أرشيف المقالات

حطم غرورك.. وانكسر

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
حطم غرورك..
وانكسر


جاهل..
مغرور.
ذاك هو الإنسان: جاهِل بنفسه وبخالقِه، مغرور بعلمه وعبادته.
 
يزداد علمًا يومًا بعد يوم..
ولكن بسبب جَهله بنفسه الضَّعيفة وبخالقِه العظيم، فهو يَزداد بهذا العلم بُعدًا عن الله عزَّ وجل.
 
يرى علمَه ويَشعر بنشوة المعرفة، فيغتر ويحيل كلَّ نعمة أنعمها الله عزَّ وجل إلى نفسه وعلمه.
 
أصبح يعبد عقلَه؛ فكل ما حقَّقه في هذه الحياة من نِعَم إنَّما هو نتاج لذكائه وعبقريَّته، متأكدًا أنَّ النِّعمة لن تزول؛ لأنَّه يحسِن التصرُّف ويحتاط لكلِّ شيء...
نسي هذا الإنسان المغرور مَن هو مدبِّر الكون، تجاهَل أفعالَ الله عزَّ وجل ومشيئته..
غضَّ الطرف عن أنَّ الله عزَّ وجلَّ هو الذي أعان ووفَّق..
وأن الله تعالى هو الذي شاء ودبَّر..
ولو شاء سبحانه لسلبه نِعَمَه، ولكنَّها رحمة الله.
 
فإياك - أيُّها الأب الفاضل - أن تظنَّ أن أدب أبنائك وصلاحهم إنَّما هو بعِلمك وذكائك وحسنِ تربيتك؛ فصلاحُهم مَحض فَضلٍ منه سبحانه، فتوجَّه بقلبك لرب العالمين، وافتقِر إليه، وادعُ اللهَ أن يصلِحهم ويربيهم لك، قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: "الأدب في يدي الآباء، والصَّلاح في يد الله".
 
احذري - أيتها الزوجة - أن تظني أنَّ حبَّ زوجك لكِ، وتعلُّق قلبه بك: سببه جمالك ودلالُك ومهارتك في التعامل معه؛ فقَلب زوجك بيد الله عزَّ وجلَّ؛ إن شاء أتى به إليكِ، وإن شاء صرفَه عنكِ؛ فعلِّقي قلبك بمالك القلوب.
 
لا تظنَّ - أيها الشاب - أنَّ استقامتك على الطريق، وتمسُّكك بحَبل الله المتين هو أحد إنجازاتك الشخصيَّة؛ فهدايتك وثباتك رَحمة منه سبحانه، ولو شاء لجرفَتك الفِتَن واحدة تلو الأخرى، قال الله عزَّ وجل: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ ﴾ [الإسراء: 74].
 
لا تحسب - يا أخي - أنَّ انصرافك عن المعاصي وعدم اتِّباع الشَّيطان من تمام قوَّتك وتجلُّدك؛ فلولا فَضل الله عليك وعِصمته لك، لغرقتَ مع الغارقين، قال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 83].
 
فإذا آتاك الله عزَّ وجل نِعمةً ظاهرة أو باطِنة، ماديَّة أو معنويَّة، فأظهِر افتقارك له سبحانه، واحمده بقلبك ولسانك، واشكره بجوارحك؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، وتوجَّه بقلبك للمنعِم، وتأدَّب بين يدي الله، واحذر أن تقول: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾، فقد قالها قارون من قَبل، فجاء الجواب سريعًا من ربِّ العالمين حين قال: ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [القصص: 78]، فكانت النَّتيجة: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ [القصص: 81].
 
فاحذر الاغترار، وتواضَع لربِّك، وأظهر تذلُّلك وانكسارك بين يديه، واعلم أنَّ كلَّ هذا العلم الذي تعلَّمناه وتعلمَتْه البشريَّة وتقدَّمَت به وصنعَت منه الحضارات، إنَّما هو قليل في علم الله، قال تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85].
 
اعمل وانجح، ولكن إياك أن تتطاوَل على ربِّ العالمين بعِلمك.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣