أرشيف المقالات

الجذور الثابتة.. والأوراق الذابلة

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .

بعدما سقطت قطع الجليد من على الشجرة التي هي أمام منزلي نظرت إليها فلم أجد بها ورقة!

ولكن تأملت في جذعها الثابت والذي عرفت أن عمره فوق الـ 40 سنة..
وشاهدتها كيف عندما يأتي الربيع تزدهر وترجع مترعرعة ، في منتهى الجمال والروعة، وقد ذهب منها هذا الموت تماماً..
سبحان الله! وكيف أنها تذبل وتموت أوراقها لهذه الدرجة ثم تدب فيها الحياة وكأن شيئاً لم يكن..
جعلتني هذه الشجرة أُبحر في أعماق هذا الحديث، فقد أراحني..
إنه حديث جميل وبليغ.
وفيه رسائل تربوية عظيمة، عندما أقرأه وأطبقه على ما نحن فيه من أزمات..

قال صلى الله عليه وسلم: «لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها،..
فأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة»
(أخرجه الإمام أحمد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير وابن حبان في صحيحه بإسناد جيد عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه).

وكان عندنا شيئين..
(الحكم والصلاة)..
على طرفي خيط..

وكأنها سلسلة فيها حلقات، وتخيلوا معي عندما تتعرض الحلقات للفـك أو الكسر واحدة تلو الأخرى، لكن، لماذا بدأ الحديث بالحكم وانتهى بالصلاة؟ وهما في أول وآخر طرفي السلسلة؟..

ولكي نتصور، فلا بد أن نتأمل طبيعة الأمرين، "طبيعة الحكم..
وطبيعة الصلاة.".!! ..

فالإسلام غال ولن نعيشه إلا عندما نبذل من أجله الغالي والنفيس، طالما أن الحكم من عرى الإسلام فلا بد أن نتخيل أنه لا يمكن أن يحدث هذا "الحكم الإسلامي" أو هذه "العروة" ..إلا بتكامل الظروف والمتطلبات والمستلزمات التي تلزم لتحقيقه، يعني لابد من وجود أُمّةٍ مسلمة بمؤسساتها المسلمة لتحقيق نظام إسلامي كما نريد، ولكن هذا قد يبدو معقداً!

قد يبدو كذلك في ظل المستلزمات والمتطلبات والظروف الكثيرة لتحقيق الحكم الإسلامي المثالي إذن فهو عرضة لئن نرى ما نراه الآن من حربه ومحاولات نقضه، والتي نجحت بالفعل في الماضي في كثير من الأماكن، بل وربما يختفي المجتمع المسلم بكامله في بعض الأماكن -إلا من شاء الله لهم الرباط إلى يوم القيامة - كما سمعنا عن سقوط الأندلس والحكم الإسلام فيها، بسبب حب الدنيا والفرق والاختلاف والحرص على المصلحة الذاتية واستباحة الدماء وغيرها.

والغريب أن هذا الذي نقرأ عنه في التاريخ تدور به الأيام ويعود للحدوث مرة ثانية، فيبرز الخلاف، وتبرز المصالح، وتسفك الدماء، وتدب الفرقة!..

أما الصلاة فتختلف عن كل العبادات الأخرى، الزكاة مثلاً تسقط عنك عند الفقر وعدم الاستطاعة..
والصوم يسقط بالمرض والسفر...
والحج لابد له من شرط الاستطاعة وهكذا..!!

ولكن عروة الصلاة غير معقدة مثل عروة الحكم، بل سهلة وبسيطة فتستطيع أن تؤديها وأنت صحيح أو مريض أو غير مستطيع..

فتستطيع أن تصلي بما يتيسر لك قياماً أو قاعداً أو مضطجعاً، فهي لا تحتاج إلى مال ولا صحة ولا استطاعة حتى ولو مشلول الأطراف، فقط تحتاج قلباً مخلصاً، ولذلك لا يجوز تأخيرها أو تركها..
فالصلاة هي أبسط عبادة يتحقق فيها الإسلام وهي آخر عروة، وتركها تخلٍ عن الإسلام..
لأنها آخر خطٍ دفاعي عن الإسلام.

وفي كيان مجتمع بعيد عن روح الإسلام فقد ينقض "الحكم"، لكنه ما يلبث أن ينكمش من الدولة إلى المجتمع حتى يصل إلى الأسرة، وقد تظهر البلاءات والمؤامرات...
إلى أن يفيق الناس وتبدأ مرة أخرى بأفراد داخل المجتمع، يجمع بعضهم بعضاً، يتجمعون بالدعاء، ويهتفون: يا الله مالنا غيرك يا الله!

بل ويتعاون أفرادها، فيقيمون الصلاة، ويتصدقون، ويساعدون المرضى والمعوزين، وفيها يبدؤون بأعمال إيمانية من جديد..

وبذلك أرى الإسلام يعود لينمو عروةً عروة.
كالشجرة التي تترعرع في الربيع مرة أخرى..
لأن جذوته تبقى في النفوس فتلتزم بهوية الإسلام مره أخرى، فكما أنها تنقض فهي قابلة للنمو...
مثل البذور تتحمل الجفاف بالسنين وينزل عليها المطر فتنبت مرة أخرى! سبحان الله.


د.
نادية محمد - 11/3/1434 هـ
 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢