المقاومة العراقية.. لماذا يُحجب نصرها؟ - ملفات متنوعة
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
في تغطية إخبارية لشبكة الوليد للإعلام، أعلنت إحدى فصائل المقاومة العراقية عن عملية نوعية نفذتها مؤخراً في جنوب بغداد كتيبة مقاتلة لجيش الراشدين، وذلك ثأراً من العدوان الأميركي على قرية البوكمال السورية وسقوط عدد من الشهداء المدنيين الذين قصفتهم مروحيات الاحتلال الأميركي في السادس والعشرين من أكتوبر الماضي، وأوضح الناطق باسم الفصيل المقاوم أن العملية تم توثيقها وتصويرها، وأنها في طور إعداد المكتب الإعلامي بحسب إشارته الواردة في التصريح.
هل العملية مستغربة؟ كلاّ، ليس فقط من ناحية مستوى الشعور والتضامن الفوري الذي تعيشه المقاومة العراقية كمبدأ التزام ومنهج إسلامي وترابط أممي عربي، وهو ليس جديداً في قوة الرد وسرعته، حيث سقط أكثر من عشرة جنود لقوات الاحتلال في هذه العملية بحسب التصريح، لكن السؤال القائم دائما في مواجهة الحقيقة الكبرى التي نعيشها, كان -ومازال- أن المحصلة النهائية لعدوان الاحتلال على العراق انتهى إلى فشل ذريع وتطويق قوي، حمل السياسية الأميركية على الانقلاب على مشروعها الإعلامي السياسي لأرضية الاحتلال في كل المواقف انتهاءً بما صرح به الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش من أنه أخطأ بالفعل حين اتخذ قرار الحرب بناء على معلومات استخبارية مغلوطة،
ورغم أن هذا الاعتراف يدين واشنطن إدانة تاريخية لتلفيقاتها المختلفة وأكاذيبها التي جعلتها قاعدة انطلاق للعدوان الهمجي الإرهابي على الإنسان والأرض العراقية، إلا أنه هو في ذاته -كما يعلم الجميع بأبجدية سهلة- كذب وبهتان، لماذا؟
إن الجواب الوحيد على أسباب كل هذه العثرات والكوارث التي عانتها قوات الاحتلال إنما حصل وتجسد من خلال أمر واحد أول ويسبق أي تطور سياسي لاحق عليه, إنه هزيمة واشنطن على أيدي المقاومة العراقية في كلا نسختي مشروع الاحتلال، ولو أن المحتل نجح في تحقيق برنامجه من الغزو وتغيير العالم العربي بناء على ذلك النجاح لما سمعنا اعتذار جورج بوش ولا هتاف أوباما بالتغيير، هذا هو حديث السياسة الأميركية ودواوينها الإعلامية والاستراتيجية، ومن هنا ندرك تماما حجم التغييب الأسطوري للتغطية الإعلامية والمعنوية لنصر المقاومة العراقي على الميدان.
نعم لم يكتمل النصر في أفقه السياسي وحسمه العسكري الشامل بسبب وجود قوة احتلال أخرى ذات طبيعة تمزيقية للمجتمع العراقي وانتماءاته تقاطعت مع بقايا الاحتلال السياسي وعمليته الإجرائية، لكن الحقيقة الكبرى أن جيش الاحتلال قد طُوق في ميدان المعركة بالفعل وانتهى لهذه النتيجة، ولذا فإن نوري المالكي نقل تهديد الأميركيين في حكومة بوش بسحب هذه القوات فجأة وبلا تنسيق إذا لم يصادق على الاتفاقية، وعندها قرر الإيرانيون تكليف ائتلافهم بالمصادقة لضمان ألا تتقدم المقاومة في هذه الفترة معززة النصر ووارثة له قبل أن يُجري الإيرانيون تغييرات الواقع شراكة مع بقية الاحتلال لصناعة الصفقة المزدوجة, والتي يُرجى منها أن تتخلص من الهاجس المرعب للاعتراف التلقائي بأن من حقق النصر وقدم الفداء ونهر الدماء وحافظ على وحدة شعبه ووحدة نسيجهم وسلامة دمائهم -وهي هنا المقاومة العراقية- ستتقدم لإحراز النصر الأكبر للعراق العربي المقاوم.
وهذا الحسم لدى واشنطن من اعترافها بهزيمتها على يد المقاومة العراقية هو الذي دفع أوباما مجددا وبصورة صريحة وواضحة لأن يؤكد عزمه السحب المبكر لقواته في العراق والتنسيق مع إيران في أفغانستان لمواجهة طالبان.
الضجيج الذي لن يحجب الشمس
في المقابل تجد أنّ الإعلام العربي والدولي وبدعم ضمني واضح يُكرّس في تناقل الخبر وتضخيمه لجهات قاومت نسبيا أو تمارس نفوذا مسلحا في لبنان ولكنها مرتبطة بإيران فهي تُغطي مساحة الإعلام وشاشاته وصحافته في تكرار لمعارك محدودة وإن كانت ضد العدو الاستراتيجي الرديف للمحتل للعراق، وهو عدو نسعد ونهتم بالانتصار عليه, ولكن التصوير الإعلامي لها كأنما تلك الأعمال المنفذة هي صورة المقاومة وغيرها لا حق له من الذكر لا لشيء إلاّ لأن هذا المهمش والمشوه مرتبط بهوية الأمة وتاريخها وعمقها القومي الإسلامي وليس الإقليمي.
ولذا فإن هذا التغييب والتضخيم للجهة المقابلة أمرٌ متعمد مخطط وليس عفويا، خاصة أنّ هذا الازدراء لما تحققه المقاومة العراقية وتقليصه وتهميشه تجده في حالة تفعيل دائم خشية من أن وضوح الحقيقة وهي جلية لمن رفع عن ناظريه الحجاب , ستربط أطراف الوطن العربي وعمقه التاريخي بين العراق والشام ومصر وصولا إلى جزيرة العرب وطوافا إلى مغربهم الأقصى, وهو ما يُحقق إعلاناً تاريخيا متصلا في وجوديته الجغرافية والانتمائية وأيضاً في شهادته على الميدان من هي المقاومة الكبرى الصافية المنهج والهوية والتي تجمع العرب وهي شقيقة لمقاومة فلسطين في كل تاريخيها الجديد والقديم, وهنا تبرز هوية العراق وانتماؤه وصلابة المقاومة وعدم ازدواجية الموقف الفكري والأيديولوجي للآخر الذي عانق المحتل في العراق وأفغانستان ثم ادعى حصرية مقاومته له في لبنان وطلب التسليم له وإخضاع منهج المقاومة لمبدأ الصفقات لراعيه الاقليمي, كي لا يتصل منهج وبرنامج المقاومة الحقيقي ببقية عمقه الشعبي في الأرض العربية، وهو ما جسدته كأنموذج المقاومة العراقية في غرفة العمليات المشتركة التي أُعدت ونفذت برنامجا عسكرياً كاملا لنصرة غزة، وهي الآن تخرج بوضوح تنتصر للشام وشعبها العظيم ليس بالخطب ولكن بالفعل والسلاح.
وحدة الهوية والمبدأ توحد المقاومة
من هنا يبرز هذا الدور التاريخي العظيم الذي صنعه شباب العراق وكهوله في إعادة معنى الوحدة وتآلف كل الأطياف تحت مبدأ لا يتجزأ ولا يتبدل وهو حدب مشفق مبادر إلى أهله في كل أراضٍ العرب، وهو الآن كما يرصد بوضوح يتقدم خطوات لإحباط الفتنة الطائفية وقد فعل, وأصبح هتاف العرب الشيعة في العراق مسموعا ومتحدا مع المقاومة ومشروعها يسمع صداه في البوكمال كما ضج في ديالى وفلوجة المجد وفي كل العراق, سلاحا وُجّه للمحتل وحمى الأرض والعهد وإخوة الوطن.
وهذه الهوية والمنهج والنصر المرعب لكل الأطماع الأجنبية بثوبها الصهيوني والأميركي والإقليمي هي الجواب الشافي لمن يسأل: لماذا يحاربون مقاومة العراق ويحتشدون ضدها..
ولذا فالمهمة كبيرة لأبطال العراق في وحدة الصف وتوحيد معركة الزحف الأكبر وغطائها السياسي الوطني الشامل ولأولئك الرجال العظماء والشباب والفتيان الكبار وصبايا ونساء العراق المجيد، لكم أنتم يا من قدمتم الفداء والتضحية وغدر بكم من غدر عربا وغربا وشرقا، لن تنكسر الراية ولن يُغمط المجد لأهله، وقد سجل التاريخ لكم حربا هزمتم فيها أعتى جيوش العالم وأفحشه إرهاباً وإجراماً..
وغداً سوف يستمع التاريخ لشهادة المهزوم في حضارته وتعقد اللجان الكبرى لتحديد الجواب: كيف هزمهم العراق..
لكم أنتم قبل أي أحد: كل عام وأنتم بخير..
وجرحكم مشافى، وشهيدكم مرحوم، ونصركم بإذن الله محسوم.
مهنا الحبيل
[email protected]