاة عند محمد صلى الله عليه وسلم، فلا تُقبل.
وقد كانت تقال في الجاهلية: عم صباحاً، ولذلك يقول امرؤ القيس:
ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي *** وهل يعمن من كان في الأعصر الخالي
فقال صلى الله عليه وسلم: «أبدلني الله بتحية خير من تحيتك».
قال: وما هي؟ قال: «أبدلني الله بتحية خير من تحيتك».
قال: وما هي؟ قال: «السلام عليكم ورحمة الله».
ما أحسن الكلام!
فقال: السلام عليكم.
فرد عليه.
قال: من أنت؟ قال: «أنا رسول الله».
قال: من أرسلك؟ قال: «الله».
فقال الطفيل: إلى ماذا تدعو؟ فأخبره وقرأ عليه شيئاً من القرآن.
قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، ثم قال: يا رسول الله، أنا من دوس -هو سيد قبيلة دوس-.
فأمره صلى الله عليه وسلم أن يعود داعية إليهم.
فعاد داعية إلى دوس؛ فلما وصل إليهم قال: هدمي من هدمكم حرام، ودمي من دمكم حرام، حتى تؤمنوا بالله، فكفروا، وأعرضوا، وغلبهم الزنا .
فأتى مرة ثانية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، غلب على دوس الزنا، وكفروا بالله، فادع الله عليهم، يا رسول الله، -أي: أن يسحقهم ويحطمهم، ويجعلهم شذر مذر-.
لكن محمداً صلى الله عليه وسلم كان كما قال الله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران من الآية:159]، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [ التوبة :128]، فرفع يديه صلى الله عليه وسلم، يريد أن يدعو لهم، فظن الطفيل أنه يدعو عليهم.
فقال الطفيل: هلكت دوس.
فقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهد دوساً وائت بهم، اللهم اهد دوساً وائت بهم، اللهم اهد دوساً وائت بهم».
ثم قال: «يا طفيل، اذهب إلى دوس، فادعهم إلى الإسلام، ومن ألم معك، فقاتل به من كفر»، فذهب، وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعل له آية.
فسال له فوقع نور في جبهته يضيء له في الليل".
أضاءت لهم أحابهم ووجوههم *** من الليل حتى نظم الجذع ثاقبه
قال: يا رسول الله، أخشى أن يقولوا: في مثلة -أي: مرض- فادع الله أن يحول عني هذا النور، فحوله إلى العصاء، فكان إذا رفع العصا أضاءت له جبال زهران.
فلما وصلهم، كانوا قد تهيؤوا بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: «أدعوكم إلى لا إله إلا الله محمد رسول الله»، ثم أراهم الآية.
فاسلموا جميعاً ودخلوا في دين الله أفواجاً، فسبحان من يهدي.
وأتى بهم، رضي الله عنه وأرضاه، في موكب عظيم، ودخل بهم بعد الهجرة إلى المدينة في جيش ٍعرمرم، حتى ثار الغبار من رؤوسهم، وكلهم في يميزان الطفيل.
وكان من حسناته: أبو هريرة، صاحب الحديث، وأستاذ المحدثين في الإسلام، وأبر حافظ في الأمة المحمدية، والراوية العملاق، رضي الله عنه وأرضاه واستمر الطفيل يدعو، ويجاهد، وكان قد باع نفه من الله، حتى قتل في اليمامة شهيداً {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [ الفجر :27]، {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر:28] {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي .
وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:29-30] (انظر: {قُمْ فَأْنْذِر}: محمد العريفي 100 وما بعدها، وراجع القصة في سيرة ابن هشام [1/382]).
3- أنه دين التوحيد الخالص:
الإسلام هو دين التوحيد الخالص لله رب العالمين قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ .
اللهُ الصَّمَدُ .
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ .
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [ الإخلاص :1-4].
وقال مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ .
بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:65-66].
وهو دين يقوم على عقيدة وعبادة وسلوك.
عقيدة: جوهرها التوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة الشرك الظاهر أو الخفي.
وعبادة: جوهرها الصدق والامتثال والإخلاص.
وسلوك: وثيق الصلة بالعقيدة والعبادة، وكلما كانت العقيدة سليمة، والعبادة صحيحة، كان السلوك سوياً.
قال تعالى على لسان صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف:188].
قال صلى الله عليه وسلم: «ليس منَّا من تطيَّر أو تُطير له، أو تكهن أو تُكُهن له، أو سحر أو سُحر له، ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم» (أخرجه البزار في مسنده [ص:169 - زوائده]، والطبراني في الأوسط [4/393]، والألباني في السلسلة الصحيحة [6/310]).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ الله، صلى الله عليه وسلم، يَوْمًا فَقَالَ: «يَا غُلأَمُ، اِنِّي اُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إذا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ اللَّهَ، وإذا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله، وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بشيء، لَمْ يَنْفَعُوكَ إلا بشيء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بشيء، لَمْ يَضُرُّوكَ إلا بشيء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الاقْلأَمُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» (أخرجه أحمد [1/293] [2669]، والتِّرْمِذِيّ [2516]، صحيح المشكاة [5302]).
فالتوحيد الخالص سبب لسعادة المسلم ونجاته في الدنيا والآخرة.
4- أنه دين العلم والمعرفة:
كان أول ما نزل من كلام الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ .
خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ .
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ .
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ .
عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5].
وفي هذا دليل واضح على أن الإسلام هو دين العلم، كما تكرر لفظ العلم في القرآن الكريم 765 مرة، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم طلب العلم سبيلاً إلى دخول الجنة فقال: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» (أخرجه أحمد [5/196] [22059]، والدرامي [342]، وابن ماجة [223]).
وقال تعالى مُبينًا فضل العلم وشرف العلماء : {يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة من الآية:11].
ويوم أن أخذ المسلمون بأسباب العلم سادوا الأمم، ودانت لهم المعالي والهمم.
5- أنه دين العدل والمساواة بين البشر:
إن الإسلام هو دين العدالة المطلقة، تلك العدالة التي لا تفرق بين حاكم ومحكوم، أو بين ذي سلطان ومن لا سلطان له، أو بين قوي وضعيف، فالجميع أمام القضاء الإسلامي سواء.
قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل:90].
وقال: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [ النساء :58].
عنْ عَائِشَةَ؛ أن قُرَيْشا أهَمَّهُمْ شَانُ الْمَرْأةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِى سَرَقَتْ.
فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلا أُسامة، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
فَكَلَّمَهُ أُسامة.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أتشفع في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟» ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إنما هْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ انَّهُمْ كَانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ، تَرَكُوهُ وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ، اقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللهِ، لَوْ أن فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» (أخرجه أحمد [6/41]، والبُخَارِي [4/213] و[5/29]، ومسلم [5/114]).
وهو دين المساواة بين جميع البشر قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِىٌّ وَفَاجِرٌ شَقِىٌّ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ فَخْرَهُمْ بِرِجَالٍ أَوْ لَيَكُونَنَّ أَهْوَنَ عِنْدَ اللهِ مِنْ عِدَّتِهِمْ مِنَ الْجِعْلاَنِ الَّتِى تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتَنَ» (أخرجه أبو داود [5116]، والتِّرمِذي [3956]).
وعن أبي هريرة مرفوعاً: «الناس ولد آدم، وآدم من تراب» (رواه ابن سعد في الطبقات [1/5]، قال الألباني في السلسلة الصحيحة [3/8]).
قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا .
وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا .
وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا .
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا .
هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا .
وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا .
وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا .
وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا .
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء:105-113].
قال ابنُ عبَّاس: "نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَار يُقالُ لَهُ طُعْمَةُ بْنُ أبَيْرِق؛ سَرَقَ دِرْعاً مِنْ جَارٍ لَهُ يقالُ لَهُ: قتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَكَانَتِ الدِّرْعِ فِي غِرَارَةٍ وَجِرَابٍ فِيْهِ دَقِيْقٌ، فَانْتَثَرَ الدَّقِيْقُ مِنَ الْمَكَانِ الّذِي سَرَقَهُ إلَى بَاب مَنْزِلِهِ، فَفُطِنَ بهِ أنَّهُ هُوَ السَّارِقُ؛ فَمَضَى بالدِّرْعِ إلَى يَهُودِيٍّ يُقَالُ لَهُ زَيْدُ بْنُ السَّمِينِ فَأَوْدَعَهُ إيَّاهَا، فَالْتُمِسَتِ الدَّرْعُ عِنْدَ طُعْمَةَ فَلَمْ تُوجَدْ عِنْدَهُ، فَحَلَفَ لَهُمْ مَا أخَذهَا وَلاَ لَهُ عِلْمٌ، فَقَالَ أصْحَابُ الدِّرْعِ: لَقَدْ أدْلَجَ عَلَيْنَا وَأخَذهَا، وَطَلَبْنَا أثَرَهُ حَتَّى دَخَلْنَا دَارَهُ، وَلَقِيْنَا الدَّقِيْقَ مُنْتَثِراً، فَلَمَّا حَلَفَ تَرَكُوهُ وَاتَّبَعُواْ أثَرَ الدَّقِيْقِ حَتَّى انْتَهَوا إلَى مَنْزِلِ الْيَهُودِيِّ وَطَلَبُوهُ، فَقَالَ: دَفَعَهَا إلَيَّ طُعْمَةُ بْنُ أبَيْرِق، وَشَهِدَ لَهُ نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى ذلِكَ، فَقَالَ قَوْمُ طُعْمَةَ: انْطَلِقُواْ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَنُكَلِّمُهُ فِي صَاحِبنَا نُعذُرُهُ وَنَتَجَاوَزُ عَنْهُ، فَإنَّ صَاحِبَنَا بَرِيْءٌ مَعْذُورٌ.
فَأَتَواْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانُواْ أهْلَ لِسَانٍ وَبَيَانٍ، فَسَأَلُوهُ أنْ يَعْذُرَهُ عِنْدَ النَّاسِ؛ فَهَمَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يَعْذُرَهُ وَيُعَاقِبَ الْيَهُودِيَّ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ" (انظر: تفسير ابن كثير [2/405]).
6- أنه دين السماحة وعدم الإكراه:
قال تعالى:{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة من الآية:256]، وقال: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف من الآية:29].
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أبنَاءِ أصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ألاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أو انْتَقَصَهُ، أوْ كَلَّفهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أوْ أخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة» (أخرجه أبو داود [3052]).
فالمسلم مطالب بدعوة الناس إلى الإسلام الحق وأما الهداية فهي بيد الله تعالى وحده، قال سبحانه: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99].
وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56].
7- أنه دين اليسر ورفع الحرج:
الإسلام هو دين اليسر والسهولة ورفع الحرج عن الأمة قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [ الحج :78].
عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ فَقَالَ: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» (أخرجه أحمد [4/182] [17781]، والبخاري في الأدب المفرد [295] و[302]، ومسلم [8/6] [6608]).
وعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لاَ أَدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ وَالإِثْمِ إِلاَّ سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَإِذَا عِنْدَهُ جَمْعٌ، فَذَهَبْتُ أَتَخَطَّى النَّاسَ، فَقَالُوا: إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ، فَقُلْتُ: أَنَا وَابِصَةُ، دَعُونِي أَدْنُو مِنْهُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ أَدْنُوَ مِنْهُ، فَقَالَ لِى: «ادْنُ يَا وَابِصَةُ، ادْنُ يَا وَابِصَةُ»، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى مَسَّتْ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، فَقَالَ: «يَا وَابِصَةُ، أُخْبِرُكَ مَا جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْهُ، -أَوْ- تَسْأَلُنِي؟» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخْبِرْنِي، قَالَ: «جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ»، قُلْتُ: نَعَمْ، فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ الثَلاَثَ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهَا فِي صَدْرِي، وَيَقُولُ: «يَا وَابِصَةُ، اسْتَفْتِ نَفْسَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ».
وفي رواية: «وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ، ثَلاَثًا» (أخرجه أحمد [4/228] [18164]، والدارِمِي [2533]، والألباني: صحيح الترغيب والترهيب [2/151]).
8- أنه دين الوسطية والتوزان:
فالإسلام دين الوسطية في كل شيء قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143].
ووسطية الإسلام وسطية شاملة تشمل: الوسطية في العقيدة: فهو يقيم حججه وبراهينه على أدلة مقنعة ساطعة يوازن فيها بين النقل والعقل بعيداً عن التقليد الأعمى أو الإيمان بالخرافات والخيالات.
فهو وسط بين من يؤمنون بالعقل وحده مصدرًا للمعرفة ومن ينكرون قيمة العقل ويقولون بالإلهام أو الأوهام، إذ أن الإسلام يقف موقفًا مميزًا في الربط بين العقل والوحي، فهو يعتبر أن بينهما علاقة كعلاقة البصر بالنور، فالبصر يغدو عديم الفائدة في غياب النور، كما أن النور لا جدوى منه إذا سار في ضوء أشعته أعمى، فالعقل بصر والوحي نور وهي كما نرى عقيدة وسط بين هؤلاء وأولئك.
كما أنه وسط في شريعته: فكل من اطلع على عبادات الإسلام ومعاملاته يرى أنه لا يحيد عن الموقف المعتدل ويرفض التطرف الذي يقتضي الميل إلى جانب على حساب آخر.
كما أنه وسط في الأخلاق والسلوك: فهو دين يكره التشدد والتطرف في السلوك والتصرفات فلا يحب الجبن والخنوع كما لا يحب التهور والاندفاع، ويكره الشدة والقسوة كما يكره الاستسلام لأعداء الإسلام.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ، وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ» (أخرجه البخاري [39]، والنَّسائي [8/121]).
9- أنه دين العزة والقوة:
الإسلام دين العزة والقوة والمسلم يستمد عزته وقوته من إيمانه بربه جل وعلا، قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء:139].
ومن العزة أن تكون للمسلم شخصيته الواضحة والمتميزة وأن يكون شامة وعلامة بين الناس بعيداً عن التقليد الأعمى لغيره وعن الإمعية المقيتة، فلا يذل لغيره ولا يكن ذنباً له، قال تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139].
ولقد جعل الله تعالى كلمة "الله أكبر" تتردد كل يوم في أذان الصلاة مرات ومرات، ثم يرددها المسلمون في صلواتهم كل يوم مرات ومرات، فتشعرهم بأن الكبرياء لله جل علاه، وأن عباده يلزمهم أن يلتمسوا العزةَ من لدنه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مالي؟ قَالَ: «فَلاَ تُعْطِهِ مَالَكَ».
قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِى؟ قَالَ: «قَاتِلْهُ»، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِى؟ قَالَ: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ»، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: «هُوَ في النَّارِ» (أخرجه مسلم [1/87]).
قال عمر الفاروق رضي اله عنه لأبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهما، عندما قدم الشام ليتسلم مفاتيح بيت المقدس من البطاركة، وقد كان يلبس ثوباً مرقعاً، ويركب بغلة يتناوبها مع غلام له، فأرادوا منه أن يُغيّر ملابسه وبغلته "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله".
10- أنه دين الفضيلة ومكارم الأخلاق:
الإسلام دين يدعو في كل تعاليمه ومبادئه إلى الفضائل ومكارم الأخلاق، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ».
وفي رواية الموطأ: «مكارم الأخلاق» (الموطأ [2/904]، أخرجه أحمد [2/381] [8939] والبُخاري في الأدب المفرد [273]).
عَنْ عَائِشَةَ، رَضي الله عنها، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» (أخرجه أحمد [6/64]).
ولقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي».
والمسلم حين يقدم علي الخير للناس، أو يبتعد عن إيذائهم لا يطلب مقابل ذالك إحساناً أو ثمناً بل يفعله إرضاءً لربه سبحانه قال تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان:9].
والأخلاق في الإسلام تتعدى حدود الزمان والمكان بل وتتعدى الإنسان إلى غيره من المخلوقات، عن شداد بن أوس، قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، ليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» (أخرجه أحمد [4/123] [17242]، ومسلم [2/76] [5096]).
وأحمد الله تعالى على نعمة الإسلام حمدٌ يستوجب الفهم العميق لمبادئ الإسلام ولتشريعاته الخالدة، وكذا التطبيق العملي لتلك التعاليم والتشريعات حتى تصبح واقعاً ملموساً وسلوكا مشاهداً، وحتى يدرك الناس أن عالمية الإسلام ليست شعاراً يرفع ولا كلمات تقال بل هي أثر يُدرك وأمل ينُشد.
بدر عبد الحميد هميسه