دعاة الصحوة ودعاة التخدير
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
دعاة الصحوة ودعاة التخديرالدعوة هي روح الإسلام، وهي المكانة العظيمة التي يتمنَّى كل مسلم أن يكون مِن أهلِها، والدُّعاة إلى الله - عز وجل - هم روح هذه الأمة، ومصدر نهضتِها وعزَّتها، وهم ورثة الأنبياء والمُرسَلين، بهم يَفهم الناس الخيرَ مِن الشرِّ، والصَّوابَ مِن الخطأ، هم في كل أمة حُماتها، وسلاحها الفتَّاك في مُقابِل أَسلِحة أعدائها.
ولا يَخفى على كل داعٍ إلى الله أنه لا بدَّ مِن التهيُّؤ لهذه المهمَّة العظيمة، والاستِعداد لها، والتزوُّد بكل نافع ونفيس في سبيل عَرضِ هذه الدعوة المُبارَكة؛ فالدعوة إلى الله كالسفر الطويل تحتاج مِن الداعي التزوُّد بكل ما يَمنعه مِن مَشقَّة هذا السفر، ويكون كافيَه لِتَحمُّل هذه المسافة الطَّويلة.
وفي هذه الآوِنة الأَخيرة ظهَر كثير مِن الدُّعاة ممَّن يَحمِلون ألوانًا مُختلِفةً مِن الأفكار، ومدارسَ متنوعة، تربَّوا فيها، ونشؤوا في ظِلالها، وجَدنا بعض هؤلاء الدعاة خرَجوا عن المُهمَّة الحقيقيَّة للداعية؛ من حيث الانتصار لمبادئ الحقِّ مهما كلَّفهم ذلك مِن ضغوط ومشاكل، فرأينا بعضهم يَخرُج علينا بفتاوى شاذَّة لا تتَّفق مع دينِنا الحنيف، ولا مع الواقع الذي يعيش فيه الإنسان، رأينا أحدهم يتحدَّث عن كل شيء إلا شيئًا واحدًا، وهو كل ما يتعلَّق بالحاكم والسُّلطان، فهذا خطٌّ أحمرُ لا يَجوز لأحد أن يتجاوزه أو يتعدَّاه، رأينا أحدهم يتحدَّث عن الواقع ولا يَمتلِك أدوات الفهْم لما يتحدَّث فيه.
هذا كله مما يَجعلنا نتحدَّث عن صِفات دعاة الصَّحوة الحقيقيِّين، ممن يتعرَّضون لحَملِ هذه المسؤولية في هذا الوقت العصيب، والذي يمرُّ فيه الإسلام وتمرُّ فيه الأمة بمُفترَق طريق، ومما أؤكِّد عليه في البداية أنني لا أَقصِد تيارًا بعينه، ولا مؤسَّسةً بعينها، ولكنها موجَّهة إلى بعض الدُّعاة الذين يُغرِّدون بعيدًا عن سِرب الدُّعاة الحَقيقيِّين.
دعاة حِكمَة:
فالدعوة إلى الله ليست باستِمالة القلوب والأسماع فقط، ولكنها دعوة مَنطِق وعقْل، والدعوة هي تربية قبل أن تكون تَهييجًا للمَشاعر والأحاسيس، فدُعاة الصَّحوة همُّهم الأساسيُّ هو تربية الشُّعوب لا تهييجها، كما أن همَّهم تربية المسلم تربيةً شُموليَّةً لا تَقتصِر على جانب دون جانب، هي تربية للعقل والعاطِفة وتربية للسُّلوك، والاقتِصار على نوع واحد مِن هذه الأنواع يؤدِّي بالجماهير إلى التصرُّفات الخاطئة، والأعمال الناقصة.
فدُّعاة الصحوة يتعرَّفون تعرُّفًا كاملاً على خصائص المُستمعين، ويَعرِفون مُيولهم واتجاهاتهم، كما أنهم يُعايِشون ظروفهم وأحوالهم، فالدعوة ليست كلماتٍ تُقال، ولكنها مَواقِف تُدرس.
الفهْم العميق:
فالداعية لا يتأثَّر بالمواقف الطارئة، لا تُهيِّجه كلمة سمعها، ولا موقف غريب رُوِي له؛ حتى يتأكَّد ويتيقَّن منه، فيتصرف في حدود المعقول لا المنقول.
فدُعاة الصَّحوة فَهِموا الواقع مِن حولهم، فَهِموا ظروفه ومراحله التي يمرُّ بها؛ فلذلك لا يتكلَّمون إلا بكل صَحيح حكيم، لا يُردِّدون الإشاعات، ولا تجرُّهم الأحداث وتتحكَّم فيهم، بل هم الذين يتحكَّمون فيها، ويؤثِّرون فيها، عُقولهم واعية، وتصرُّفاتهم حَكيمة، عَواطِفهم مُلجَمة بنظرات عُقولهم.
ربْط النُّصوص بمَقاصِدها:
فهم لا يأخذون النصوص على ظواهِرها، بل يفهمون المقاصد والأسباب، يُرْجعِون القرآن بعضَه إلى بعض، يُرجِعون القرآن إلى السنَّة، والسنَّة إلى القرآن.
فدُعاة الصحوة لا يتسرَّعون في الأحكام، ولا يُفتون بما هو موجود؛ ولكنَّهم يَجهدون أنفسهم جهدًا كبيرًا، فهذا هو فقْه الواقع، وهذا هو فقه الأولويات، وهذا هو فقه المآلات، فهي ليست كلماتٍ تُقال، ولا فتْوَى تُنشَر؛ بل هي بناء للأمة، وإبراء للذمَّة أمام الله - تبارك وتعالى.
الثقافة المُتنوِّعة:
فهُمْ يَقرؤون القرآن، ويَفهمون السنَّة، ويَعيشون مع آراء الفُقهاء واختلافاتهم، مَقاصِد الشَّريعة لها نصيب مِن اهتِماماتهم، ومع ذلك فهم مُحبُّون للعربية، يُحافِظون عليها في خُطَبهم ودُروسهم، يَدرُسون علم النفس لفهْم سُلوكيات الناس وأحوالِهم، ويَدرُسون علم الاجتماع لمَعرِفة خصائص المجتمع وما يتَّفق وما يَختلِف فيه البشر، يَفهمون التاريخ، ويَعيشون دروسه وعِبَره، ويَدرُسون الواقع ويَفهمون سياسته واقتصاده، يتعرَّفون على قضايا الواقع ويَفهمونها، ثقافتهم شمولية مُتنوِّعة، فهم يَقرؤون في كل المجالات، وفي كافَّة الاتِّجاهات، فالحِكمة ضالَّتُهم وهم أحقُّ الناس بها.
التخصُّص الدقيق:
ومع ثقافتهم المُتنوِّعة، وقراءاتهم المُختلِفة، فإنهم مُتخصِّصون في علمٍ من العلوم، يَعرفونه ويُحيطون به مِن كل جوانبه، همَّتُهم تَدفعُهم إلى الخِبرة والدِّراية؛ حتى يَكونوا مَرجِعًا فيه، يُسألون في كل مَسائله، فهم أَيقنوا أن تقدُّم مُجتمعِهم لا يكون إلا بإتقان الفُنون والتخصُّص في العلوم المُختلِفة.
هذه هي صِفات دُعاة الصَّحوة الحقيقيِّين ممن آمَنوا بسُموِّ فِكرَتهم، وعُلوِّ مَكانتِهم، فساروا في الأرض يَنشُرون الخير والنُّور، يَرجون رحمة الله وفَضلَه، ويَسلُكون طريق النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابتِه الكِرام.