أرشيف المقالات

مظاهر نور الطاعة في الدنيا والآخرة

مدة قراءة المادة : 32 دقائق .
مظاهر نور الطاعة في الدنيا والآخرة
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...

أما بعد:
فالله جل جلاله نور، ورسوله صلى الله عليه وسلم نور، وكتابه النور، ودينه النور، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الله سبحانه وتعالى سمى نفسه نوراً، وجعل كتابه نوراً، ورسوله صلى الله عليه وسلم نوراً، ودينه نوراً، واحتجب عن خلقه بالنور، وجعل دار أوليائه نوراُ يتلألأ."
 
وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: النور جاء في القرآن منسوباً إلى الله جل وعلا وهو على قسمين:
أحدهما: نور يوصف به الرب سبحانه، وهذا من أسمائه وصفاته، فالله نور في ذاته، وفي أسمائه، وفي صفاته، وحجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه سبحانه وتعالى، فهذا النور من صفات الله تعالى وهو غير مخلوق.
 
الثاني: نور مخلوق مثل نور الشمس والقمر والمصابيح والنجوم وهو نوعان:
أحدهما: معنوي: وهو نور الإيمان في القلوب، وهو المذكور في قوله تعالى: ﴿ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [النور:35]
الثاني: نور حسِّي: مثل نور الشمس، ونور القمر، والكواكب، والمصابيح، هذا كله مخلوق لله تعالى".
 
وقال العلامة السعدي رحمه الله: فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات، ولهذا كل محل يفقد نوره فثمَّ الظلمة والحصر، وقال الشيخ أبو بكر جابر الجزائري: كل نور حسي، أو معنوي، الله خالقه، وموهبه، وهادٍ إليه."
 
ومن رحمة الله بعباده أن بعث إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه ليخرجهم من الظلمات إلى النور قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [إبراهيم:5] وقال عز وجل: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [المائدة:15-16] وقال عز وجل ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ﴾ [المائدة:44] وقال عز وجل: ﴿ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ﴾ [المائدة:46].
 
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم:1] قال العلامة السعدي رحمه الله: يخبر تعالى أنه أنزل كتابه على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لنفع الخلق، ليخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والأخلاق السيئة، وأنواع المعاصي، إلى نور العلم والإيمان والأخلاق الحسنة.
 
ومن يعيش في ظلمات الكفر والشرك والجهل والمعاصي فهو في واقع حاله ميت، قال الله عز وجل: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام:122] قال العلامة ابن القيم رحمه الله: يصف سبحانه هذا الضرب من الناس بأنهم أموات غير أحياء، وبأنهم في الظلمات لا يخرجون منها، ولهذا كانت الظلمة مستولية عليهم من جميع جهاتهم، فقلوبهم مظلمة ترى الحق في صورة باطل، والباطل في صورة الحق، وأعمالهم مظلمة، وأقوالهم مظلمة، وأحوالهم كلها مظلمة، وقبورهم ممتلئة عليهم ظلمة، وإذا قُسمت الأنوار دون الجسر للعبور عليه بقوا في الظلمات، ومدخلهم في النور مظلم...فالظلمة لازمة لهم في دورهم الثلاث."
 
ومن كان أعمى البصيرة في الدنيا، فإنه يوم القيامة أعمى البصر والبصيرة، قال الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء:72] وأعمى البصيرة في ظلمات وهو لا يشعر فقلبه مظلم ووجه مظلم وكلامه مظلم وحاله مظلم.
 
إن من يعيش في تلك الظلمات ليس كمن يعيش في نور التوحيد، والإيمان، والتقوى، والطاعة، والصلاح، فالظلمات لا تستوي مع النور أبداً، قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ﴾ [فاطر:20-21] ومن يعيش في تلك الظلمات فحياته قلق ورعب، وحزن وهم، وضيق وغم، وحيره وخوف، وتخبط وضياع، قال الله عز وجل: ﴿ ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ﴾ [النور:40] أما من يعيش في نور الإيمان والطاعة فحياته فرح وسرور، وراحة نفسية، وطمأنينة قلبية، وانشراح الصدر، حياة لو ذاقها الملوك وأبناء الملوك لقاتلوهم عليها بالسيوف.
 
الظلمات متنوعة، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الخارجون عن طاعة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ومتابعتهم يتقلبون في عشر ظلمات: ظلمة الطبع، وظلمة الجهل، وظلمة الهوى، وظلمة القول، وظلمة العمل، وظلمة المدخل، وظلمة المخرج، وظلمة القبر، وظلمة القيامة، وظلمة دار القرار.
 
ومع كثرة وتنوع الظلمات، فإن لكل ظلمة نور يداويها، قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ: " الظلمات جاءت في القرآن على أنواع:
الظلمة الأولى: ظلمة الشرك...ونورها توحيد الله عز وجل
الظلمة الثانية: ظلمة الجهل، ونورها العلم بالله عز وجل
الظلمة الثالثة: ظلمة البدعة والخروج عن صراط النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به ونورها باتباع السنة
الظلمة الرابعة والأخيرة: ظلمة الهوى، والمعصية، والشهوة، ونورها بتقوى الله جل جلاله، والخوف من لقائه.
 
فهذه أنواع الظلمات في القرآن...ولهذا ما أعظم الحاجة إلى أن يتخلص الإنسان من الظلمات، ولا بدَّ لكل قلب من نوع من أنواع الظلمة قلت، أو كثرت."
 
ومن يعيش في ظلمات الكفر والشرك والبدعة، يعتقد بجهله أنه يستطيع إطفاء نور الله، وهو دينه، بكثرة الجدال، قال الله عز وجل: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة:32] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى يريد هؤلاء الكفار من المشركين وأهل الكتاب ﴿ أن يطفئوا نور الله ﴾ أي ما بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق بمجرد جدالهم وافترائهم فمثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشمس أو نور القمر بنفخه، وهذا لا سبيل إليه، فكذلك ما أرسل به رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بدَّ أن يتمَّ ويظهر، قال العلامة السعدي رحمه الله: ﴿ ويأبى الله إلا أن يتم نوره ﴾ أنه النور الباهر، الذي لا يمكن لجميع الخلق لو اجتمعوا على إطفائه أن يطفئوه، والذي إنزاله جميع نواصي العباد بيده، وقد تكفل بحفظه من كل من يريده بسوء."
 
والمسلم عندما يتيقن هذه الحقيقة يطمئن قلبه وتهدأ نفسه، فمهما عمل وكاد الضالون فالله جل جلاله ناصر دينه، ولو كره الكافرون.
 

لنور الطاعة أسباب، تجمعها طاعة الله، ومن تلك الأسباب:
تحقيق أركان الإيمان وشعبه والمداومة على ذلك الإيمان: اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، له أركان ستة هي: ( الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره ) كما جاء ذلك في حديث جبريل عليه السلام، والإيمان له بضع وسبعون شعبه فأفضلها: ( قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) كما جاء ذلك في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري والإمام مسلم، رحمهما الله، فمن رام النور التام، فعليه بالإتيان بالإيمان اعتقاداً وقولاً وعملاً، مع تحقيق أركانه، وشعبه، والمداومة على ذلك، والاستمرار والثبات، نسأل الله الثبات.
 
قال الله عز وجل: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾ [البقرة:257] قال العلامة السعدي رحمه الله: أخبر تعالى أن الذين أمنوا بالله وصدقوا إيمانهم بالقيام بواجبات الإيمان، وترك كل ما ينافيه، أنه وليهم، يتولاهم بولايته الخاصة..فيخرجهم من ظلمات الجهل والكفر والمعاصي والغفلة والإعراض، إلى نور العلم واليقين والإيمان والطاعة والإقبال على ربهم، وينور قلوبهم، بما يقذفه فيها من نور الوحي والإيمان."
 
وكلما ازداد المؤمن إيماناُ كلما كمل نوره نسأل الكريم من فضله، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وكلما كمل الإيمان ازداد الإنسان نوراً، وقال الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ: واختلاف النور باختلاف الإيمان، واختلاف منزلة العبد في تحقيق الإيمان...فليس إيمان كل أحدٍ متساوياً..وتفاوتهم في الإيمان..هذا بحسبه يكون اختلاف النور.
 
تقوى الله عز وجل والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم:
قال الله عز وجل: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28]
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ: التقوى في القرآن والسنة على ثلاث مراتب، وهي:
المرتبة الأولى: تقوى الله بالإسلام والتوحيد، والكفر بالطاغوت والشرك.
المرتبة الثانية: تقوى الله بامتثال الواجبات وترك المحرمات
المرتبة الثالثة: تقوى الله بامتثال المستحبات، وترك المكروهات، وترك ما يؤدي إلى المشتبهات، والمحرمات،
 
والإيمان المراد به: التصديق الجازم الذي لا شبهة فيه، الذي يقارنه القول والعمل بأن محمداً هو رسول الله، وخاتم الأنبياء، والمرسلين، وأن ما جاء به حق، وأن رسالته نسخت ما قبلها من الرسالات."
 
غضُّ البصر عما حرم الله:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: غضُّ البصر عن الصورة التي نُهي عن النظر إليها كالمرأة والأمرد الحسن يورث ذلك ثلاث فوائد جليلة القدر...الفائدة الثانية: يورث نور القلب والفراسة...والله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله فغض بصره عما حرم يعوضه الله عليه من جنسه بما هو خير منه فيطلق نور بصيرته ويفتح عليه باب العلم والمعرفة والكشوف ونحو ذلك مما ينال ببصيرة القلب، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: في غضِّ البصر عدّة منافع....الرابع: أنه يكسب القلب نوراً.
 

التمسك بما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:
من رام النور التام فعليه بالتمسك بما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإن ذلك يزيده نوراً، قال الله عز وجل: ﴿ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ [المائدة:15] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:ما جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم كله نور..يشع، إن تأملت أخباره استنرت بها، وأحكامه كذلك، فهو نور يستنير به الإنسان في طريقه إلى الله عز وجل، وفي طريقه إلى معاملة عباد الله، هو أيضاً نور في القلب، فكل من تمسك بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ازداد نوراً في قلبه.
 
أداء الصلاة بطمأنينة وخشوع:
عن أبي مالك الأشعري عز وجل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن –أو تملأُ- ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور...الحديث) [أخرجه الإمام مسلم] قال الإمام النووي رحمه الله: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة نور ) قيل معناه أن يكون أجرها نوراً لصاحبها يوم القيامة...وقيل معناه أن تكون ظاهراً على وجهه يوم القيامة، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله قوله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة نور ) فهي نور في الوجه، وفي القلب، وفي القبر، ويوم القيامة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق فقال: ( الصلاة نور )
 
العفة:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: سورة النور: سُمِّيت بهذا الاسم لقوله تعالى: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [سورة النور:35] وإذا تأملت السورة وجدت ذكر النور فيها، وأن الله نور السموات والأرض، وقوله جل جلاله: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [سورة النور:40] تبين لك أن العفة من أسباب نور القلب"
 
المشي في الظلم إلى المساجد:
عن بُريدة عز وجل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ) [أخرجه أبو داود والترمذي]
 
قال الإمام العيني رحمه الله: البشارة: الإخبار بما يظهر سرور المخبر به، المشائين: جمع مشاء، مبالغة ماشي...والمراد..من هذه الصيغة، تكثير الفعل، وهو الذي يكثر مشيه إلى المساجد في الظلم، والظُلَم، بضم الظاء وفتح اللام، جمع ظلمة، وفيه حثّ وتحضيض في كثرة السعي إلى المساجد في ظلمات الليالي، وبشارة أن جزاءه يوم القيامة: نور تام حين يموت الناس في الظلمات؟
 
وقال الإمام المباركفوري رحمه الله: المشائين: جمع المشاء وهو كثير المشي، ( النور التام) الذي يحيط بهم من جميع جهاتهم أي على الصراط.
 
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، ومعهما مثل المصباحين، يضيئان بين أيديهما، فلما افترقا صار مع كل واحد منهما واحد، حتى أتى أهله.[أخرجه البخاري]
 
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: المشي إلى المساجد، والرجوع منها، في الليالي المظلمة، ثوابه النور من الله عز وجل...فإنه أفضل ما مشى إليه المسلمون في الدنيا.
 
وقال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي: وفي إعطائهما النور دليل على أن المشي إلى المساجد من أسباب النور التام يوم القيامة.
 


ملازمة أحب البقاع لله عز وجل المساجد:
قال عز وجل ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور:35-37] قال العلامة السعدي رحمه الله: لما كان نور الإيمان والقرآن أكثر وقوعه أسبابه في المساجد ذكرها منوهاً بها.
 
الدعاء بطلب النور:
عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى، وكان يقول في دعائه: (اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي بصري نوراً وفي سمعي نوراً وعن يميني نوراً وعن يساري نوراً وفوقي نوراً وتحتي نوراً وأمامي نوراً وخلفني نوراً واجعل لي نوراً)[متفق عليه] قال كريب: فلقيتُ بعض ولد العباس فحدثني بهن، فذكر عصبي ولحمي، ودمي، وشعري، وبشرى، وذكر خصلتين.
 
ذكر ابن بطال كما نقل عنه الحافظ ابن حجر رحمهما الله في الفتح: أن الخصلتين اللتين نسيهما: ( اللهم اجعل في عظامي نوراً وفي قبري نوراً ) وقال الحافظ ابن حجر: إن الأظهر أن المراد بهما: اللسان والنفس، وقال الإمام القرطبي رحمه الله: وهذه الأنوار التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن تحمل على ظاهرها، فيكون معنى سؤاله: أن يجعل الله له في كل عضو من أعضائه نوراً يوم القيامة، يستضئ به في تلك الظلم، هو ومن تبعه، أو من شاء الله تعالى ممن تبعه، وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: فطلب صلى الله عليه وسلم النور لذاته ولأبعاضه ولحواسه الظاهرة والباطنة ولجهاته الست.
 
التوبة النصوح:
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم:8] قال العلامة السعدي رحمه الله: أمر الله بالتوبة النصوح في هذه الآية، ووعد عليها بتكفير السيئات، ودخول الجنات، والفوز والفلاح، حين يسعى المؤمنون يوم القيامة بنور إيمانهم، ويمشون بضيائه، ويتمتعون بروحه وراحته، ويشفقون إذا طفئت الأنوار التي تعطى المنافقين، ويسألون الله أن يتم نورهم فيستجيب الله دعوتهم، ويوصلهم بما معهم من النور واليقين إلى جنات النعيم، وجوار الرب الكريم، وكل هذا من آثار التوبة النصوح، والمراد بها: التوبة الشاملة لجميع الذنوب، التي عقدها العبد لله، لا يريد بها إلا وجه الله، والقرب منه، ويستمر عليها في جميع أحواله.
 

من مظاهر نور الطاعة في الدنيا والآخرة:
النور في القلب:
من نور الطاعة ما يكون في القلب، قال ابن عباس رضي الله عنه: إن للحسنة نوراً في القلب".
ويظهر أثر نور القلب في: محبة الله عز وجل، وتعظيمه، وإجلاله، وكثرة ذكره، وفي الامتناع عن المعاصي، وفي كثرة الطاعات، قال العلامة السعدي رحمه الله: وهذا النور الذي يكون في القلب هو الذي يمنع العبد من ارتكاب الفواحش".
 
ويظهر أثر ذلك نور القلب في قوة الفراسة، ودقة الاستنباط للإحكام الشرعية، وزيادة المعرفة بشريعة الله،، وغير ذلك، قال الله عز وجل: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ [الزمر:22] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية الكريمة: أن من شرح الله صدره للإسلام فقبل الحق، فإنه على نور من ربه، ويتفرع عليها: زيادة علمه، لأن العلم نور، كما قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ [النساء:174] ويتفرع عليها: قوة الفراسة بمعنى أن الله يعطى الإنسان فراسة، بحيث يعلم ما في قلوب الناس من لمحات وجوههم، بل أكثر من ذلك يستدلُّ بالحاضر على الغائب ويُعطيه استنتاجات لا تكون لغيره.
 
ويظهر أثر نور القلب في انكشاف حقائق الأشياء له، في والفرقان بين الحق والباطل، فهو يمشي بين الناس كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله: كما يمشي الرجل بالسراج المضيء في الظلمة، فهو يرى أهل الظلمة في ظلماتهم، وهم لا يرونه، كالبصير الذي يمشي بين العميان، وقال رحمه الله: أضاء لهم نور الوحي المبين فرأوا في نوره أهل الظلمات في ظلمات آرائهم يعمهون، وفي ضلالتهم يتهوكون، وفي ريبهم يترددون.
 
ومما ينبغي التنبيه إليه أن ليس كل ما يقع في القلب من إلهامات يكون صحيحاً، فمنه ما هو من الكريم الرحمن، ومنه ما هو الشيطان، قال العلامة السعدي رحمه الله: ما يقع في القلوب من الإلهامات والكشوف، التي يكثر وقوعها...لا تدل بمجردها على أنها حق، ولا تصدق حتى تعرض على كتاب الله وسنة رسوله، فإن شهد لها بالقبول، قبلت، وإن ناقضتها ردت، وإن لم يعلم شيء من ذلك، توقف فيها ولم تصدق، ولم تكذب، لأن الوحي والإلهام يكون من الشيطان، فلا بد من التمييز بينهما والفرقان، وبعدم التفريق بين الأمرين، حصل من الغلط والضلال، ما لا يحصيه إلا الله."
 
النور في الوجه:
قال ابن عباس رضي الله عنه: إن للحسنة ضياءً في الوجه، وقال الإمام النووي رحمه الله:قوله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة نور) قيل معناه أنها تكون نوراً ظاهراً على وجهه يوم القيامة، ويكون في الدنيا أيضاً على وجهه البهاء، وقال العلامة السعدي رحمه الله: ومتى امتلأ القلب من هذا النور فاض على الوجه، فاستنار الوجه، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: تجد للعلماء الربانيين، نوراً في وجوههم يكاد يكون محسوساً، أما المعنوي فمعلوم حتى لو كان العالم الرباني جلده ليس بأبيض فإنه يستنير وجهه، والنور شيء واللون شيء آخر.
 
ونور الوجه يُعطي صاحبه المهابة، والجلالة، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ترى صاحب إتباع الأمر والسنة قد كُسي من الروح والنور وما يتبعهما من الحلاوة والمهابة والجلالة والقبول ما قد حُرمه غيره، كما قال الحسن: إن المؤمن رُزق حلاوة ومهابة، وقال رحمه الله: المهابة أثر من آثار امتلاء القلب بعظمة الله ومحبته وإجلاله، فإذا امتلاء القلبُ بذلك حلَّ فيه النورُ، ونزلت عليه السكينة، وأُلبس رداء الهيبة، فاكتسى وجهُه الحلاوة والمهابة، فأخذ بمجامع القلوب محبةً ومهابةً.
 
النور الحسي:
الأصل في نور الطاعة أنه معنوي، لكنه قد يكون لبعض الأشخاص حسياً، كرامة من الله عز وجل لهم، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله وقوله: ﴿ نور ﴾ يُحتمل أن يكون نوراً حسياً، أو معنوياً."
 
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، ومعهما مثل المصباحين، يضيئان بين أيديهما، فلما افترقا صار مع كل واحد منهما واحد، حتى أتى أهله.[أخرجه البخاري] وجاء في لفظ أنهما: أُسيدُ بن خضير، وعبَّادُ بن بشر، رضي الله عنهما، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكرامات الصحابة والتابعين بعدهم، وسائر الصالحين كثيرة جداً، مثل: ما كان لعباد بن بشر وأسيد بن خضير، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: في حديث الباب..إكرام الله تعالى هذين الصحابيين بهذا النور الظاهر، وادخر لهما يوم القيامة ما هو أعظم وأتمّ من ذلك إن شاء الله تعالى، وقال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله: وهذا من كرامات الله لأوليائه، وقال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي: وهذا نور حصل لهما في الدنيا، وما أعده الله لهما في الآخرة أعظم.
 
النور بعد الموت:
ويظهر نور الطاعة بعد الموت، فيما يشاهد من نور لبعض الموتى، من الشهداء، ومن غيرهم من الصالحين، ممن ذكر مغسلي الموتى أنهم رأوا نوراً منهم، وهم يغسلونهم.
 
النور في القبر:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ونوراً أيضاً في القبر، فإن الإنسان إذا كان مؤمناً – جعلنا الله منهم – يفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه من روح الجنة ونعيمها.
 
النور عند الموت:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: روح المؤمن إذا بشرت بهذا، خرجت من البدن بسهولة، لأنها ستفارق المألوف لكن إلى ما هو خير منه، فيسهل عليها أن تخرج، بخلاف روح الكافر، والعياذ بالله، فإنها إذا بُشِّرت بالنار تفرقت في البدن، فتؤخذ منه بشدة، ولهذا يشاهدُ بعضُ الأموات حسِّياً استنارة وجهه...وحدثني شخص وهو ثقة لاسيما في هذا القول وقد حضر جنازة رجل مُحتضر أعرفه من عباد الله الصالحين ومن طلبة العلم يقول إنه في غرفة بالمستشفى فإذا بنور قد ملأ الغرفة ولا أستطيع أن أصفه لأنه شيء عظيم..فبدأ الموت بهذا الرجل سبحان الله هذا يدلُّ على أن الملائكة تنزلت بنور لهذا الميت وهذا شيء أنا أشهدُ به عليه وأنا أعرفُ حال المشهود له بأنه رجل حرِي بذلك."
 
النور في عرصات القيامة:
من أعظم آثار نور الطاعة: النور التام يوم القيامة، فأهل هذا النور هم أهل المشي في الناس في العرصات، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: أهل النور هم أهل المشي بين الناس، ومن سواهم أهل الزمانة والانقطاع، فلا مشي لقلوبهم ولا لأحوالهم ولا لأقوالهم ولا لأقدامهم إلى الطاعات، وكذلك لا تمشي على الصراط إذا مشت بأهل الأنوار أقدامهم"
 
في عرصات القيامة أهوال وشدائد، من أكرمه الله جل جلاله بالنور نجا منها، قال الشيخ عبدالعزيز بن صالح آل الشيخ: النور الذي يعطيه الله عز وجل المؤمن، ويؤتاه المؤمن من الذكور والإناث، هذا النور نور حقيقي...نور مخلوق يعطاه المؤمن، ليبصر موضعه، وليكون دليلاً على موضع الصراط، لأن جهنم قبلها، وبينها وبين العرصات ظلمة عظيمة، هذه الظلمة لا يتجاوزها، ويبصر موضع الصراط الذي هو موضع الطريق إلى تجاوز دار الهوان، والعذاب، أعاذنا الله منها، إلا من أوتى نوراً."
 
قال الله عز وجل: ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾[الحديد:12،13] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يقول الله تعالى مخبراً عن المؤمنين المتصدقين أنهم يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم في عرصات القيامة بحسب أعمالهم كما قال عبدالله بن مسعود في قوله تعالى ﴿ يسعى نُورُهم بين أيديهم ﴾ قال: على قدر أعمالهم، يمرون على الصراط، منهم من نوره مثل الجبل، ومنهم من نوره مثل النخلة، ومنهم من نوره مثل الرجل القائم، وأدناهم نوراً من نوره في إبهامه يتقدم مرة ويطفأ مرة...وعن أبي أمامة قال: يبعث الله ظلمة يوم القيامة، فما من مؤمن ولا كافر يرى كفه، حتى يبعث الله بالنور إلى المؤمنين بقدر أعمالهم...وعن ابن عباس بينما الناس في ظلمة، إذ بعث الله نوراً، فلما رأى المؤمنون النور، توجهوا نحوه، وكان النور دليلاً من الله إلى الجنة"
 
وقال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: في هاتين الآيتين.بشارة عظيمة وتخويف كبير، أما البشارة فهي لأهل الإيمان بأن الله عز وجل يكرمهم أيما إكرام، وينزل السكينة والطمأنينة عليهم في العرصات، حيث يعطيهم الله عز وجل النور الذي يسعى بين أيديهم...وفيها: تحذير كبير، وتخويف، وإنذار للمنافقين، والمنافقات الذين ما دخل نور الله عز وجل إلى قلوبهم، بأنهم يسلبون النور الذي به البصر يوم القيامة، وبه الطمأنينة، وبه السكينة بما يستقبلون من الأمر، فيسلبون النور، ويُخدعون، بأن يُقال: ارجعوا ورائكم فالتمسوا نوراً، فيرجعون فلا يجدون نوراً."
 
وكلما عظم نور المؤمن في الدنيا كلما عظم نوره الذي في الآخرة، قال العلامة ابن القيم رحمه الله قال أُبي بن كعب رضي الله عنه: " المؤمن مدخله نور، ومخرجه نور، وقوله نور، وعمله نور" وهذا النور بحسب قوته وضعفه يظهر لصاحبه يوم القيامة، فيسعى بين يديه وبيمينه، فمن الناس من يكون نوره كالشمس، وآخر كالنجم، وآخر كالنخلة السحوق، وآخر دون ذلك حتى إن منهم من يُعطى نوراً على رأس إبهام قدمه، يضيء مرة، ويطفئ أخرى كما كان نور إيمانه ومتابعته في الدنيا كذلك فهو هذا بعينه يظهر هناك للحس والعيان"
 
وقال الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ: من عظم نوره في الدنيا بتحصيله وكسبه، عظم نوره في الآخرة يوم تزل القدم، ويوم تفترق النفوس، والقلوب بين ناج، وبين مكردس، أسأل الله عز وجل أن يجنبنا الخذلان، وأن يمنّ علينا بالنجاة، وقال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله: إذا كان يوم القيامة، وكورت الشمس، وخسف القمر، وصار الناس في الظلمة، ونصب الصراط على متن جهنم، فحينئذ ترى المؤمنين والمؤمنات، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، فيمشون بإيمانهم ونورهم في ذلك الموقف الهائل الصعب، كل على قدر إيمانه، ويبشرون عند ذلك بأعظم بشارة، فيقال: ﴿ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ فالله ما أحلى هذه البشارة بقلوبهم وألذها في نفوسهم، حيث حصل لهم كل مطلوب محبوب ونجوا من كل شر ومرهوب، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: كلما قوي إيمان العبد وكلما قوي طلبه للحق فإن الله تعالى يهديه ويزداد نوره، وكلما ضعف إيمان العبد أو ضعف طلبه للحق، فإنه يضعف نوره...فكلما نقص الإيمان أو نقص طلب الحق فإنه ينقص هذا النور.
 
الظلمات التي يجدها من حُرِمَ نور الطاعة:
ظلمة القلب:
قال ابن عباس رضي الله عنه: إن للسيئة ظلمة في القلب، وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة والمضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله، فمنها...ظلمة يجدها في قلبه حقيقة يحسُّ بها كما يحسُّ بظلمة الليل البهيم إذا ادلهم، فتصير ظلمةُ المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الفجور من أسباب ظلمة القلب، ولذلك فإن الزنا سواء كان بالعين أو بالرجل أو باليد أو باللسان أو بالفرج تأثيره على القلب وعلى نور القلب أعظم من غيره"
 
ظلمة في الوجه:
قال ابن عباس رضي الله عنه: إن للسيئة سواداً في الوجه، قال الله عز وجل: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ [آل عمران:106] قال العلامة السعدي رحمه الله: يخبر تعالى بتفاوت الخلق يوم القيامة في السعادة والشقاوة، وأنه تبيض وجوه أهل السعادة، الذين آمنوا بالله، وصدقوا رسوله، وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه...وتسود وجوه أهل الشقاوة، الذين كذبوا رسله، وعصوا أمره، وفرقوا دينهم شيعاً، وقال العلامة ابن القيم رحمه الله عن آثار المعاصي القبيحة: ظلمة يجدها في قلبه حقيقة...وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعلو الوجه وتصير سواداً فيه يراه كل أحد"
 
ظلمة في القبر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن هذه القبور مملوة ظلمة على أهلها)[أخرجه مسلم] قال ابن علان رحمه الله لعدم المنافذ التي يدخل منها الضوء إليها فلا ينيرها إلا الأعمال الصالحة.
 
من حجب الله النور عنه، فبسبب إعراض العبد وعدم رغبته في الخير، وعدم قيامه بالأعمال التي تكون سبباً في حصوله على هذا النور، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: اعلم..أن حجب الله النور عن العبد ليس منعاً لفضله تبارك وتعالى فإنه سبحانه وتعالى ذو الفضل العظيم، والعطاء أحبُّ إليه من المنع، والهداية أحبُّ إليه من الإضلال، لكن المرء نفسه هو الذي منع نفسه هذا النور، واقرأ قول الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [الصف:5] واقرأ قول الله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾ يعني عن الحق وأعرضوا عنه: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ﴾ [المائدة:49] يتبين لك إن إضلال الله للعبد وحجب النور عنه بسبب نفسه فهو الذي لم يهتدِ...فينبغي بل يجب على المرء أن يلجا إلى الله دائماً بأنه يسأله أن ينور قلبه.
 
اللهم نسألك النور التام يوم القيامة

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢