أرشيف المقالات

فضل الصدقات

مدة قراءة المادة : 32 دقائق .
فضل الصَّدقات


الحمد لله الذي له ملك السموات والأرض، يحيي ويميت، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيءٍ عليمٌ، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:
 
فإن الصَّدقات مِن أفضل القربات التي ترضي الله تعالى، والتي يحصل بها المسلم على الحسنات؛ مِن أجلِ ذلك أحببت أن أذكر نفسي وطلاب العلم الكرام بفضل الصَّدقات، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
بسم الله الرحمن الرحيم
الله تعالى يحثنا على الصَّدقات:
حثنا الله تعالى على الإنفاق في وجوه الخير في كثير من آيات القرآن الكريم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 10، 11].
 
وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [البقرة: 267].
 
قال عبدالله بن عباسٍ: أمرهم بالإنفاق من أطيب المال وأجودِه وأنفَسِه، ونهاهم عن التصدق برُذَالةِ المال ودنِيِّه - وهو خبيثه - فإن الله طيِّب لا يقبل إلا طيبًا؛ ولهذا قال: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا ﴾ [البقرة: 267]؛ أي: تقصِدوا ﴿ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ ﴾ [البقرة: 267]؛ أي: لو أُعْطِيتموه ما أخذتموه، إلا أن تتغاضَوْا فيه؛ فالله أغنى عنه منكم؛ فلا تجعَلوا لله ما تكرَهون؛ (تفسير ابن كثير جـ 2 صـ 466).
 
وقال جل شأنه: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92].
 
روى الشيخانِ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله عز وجل: أَنفِقْ يا بنَ آدمَ، أُنفِقْ عليك))؛ (البخاري حديث 4684/ مسلم حديث 993).
 
قال الإمام النووي (رحمه الله): قوله عز وجل: (أَنفِقْ أُنفِقْ عليك) هو معنى قوله عز وجل: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾ [سبأ: 39]، فيتضمَّن الحثَّ على الإنفاق في وجوه الخير، والتبشير بالخَلَفِ مِن فضل الله تعالى؛ (مسلم بشرح النووي جـ 4 صـ 87).
 
قال الشاعر:






قُلْ لي بربِّك ماذا ينفَعُ المالُ
إن لم يُزَيِّنْه إحسانٌ وإفضالُ


المالُ كالماءِ إن تحبِسْ سواقيَه
يأسَنْ وإن يجرِ يَعْذُبْ منه سِلسالُ


تحيا على الماءِ أغراسُ الرِّياض كما
تحيا على المالِ أرواحٌ وآمالُ


إنَّ الثراءَ إذا حِيلَتْ مواردُه
دون الفقيرِ فخيرٌ منه إقلالُ


اللهُ أعطاكَ فابذُلْ مِن عطيَّتِه
فالمالُ عاريَةٌ والعُمْرُ رحَّالُ






(موارد الظمآن لدروس الزمان لعبدالعزيز السلمان جـ 2 صـ 186).
 
الصَّدقات هي التجارة الرابحة:
الصَّدقات الخالصة لله تعالى هي التجارة الرابحة للعبد في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29، 30].
 
الله تعالى يجزل العطاء للمُتصدِّقين:
أخي الكريم، لو أن رجلًا من الأغنياء قال لك: أعطِ فلانًا كذا وكذا من مالك، وتعالَ غدًا وأنا أعطيك أفضل من ذلك، فهل تتأخر لحظة واحدة عن هذه الدعوة؟ فما بالك والذي وعَد هو الله عز وجل، الغني، الكريم، الذي لا تفنى خزائنه، وله مُلك السموات والأرض؟! حيث قال في محكم التنزيل: ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المزمل: 20].
 
وقال سبحانه: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].
 
قال ابن كثير (رحمه الله): هذا مَثَلٌ ضربه الله تعالى لتضعيف الثواب لمن أنفَق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأن الحسنة تضاعف بعَشْر أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ، وهذا المَثَل أبلغُ في النفوس مِن ذكر عدد السبعمائة؛ فإن هذا فيه إشارةٌ إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله عز وجل لأصحابها، كما ينمي الزرع لمن بذَره في الأرض الطيبة، وقد وردت السنَّةُ بتضعيفِ الحسنة إلى سبعمائة ضعفٍ؛ (تفسير ابن كثير جـ 2 صـ 457).
 
وقال سبحانه: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 245].
 
روى الشيخانِ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن تصدَّق بعَدْلِ تمرةٍ من كسبٍ طيبٍ، ولا يقبَلُ اللهُ إلا الطيبَ، وإن الله يتقبَّلُها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فَلُوَّه (مُهْرَه) حتى تكونَ مِثل الجبل))؛ (البخاري حديث 1410/ مسلم حديث 1014).
 
فسارِعْ - أخي الكريم - إلى جمعِ الحسَنات قبل أن يفُوتَ الوقتُ، واعلَمْ أن ميزانَ الحسنات يرجُحُ بحسنةٍ واحدة خالصةٍ لله تعالى.
 
وقفةٌ للتأمُّل:
قال إبراهيم المَوْصِليُّ عند تهنئة هارون الرشيد بالخلافة:






ألم ترَ أن الشمسَ كانت مريضةً
فلما أتى هارونُ أشرَقَ نورُها


تلبَّسَتِ الدُّنْيا جمالًا بمُلْكِه
فهارونُ واليها ويَحْيى وزيرُها






فأعطاه الخليفةُ هارونُ الرشيد مائة ألف دينار، وأعطاه الوزير يحيى بن خالد البرمكيُّ خمسين ألف دينارٍ.
 
• الدينار: أربعةُ جرامات ورُبع مِن الذهب الخالص؛ (المستطرف للأبشيهي صـ 422).
أخي الكريم، إذا كان هذا عطاءَ عبدٍ لعبد مِثلِه، فكيف يكونُ عطاء ربِّ العالَمين؟!
 
نبينا صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصَّدقات:
حثنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم على الإنفاق، وبَذْل المال في وجوه الخير في كثير مِن أحاديثه الشريفة:
روى الشيخانِ عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجلٌ آتاه الله مالًا، فهو يُنفِقه آناءَ الليل وآناء النهار))؛ (البخاري حديث 5025/ مسلم حديث 815).
 
روى مسلمٌ عن جَرير بن عبدالله البجَلي، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، فجاءه قومٌ حفاةٌ عراةٌ مجتابي النِّمَار أو العَبَاء، متقلِّدي السيوف، عامَّتُهم من مُضَرَ، بل كلهم مِن مُضَرَ، فتمعَّر (أي تغيَّر) وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم مِن الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالًا فأذن وأقام، فصلى ثم خطب فقال: ((﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [النساء: 1] إلى آخر الآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، والآية التي في الحشر: ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحشر: 18]، تصدَّق رجلٌ من دِيناره، من درهمه، من ثوبه، مِن صاع بُرِّه، من صاع تمره - حتى قال - ولو بشق تمرةٍ)) قال: فجاء رجلٌ من الأنصار بصُرَّةٍ كادت كفُّه تعجِزُ عنها، بل قد عجَزَتْ، قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعامٍ وثيابٍ، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل؛ (أي: يستنير فرحًا وسرورًا)، كأنه مُذْهَبةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن سنَّ في الإسلام سنةً حسنةً، فله أجرها، وأجر مَن عمل بها بعده، مِن غير أن ينقص من أجورهم شيءٌ، ومَن سنَّ في الإسلام سنةً سيئةً، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيءٌ))؛ (مسلم: حديث: 1017).
 
• مجتابي النمار: أي: لابِسيها خارقين أوساطَها.
• النِّمَار: شَمْلةُ صوف مخطَّطة، مِن ثياب الأعراب، فيها تنمير، كأنها أُخِذت مِن لون النَّمِر؛ لِما فيها مِن السواد والبياض.
يتهلَّل: يستنير فرحًا وسرورًا بمبادرة المسلمين إلى طاعة الله تعالى، وبَذْل أموالهم لله، وامتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدفع حاجة هؤلاء المحتاجين، وشفقة المسلمين بعضهم على بعضٍ، وتعاونهم على البِرِّ والتقوى.
 
الصَّدقات سببٌ لمغفرة الذنوب:
قال سبحانه: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134].
 
وقال تعالى: ﴿ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 17].
 
الملائكةُ تدعو للمُتصدِّقين:
روى الشيخانِ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من يومٍ يصبح العباد فيه إلا ملَكانِ ينزلانِ، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ مُنفِقًا خَلَفًا، ويقول الآخَر: اللهم أعطِ مُمسِكًا تلَفًا))؛ (البخاري حديث 1443/ مسلم حديث 1010).
 
الصَّدقات أمانٌ للمسلم يوم الفزع الأكبر:
قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 262].
 
وقال سبحانه: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾ [النمل: 89].
 
الصَّدقات تؤلِّف بين قلوب المؤمنين:
روى الشيخانِ عن النعمان بن بشيرٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَل المؤمنين في توادِّهم، وتراحمهم، وتعاطفهم - مَثَل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمَّى))؛ (البخاري حديث 6011/ مسلم حديث 1999).
 
قال ابن حجَر العسقلاني (رحمه الله):قوله صلى الله عليه وسلم: (بالسَّهر والحمى)، أما السَّهر فلأن الألَمَ يمنَع النوم، وأما الحمَّى فلأن فَقْدَ النوم يثيرها؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 10 صـ 454).
 
الصَّدقات تَزيد المال:
الصَّدقات الخالصة لله تعالى هي سبيلُ زيادة المال في الدنيا، والحصول على رضوانِ الله تعالى في الآخرة؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39].
 
روى مسلمٌ عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نقصت صدقةٌ من مالٍ))؛ (مسلم حديث 2588).
 
وروى مسلمٌ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا رجلٌ بفلاةٍ من الأرض، فسمِع صوتًا في سحابةٍ: اسقِ حديقة فلانٍ، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حَرَّةٍ، فإذا شرجةٌ (مسيل الماء) من تلك الشِّراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجلٌ قائمٌ في حديقته يحوِّل الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟ قال: فلانٌ، للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله، لِمَ تسأَلُني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه، يقول: اسقِ حديقة فلانٍ، لاسمك، فما تصنَع فيها؟ قال: أما إذ قلتَ هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدَّق بثُلثه، وآكُلُ أنا وعيالي ثُلثًا، وأرُدُّ فيها ثُلثَه))؛ (مسلم حديث 2984).
 
الصَّدقات تُظِلُّ صاحبَها يوم القيامة:
إذا حشَر اللهُ تعالى الناس يوم القيامة، واشتدَّ الكرب، وكثُر العرَق، واقتربت الشمس من رؤوس العبادِ - فإن الصدقة تُظِلُّ صاحبَها في هذا الموقف العصيبِ؛ روى الشيخان عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبعةٌ يُظِلُّهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله - وذكر منهم -: ورجلٌ تصدق، أخفى حتى لا تعلَمَ شِمالُه ما تُنفق يمينُه))؛ (البخاري حديث 1423/ مسلم حديث 1031).
 
روى أحمدُ عن عقبةَ بن عامرٍ، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلُّ امرئٍ في ظلِّ صدقتِه، حتى يفصل بين الناس))؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد جـ 28 صـ 568، حديث: 17333).
 
الصَّدقات تُزكِّي النفس:
إن الإكثارَ مِن الصَّدقات يزكي نفس المسلم، ويكسبه محاسن الأخلاق مِن الجُود والكَرَم، ويُطهِّره من الشُّحِّ والبُخل؛ قال تعالى: ﴿ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ [محمد: 38].
وقال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9].
 
وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].
وقال عز وجل: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103].
 
الصَّدقات شُكر لنِعَم الله على العباد:
الصدقة الطيبة الخالصة لله تعالى ما هي إلا ترجمة عملية لشكر الله تعالى على نعمه التي لا تُعَد ولا تحصى، إن العبدَ إذا لم يقابِلْ هذه النِّعَم بالشكر فإنها سوف تزول، وبشكرها تدوم وتزداد ويبارك اللهُ فيها لعباده؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7].
 
الصَّدقات مصدرُ سعادة القلب:
ما أجملَ شعور المتصدق عندما يكون سببًا في مسح دمعة يتيم أو دفع كربة عن فقير! حقًّا إنها سعادة يهَبُها الله لعباده المحسنين، المنفقين في سبيله، إن هذه السعادة التي يملأ بها قلب المتصدق لا تقدر بمال، ولو لم يكن للمتصدق إلا هذه الفائدة الجليلة من السعادة الحقيقية، لكفاه ذلك؛ قال تعالى: ﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الحديد: 7].
 
الشيطان للمُتصدِّقين بالمرصاد:
قال الله تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 268].
 
وقال سبحانه: ﴿ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].
 
نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم خيرُ المُتصدِّقين:
كان نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم جَوَادًا كريمًا، لا يبخل بما في يده، وكان يؤثِر المحتاج على نفسه، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان سرورُه بما أعطى أعظمَ مِن سرور الآخِذِ بما أخَذه؛ روى مسلمٌ عن أنسٍ: أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنمًا بين جبَلينِ، فأعطاه إياه، فأتى قومه فقال: أيْ قومِ، أسلِموا؛ فوالله إن محمدًا ليُعطي عطاءً ما يخافُ الفقرَ؛ (مسلم حديث 58).
 
تنافُسُ الصحابةِ في الإنفاق في سبيل الله:
كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحرصون على الإنفاق وبذل الصَّدقات في وجوه الخير المختلفة، يتنافسون في ذلك، وسوف نذكر طرفًا من هذه النماذج السامية:
(1) أبو بكر الصِّدِّيق وعمرُ بن الخطاب رضي الله عنهما:
روى أبو داود عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: أمَرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا أن نتصدق، فوافَق ذلك مالًا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكرٍ، إن سبقتُه يومًا، فجئتُ بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أبقيت لأهلِك؟))، قلتُ: مِثلَه، قال: وأتى أبو بكرٍ رضي الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أبقيتَ لأهلِك؟))، قال: أبقيتُ لهم اللهَ ورسولَه، قلت: لا أسابقك إلى شيءٍ أبدًا؛ (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني حديث 1472).
 
(2) عثمان بن عفان رضي الله عنه:
روى أحمدُ عن عبدالرحمن بن سمرة قال: جاء عثمانُ بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينارٍ في ثوبه حين جهَّز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العُسْرة، قال: فصبَّها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعَل النبي صلى الله عليه وسلم يقلِّبها بيده ويقول: ((ما ضرَّ ابنَ عفَّانَ ما عمِل بعد اليوم))، يردِّدها مرارًا؛ (حديث حسن) (مسند أحمد جـ 34 صـ 232 حديث: 20630).
 
(3) أبو طَلْحة الأنصاري رضي الله عنه:
روى الشيخانِ عن أنس رضي الله عنه، قال: كان أبو طلحة أكثرَ الأنصار بالمدينة مالًا، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء (حديقة)، وكانت مستقبِلةَ المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماءٍ فيها طيب، فلما نزلت: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، قام أبو طلحةَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الله يقول في كتابه: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وإن أحبَّ أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقةٌ لله أرجو بِرَّها وذُخْرها عند الله، فضَعْها يا رسول الله حيث أراك اللهُ، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بَخٍ! ذلك مالٌ رابحٌ، ذلك مالٌ رابحٌ، وقد سمعتُ ما قلتَ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين))، فقال أبو طلحة: أفعلُ يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه؛ (البخاري حديث 2318/ مسلم حديث 998).
 
(4) عائشةُ رضي الله عنها زوجُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
روى ابن سعدٍ عن أم درة قالت: أُتِيَتْ عائشةُ بمائة ألف درهم ففرقتها، وهي يومئذ صائمة، فقلت لها: أما استطعتِ فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحمًا تفطرين عليه، فقالت عائشة: لو ذكرتِني لفعلتُ؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد 8 جـ صـ 53).
 
(5) أبو الدَّحْداحِ الأنصاريُّ:
روى ابن أبي حاتمٍ عن عبدالله بن مسعودٍ، قال: لما نزلت: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ﴾ [الحديد: 11]، قال أبو الدَّحْداح الأنصاري: يا رسول الله، وإن الله عز وجل ليريد منا القرض؟ قال: ((نعم يا أبا الدَّحْداح))، قال: أرِني يدك يا رسول الله، قال: فناوَله يده، قال: فإني قد أقرضتُ ربي عز وجل حائطي، قال: وحائطٌ له فيه ستمائة نخلةٍ، وأم الدحداح فيه وعيالها، قال: فجاء أبو الدحداح فناداها: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: اخرجي؛ فقد أقرضتُه ربِّي عز وجل؛ (تفسير ابن كثير جـ 2 صـ 416).
 
أنواع الصَّدقات:
هناك مِن أنواع الصَّدقات الكثير، ويمكن أن نوجزها فيما يلي:
(1) بناء المساجد وعمارتها:
بِناءُ بيوت الله تعالى مِن أفضلِ القُربات التي يستطيع المسلم أن يتقرب بها إلى خالقه سبحانه؛ قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18].
 
ومِن عمارة المساجد: المساهمة في بنائها، وتنظيفها، والمحافظة عليها، وإقامة الصلوات المفروضة بها، ونشر العلم النافع، وحل مشاكل المجتمع المسلم في رحابها، ولقد حثنا نبينا صلى الله عليه وسلم على بناء المساجد؛ روى الشيخانِ عن عثمان بن عفان: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن بنى مسجدًا يبتغي به وجهَ الله، بنى اللهُ له بيتًا في الجنةِ))؛ (البخاري حديث 450/ مسلم حديث 533).
 
فعلى كلٍّ منا أن يبادرَ بالمساهمة في تعمير بيوت الله، وليتذكَّرْ أنه ما مِن صلاة أو قراءة للقرآن أو درس علم أو أي شيء من أعمال الخير يتم في رحاب المسجد الذي ساهم فيه إلا وله فيه أجرٌ عظيم مِن الله تعالى.
 
(2) نشر العلم النافع:
روى مسلمٌ عن أبي هريرة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عمله إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتَفَع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له))؛ (مسلم حديث 1631).
ويدخُلُ في ذلك نشرُ الكتب والرسائل العلمية، والأشرطة النافعة، وإمداد طلاب العلم بالكتب التي يحتاجونها.
 
(3) كفالة الأيتام، وإنظار المُعسِرين، ومساعدة المحتاجين:
قال تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 8].
روى البخاريُّ عن سهلِ بن سعدٍ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنا وكافلُ اليتيم في الجنة هكذا))، وقال بإصبعيه السَّبَّابةِ والوسطى؛ (البخاري حديث 6005).
 
وقال سبحانه: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280، 281].
 
روى مسلمٌ عن أبي اليَسَرِ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أنظَر مُعسِرًا، أو وضَع عنه - أظَلَّه اللهُ في ظلِّه))؛ (مسلم حديث 3006).
 
روى الشيخانِ عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كان رجلٌ يداين الناسَ، فكان يقول لفتاه: إذا أتيتَ معسرًا فتجاوز عنه؛ لعل اللهَ أن يتجاوزَ عنا، قال: فلقِيَ اللهَ، فتجاوز عنه))؛ (البخاري حديث 3480/ مسلم حديث 1532).
 
(4) الإنفاق على الجهاد في سبيل الله:
روى الشيخانِ عن زيد بن خالدٍ الجُهَني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن جهَّز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومَن خَلَفَ غازيًا في سبيل الله بخيرٍ فقد غزا))؛ (البخاري حديث 2843/ مسلم حديث 1895).
 
(5) الصَّدقة في الزَّرع:
روى الشيخانِ عن أنس: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((ما مِن مسلمٍ يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ - إلا كان له به صدقةٌ))؛ (البخاري حديث 6012/ مسلم حديث 1553).
 
(6) تفطيرُ الصائمينَ:
روى الترمذيُّ عن زيد بن خالد الجهنيِّ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن فطَّر صائمًا كان له مِثلُ أجره، غيرَ أنه لا ينقُصُ مِن أجر الصائم شيئًا))؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 647).
 
آفاتُ الصَّدقة:
للصدقاتِ آفاتٌ تقضي على ثوابها، وتكونُ وبالًا على صاحبها في الدنيا والآخرة، وهذه الآفاتُ يمكن أن نوجزَها فيما يلي:
أولًا: الرياء:
الرِّياء داءٌ عُضال، يقضي على ثواب الأعمال الصالحة، ويجعلها هَباءً منثورًا، وهو مِن صفات المنافقين الذين ذمَّهم اللهُ تعالى في كتابه العزيز قائلًا عنهم: ﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142].
 
روى مسلمٌ عن أبي هريرةَ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاءِ عن الشرك، مَن عمِل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركتُه وشِرْكَه))؛ (مسلم حديث 2985).
 
ثانيًا: إتباعُ الصَّدقاتِ بالمَنِّ والأذى:
يجب على المسلم الحذرُ مِن أن يمُنَّ أو يؤذيَ أحدًا من الذين تصدَّق عليهم، فيقول له: تذكَّرْ يوم أعطيتك كذا وكذا؛ فقد حذرنا الله مِن المنِّ بالصدقة؛ حيث قال سبحانه: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 261 - 264].
 
روى مسلمٌ عن أبي ذرٍّ الغفاريِّ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة: المنَّانُ الذي لا يعطي شيئًا إلا مَنَّهُ، والمُنفِّقُ سِلعتَه بالحلِفِ الفاجر، والمُسبِل إزارَه))؛ (مسلم حديث 106).
 
قال القرطبيُّ: سمع محمدُ بن سيرين رجلًا يقول لرجل آخر: فعلتُ إليك وفعلت، فقال له ابن سيرين: اسكُتْ؛ فلا خيرَ في المعروف إذا أحصي؛ (تفسير القرطبي جـ 3 صـ 312).
 
ثالثًا: التصدُّقُ بالشيء الرديء:
اعلم - أيها المسلم - أن اللهَ تعالى لا يقبل إلا الطيب من الصَّدقات؛ فاحذَرْ أن تتقرب إليه بالشيء الرديء؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [البقرة: 267].
 
رابعًا: احتقارُ شيءٍ من الصَّدقات:
يجب على المسلم ألا يحتقر شيئًا من الصَّدقات، سواء كانت صدقته هو أو صدقة أخيه المسلم؛ روى الشيخانِ عن عدي بن حاتم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اتقوا النار ولو بشق تمرةٍ، فإن لم تجِدْ فبكلمةٍ طيبةٍ))؛ (البخاري حديث 1413/ مسلم حديث 1016).
 
روى النسائي عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبَق درهمٌ مائةَ ألف درهم))، قالوا: يا رسول الله، وكيف؟ قال: ((رجلٌ له درهمانِ، فأخَذ أحدهما فتصدق به، ورجلٌ له مالٌ كثيرٌ، فأخذ من عرض ماله مائة ألفٍ فتصدق بها))؛ (حديث حسن) (صحيح النسائي للألباني 2527).
 
اعلم - أخي الكريم - أن الصدقةَ وإن كانت قليلة فإنك سوف تجد ثوابها أضعافًا كثيرة عند الله تعالى؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].
 
روى مسلمٌ عن أبي ذرٍّ الغِفَاريِّ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحقِرَنَّ مِن المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ))؛ (مسلم حديث 2626).
 
خامسًا: الرجوع في الصدقة:
احذر - أخي الكريم - أن ترجِعَ في صدقتِكَ التي أخرجتَها لله تعالى؛ روى الشيخانِ عن عمرَ بن الخطاب قال: حملتُ على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده، فأردتُ أن أشتريه، وظننتُ أنه يبيعه برخص، فسألت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: ((لا تشترِهِ، ولا تعُدْ في صدقتِكَ، وإن أعطاكه بدرهمٍ؛ فإن العائدَ في صدقته كالكلب يعود في قَيْئِه))؛ (البخاري حديث 2623/ مسلم حديث 1620).
 
أسأل اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل هذا العملَ خالصًا لوجهه الكريم.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالَمين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢