غزة إذ تبوح بأسرار مؤلمة ! - ملفات متنوعة
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
رغم تعدد الجروح في جسد الأمة تبقى فلسطين الجرح الأكيد ، ورغم تناثر أشلاء المسلمين في أصقاع المعمورة تظل أشلاؤهم في فلسطين تحكي بتناثرها ما لا تحكيه أي أشلاء في أي صقع وبقع !
إنها تحكي ضياع المسجد الأقصى ، والقبلة الأولى ، وتحكي مؤامرات وخيانات ، وتحكي خذلاناً وتنصلا ، وتحكي قصة زعامات الجبن والخور ، تماماً كما تحكي قصة أطفال الحجارة ، وكراسي الشيوخ المقعدين إذ تقود الهمم والمشاعر والأمم والكتائب !
أشلاء تحكي الكثير من الحكايات ...
إنها أشلاء فلسطين ، المتقطعة في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، المنسكبة دماؤها في ذات التربة التي نما فيها شجر الزيتون ، ذلك الشجر المبارك .
ورغم كثرة الجروح وإيلامها ، تظل فلسطين مقياس الألم ، الذي يقيس آلام الأمة ، في شتى مصائبها : آلامها في دينها ، وفي زعاماتها السياسية والشرعية ، آلامها في قادة فكرها ، آلامها من الخونة المندسين تحت ثوبها ، آلامها في شعوبها وغفلتهم !
ومع طول تأريخ القضية الفلسطينية ، وتسارد أحداثها : يظل واقعها المعاصر متمثلاً في مأساة غزة ، جرح لا كالجروح ، وبيت قصيد ، ينفرد بحكايات لا تحكيها بقية الأبيات ، تماماً كما انفردت فلسطين بحكايات لا تحكيها بقية جروح الأمة .
انفردت غزة بأن حكت للأمة بكل صراحة يكللها الألم : أن من زعمائها الرابضين على سدة الأنظمة السياسية فيها من يشارك العدو في حربه ، وأن فيهم من يحكم الحصار على شعبها الأعزل ، وأن فيهم من تجرد من كل بقايا دينه وعروبته وإنسانيته ليتحالف مع اليهود ضد غزة ، وأن فيهم من هو يهودي أكثر من اليهود !
انفردت غزة بأن جعلت المنافقين يبنون جدارهم بكل صراحة ، بعد أن كانوا يخجلون أمام شعوبهم - لا من الله - أن يقارفوا عملاً صفيقا قبيحا كهذا !
انفردت غزة ..
إذ كشفت للأمة حجم إفلاسها لما عولت على علماء السلطان الذين صافح أحدهم زعيم اليهود وقد علته ابتسامة الخسة والخيانة ..
انفردت غزة ..
بأن أخجلت كل مسلم رغماً عن أنفه ، لأن شعوره نحو الطفل الجائع إذ يميته جوعه لم يكن شعوراً إنسانياً بما فيه الكفاية ، فضلاً عن كونه شعور مسلم نحو طفل مسلم !
انفردت غزة ..
إذ تبكي عجوزها ، وتنوح فتاتها ، ويقتل شيخها ، وتهدم بيوتها ، وتخرب مساجدها ، وتصب عليها النار صباً ، ويحجز عنها الماء ، ويسعى في منعها عن الهواء ..
فلا يمنع ذلك كله من مهزلة معارك كرة القدم بين شعبين من أكبر شعوب العرب والمسلمين !
تماماً كما انفردت بأن كانت عينة التجربة الناجحة والثمرة اليانعة للأعمال التربوية التي ينطلق فيها الدعاة من القاعدة الشعبية قبل استعجالهم السياسي ، وكما انفردت بأن أظهرت ثمرة التربية الإسلامية ، كيف تصنع من شعب أعزل محصور قد فقد مقومات الحياة أسطورة صمود .. وتحدي ..
وعزة !
واليوم ..
تواصل غزة نسج المأساة ، لتقف بالمسلمين على حد الدم الذي سكبه من لا تربطهم بغزة لغة ولا ديانة ، عسى أن يكون في هذا الدم ما يحركهم كما ينبغي ليقفوا أمام الحقيقة المريعة ، والجريمة المهولة ، وينفضوا عن أنفسهم غبار الذلة و الغفلة ، ويكسروا قيد العدو العلماني ليواجهوا عداوة اليهود بحرية ..