حور الرجال في الجنة وحرمان النساء
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
حور الرجال في الجنة وحرمان النساءلقد ورد ذكر الحور العين في القرآن الكريم والسنَّة المُطهَّرة في مَواضع متعدِّدة:
أولًا: في القرآن الكريم:
قال تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 25]، وقال تعالى: ﴿ وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ﴾ [الواقعة: 22، 23]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا ﴾ [الواقعة: 35 - 37]، وقال تعالى: ﴿ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ﴾ [الرحمن: 56]، وقال تعالى: ﴿ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ [الرحمن: 58]، وقال تعالى: ﴿ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ﴾ [الرحمن: 70]، وقال تعالى: ﴿ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ﴾ [الرحمن: 72].
ثانيًا: وكذلك ورد ذكر الحور العين في السنة المطهَّرة:
1 - عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ في الجنة لمجتمعًا للحور العين يرفعْن بأصوات لم يَسمع الخلائق مثلها، قال: يقلْنَ: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبؤس، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن كان لنا وكنا له))؛ سنن الترمذي.
2 - قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تؤذي امرأة زوجَها إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تُؤذيه قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل أوشَكَ أن يُفارقك إلينا))؛ سنن ابن ماجه.
3 - عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أنَّ امرأةً مِن نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحًا، ولَنَصيفُها على رأسها خير من الدنيا وما فيها))؛ رواه البخاري (2643).
كثيرًا ما تسأل النساء عن نعيمهنَّ في الجنَّة، وهل لهنَّ ما يُساوي الحور العين للرجال في الجنة أو أنه نعيم مقصورٌ فقط على الرجال؟!
أعلَم أن السؤال يُراود كثيرًا من النساء بل كل المسلمات تقريبًا، وأقول: إن الله تعالى لم يصف كل ما في الجنة من نعيم، ولكن عمَّم النعيم فقال سبحانه: ﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الزخرف: 71].
فقط هذه الجملة كفيلة لأن تقرَّ بها أعينُنا بأن الله سيُرضينا في الجنة رجالًا كنا أو نساءً.
أما السؤال الذي يطرح نفسه: ولماذا خاطب الله الرجال بأن لهم حورًا عينًا، ولم يخاطب النساء بأنَّ لهنَّ نعيمًا موازيًا؟
إن الحور العين غالبًا ما تُذكر مع المُجاهدين، والجهاد مفروض على الرجال لا على النساء، وطبيعة العرب أن هذا النوع من الشهوة كان يَسود أفكار المجتمع مِن بين الأفكار التي سادت، والإماء اللاتي انتشرن في المجتمع، وتمتُّع الرجل الواحد بأكثر من أمَة، والزواج كان بلا حصر، فلما دخلوا الإسلام خاطبهم الله بما يفهمونه، وصرَّح لهم وهم الذين يُجاهدون بنوع من أنواع النعيم وهو الحور العين؛ ليرغبوا في نعيم الآخرة، ويَنصرفوا عما في المجتمع مما لا يَرضاه الله لهم ولا يصلح مع طبيعة الحياة البشرية من حيث التناسل أو انتشارُ الأمراض، أو ما يَتعارض مع الفطرة الإنسانية، ولم يخاطب النساء بمثله لعدم انتشار هذه الأمور بينهنَّ، بل إن التي تتمتَّع بأكثر من رجل حتى لو كان عبدًا لها فهي عاهِرة، وفي الإسلام حُرِّم لعِلَل شتى، مِن بينها اختلاط الأنساب، فلم يكن هناك داعٍ لخطاب النساء بمثل ما خوطب به الرجال من الحور العين؛ لأن المجتمع بطبيعته سيأنف لو ذُكر مثل هذا في القرآن أو جاء على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو افترضنا جدلًا وجود متاع مُماثل للنساء في الجنة كالحور للعين للرجال؛ فهل يستطيع عاقل أن يرد علينا فيقول: إنه غير جائز لانتِشار الأمراض المزمنة، أو اختلاط الأنساب، أو غيرة الرجل تختلف عن غيرة النساء، أو النفس تأنف من مثل هذه الأمور؛ لأن قانون الجنة وطبيعة النعيم فيها تختلف عما في الدنيا؛ حيث لا أمراضَ ولا تناسُلَ ولا طبيعة جسدية أو نفسية كما في الدنيا، فالأمر يختلف تمامًا تمامًا.
ولو افترضنا جدلًا أن مثل هذا النعيم غير موجود للنساء في الآخرة مثل الرجال؛ فليس لأحد أن يدَّعي ظلمًا للمرأة وعدم مساواتها بالرجال لنفس السبب السابق؛ وهو أن الطبيعة في الجنة تختلف عن طبيعة البشر في الدنيا، فيكون النعيم بقدر ما يَرضى الجنس الذي يسكنها، سواء رجالًا أو نساءً.
وأعود لأقول: يَنبغي أن يكون السؤال عما يُرضي النفس في الجنة، لا البحث عن نعيم لم يره أحد ولا يستطيع أن يتصوَّره؛ لأنَّ الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذنٌ سَمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ كما أخبر صلى الله عليه وسلم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذنٌ سَمعت، ولا خطر على قلب بشر))؛ رواه البخاري.