أرشيف المقالات

بيوت الله.. بين جفاء المسلمين واعتداء المعتدين - هداية

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
  ليس بناءً عادياً.. أساسه تقوى من الله ورضوان {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ}
أبوابه باطنها فيها الرحمة وظاهرها من قبلها فضل الله، أفلست تقول حين تدخله كما قال رسولنا الكريم عليه أفضل صلاة وأتم تسليم ( بسم الله والسلام على رسول الله، اللهم إغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك) وإذا أردت الخروج قلت (اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك) .
بناءٌ أذن الله عز وجل برفعه، ملؤه ذكر وتسبيح للخالق العظيم {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}، عمّاره قوم يحبهم الله...
قوم متطهرون . تعلوه مئذنة تقف شامخة تعانق السحاب، كأنها اصبع سبابة تشهد لله بالوحدانية.
وقبة تغمر من تحتها بالسكينة و الخشوع ، ويقف بداخله منبر تقال فيه كلمات حق، كلمات تذكير للغافلين، وبشرى للمتقين، يؤمر عليه بالمعروف ويُنهى عن المنكر.
وهناك حيث تتجه وجوه الخاشعين شطر المسجد الحرام، يقف محراب يتقدم المسجد .
أرض هذا البناء لامستها جباه العبيد ساجدين لمولاهم بخشوع، و احتضنت دموع الخشية و التوبة والخوف والندم والرجاء.
جدرانه شهدت أسرار المحبين، وخشوع الخائفين، وتوسلات الراجين.
فلا عجب إن كان من يعمر هذا البناء قد وصفوا بقول الله جل وعلا: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}، {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}. هذه هي المساجد في دين الإسلام، كلما عظم قدر الله عندك، عظم قدر بيوته في قلبك.
ولكن الناظر إلى حالها في يومنا، ينتابه العجب...
و يجهش بالبكاء إن كان ذا قلب ينبض بالحياة .
مساجد خلت من المصلين، يرفع المؤذن فيها الأذان ثم يمضي إلى مسجد آخر ليجد من يصلي معهم صلاة الجماعة ، وأخرى تقفل أبوابها بعد الصلاة، قد حُرمت من دروس العلم وحلقات الذكر ، ومساجد حوّلها الظلمة إلى فخاخ يصطاد بها الصالحين، ليؤخذوا منها إلى غياهب السجون .
و مساجد وضعت في قفص الإتهام، فجعلوها سبباً للفوضى، زعموا، فمُنع من الصلاة فيها من لا يملك بطاقة إشتراك وتصريح دخول!!
و مساجد مهجورة لا يذكرها أحد، وقد كانت يوماً عامرة بالمصلين .
و مساجد يُعتدى عليها ليلاً ونهاراً، سراً وجهراً، ولا تجد مسلماً يتحرك لنصرتها .  
و ما دخل أعداء الله أرض مسلمة محتلين، إلا اتجهوا أول أمرهم إلى المسجد، فقد عرفوا سرّ قوة المسلم، فاعتدوا عليه {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا}.

و لتُسأل مساجد الأندلس والبوسنة وكوسوفو و فلسطين والعراق و افغانستان والهند وتايلند والصين...
وغيرها كثير، لتسأل عما أصابها وما فعل فيها وما سفك فيها من دماء: اتخذوها متاحف، وأخرى كنائس ومعابد يعبد فيها غير الله، وأخرى ترتكب فيها المحرمات!! و ابناء الإسلام يُبصرون ويصمتون، أو ألهتهم الدنيا فما رأوا ولا أبصروا!! هذا حال مساجدنا اليوم يا أمة المساجد، يحارُ المتأمل من أعظم جرماً: جاهلٌ قدرها معتدٍ عليها، أم عارفٌ فضلها هاجرٌ لها!!
هذه مساجدنا...
و إن كانت آذان المسلمين وقلوبهم قد صُمّت عن تلبية نداء الصلاة، فستبقى كلماته: حي على الصلاة، حي على الفلاح حُجة عليهم يوم الحساب .
و إن كانت مآذنها قد أخرست، فإن الكون كله يردد الله أكبر، الله أكبر .  

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١