int(1816) array(0) { }

أرشيف المقالات

الدعوة إلى الله تعالى (2)

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
الدعوة إلى الله تعالى
(الجزء الثاني)
كيف تكون وعلى أي أساس تقوم
 
إن الدعوة إلى الله من أسهل الأمور وأشقها على النفوس فلذا ينبغي أن نبين كيف تكون ووجه المشقة فيها ما يلاقيه الداعي من أذى المدعوين واستهدافه لتقولاتهم ومعاداتهم واحتياجه إلى معرفة طبائع النفوس وما يليق بها والطرق الحكيمة التي يسلكها لبلوغ غايته وجذب الناس إلى دعوته وإنقاذهم من مصايد الشيطان وشفائهم من أمراض الشهوات وعلل الشبهات واستعمال الرفق في موضعه والبرهان عند أهله وأما وجه السهولة فيها فلأنها تتضمن ذكر الله تعالى وبذكره تطمئن القلوب وموعود عليها بالنصر في غير ما آية من كلام الله تعالى وغير ما حديث من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51] ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ﴾ [الحج: 40]، ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ [محمد: 7].
ولأن الداعي لله تعالى يجد من الآيات والأدلة والبراهين على صحة الدعوى ما لم يجده داع لغير الله عز وجل.
ففي كل شيء له آية         تدل على أنه واحد
 
ولأن الفطر مستقر فيها معرفة الله تعالى بآياته ونعمه أما كيف تكون الدعوة إلى الله تعالى فإنك تجده في القرآن الحكيم وسيرة النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم تجده في قوله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125] وفي قوله:﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ  * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت:32، 35]، ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الأنعام: 108]، ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف:199، 200] وفي آية هو السميع العليم، وفي قول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم:﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾  [يونس: 31] ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ﴾ [النمل: 69]، ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ [سبأ:24، 26] إلخ هذا تعليم الله لرسوله في موضع الرفق والملاينة، وقوله:﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الأنفال: 38]، ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [آل عمران: 12] في موضع المخاشنة والوعيد والتهديد ولا ريب أن من الناس من ينقاد بالرفق ويسترقه اللين ويعطفه العتاب، ومنهم من قست قلوبهم وغلظت طباعهم فلا يؤثر فيهم إلا الكلام الشديد كالتهديد والوعيد أو لمعان الحديد وقطع الوريد على أَن الداعي إلى الله لا يمتشق حساماً ولا يكره إنساناً بل يحبب الله إلى عباده ويعرفهم به ويقودهم بالحسنى إليه وإنما يضطر إلى امتشاق الحسام وإشراع الرمح والسنان إذا صودر في دعوته واعتدي على دينه ووقفت شياطين الإنس تحول بينه وبين هداية عباد الله إلى الله وإقامة ما أمر الله به من العدل والإحسان وإزالة ما نهى عنه من الظلم والعدوان وعبادة الأوثان مما يجعل الإنسان الذي كرمه الله أَخس أنواع الحيوان.
 
ولقد لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة بين قومه ثلاث عشرة سنة يدعوهم باللين والرفق وهم يؤذونه ويؤذون أصحابه بما قدروا عليه حتى هاجروا غير مرة ولم يكف المشركين ذلك حتى بيتوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم آخر الأمر ولولا أنّ الله أمره بالهجرة منها لبقي صابراً محتسباً.
 
فالدعوة إلى الله تكون بالرفق واللين ومقابلة السيئة بالحسنة والإعراض عن الجاهلين وتحمل أذاهم بالصبر الجميل والدعاء لهم بالهداية إلى أقوم سبيل ولولا أنّ الرفق واللين في الدعوة من أسباب نجاحها وأنهما من الحكمة المشار إليها بقوله تعالى:﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ﴾ [النحل: 125] لما أمر موسى عليه السلام أن يقول لفرعون حين أمره بالتوجه إليه ودعوته إلى الله ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه:43، 44] فالقول باللين يشرح الصدر ويفسح للنفس مجالاً للتفكر ويرغبها في القبول وأما الشدة فهي مدعاة للتنفير والإعراض عن الداعي وسبب في صرفه عن الدعوة والاشتغال بما أثار من شَر كان كامناً وفتنة كانت نائمة ومضاعفة مرض كان على وشك الشفاء لو صادف طبيباً ماهراً وسائساً حكيماً فينبغي للداعي إلى الله أن يكون أوسع حلماً ممن يدعوه وأصبر على أذى يلاقيه وأن يكون سخياً في الحق موطناً نفسه على الشهادة في سبيل الله بادئاً من يدعوهم بما هو الأهم، ويجب أن يكن عاملاً بما يدعو إليه وإلا كان عمله المخالف لقوله حجة عليه ومناقضاً لما يدعو إليه.
 
إن الدعوة إلى الله لا تقوم إلا على أساس التوحيد وإخلاص الداعي لله، فأما إذا كان غير مخلص لم يثمر عمله وإن أثمر في الدنيا لم يكن له عليه ثواب في الآخرة.
 
المصدر:  مجلة الإصلاح، العدد الثالث، ربيع الأول سنة 1347هـ

شارك المقال

المرئيات-١