أرشيف المقالات

شهر رمضان: وقفة تعبدية

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
شهر رمضان: وقفة تعبدية
 
شاء الله تعالى أن يكون صيام شهر رمضان ركنًا جليلًا من أركان الدين الإسلامي، واختار الله سبحانه وتعالى هذا الشهر من بين شهور السنة، فأنزل فيه القرآن العظيم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وذكر ذلك - سبحانه - في كتابه العظيم؛ فقال جل وعلا: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185].
 
الصيام هو في اللغة الإمساك، ويستعمل في كل إمساك؛ يقال: صام: إذا سكتَ، وصامت الخيل: وقفتْ، وفي الشرع إمساك مخصوص عن شيء مخصوص، في زمن مخصوص من شخص مخصوص، ويقال: رمضان وشهر رمضان، وهذا هو الصحيح الذي ذهب إليه البخاري والمحققون، قالوا: ولا كراهة في قول: رمضان، وقال أصحاب مالك: يكره أن يقال: رمضان، بل لا يقال إلا شهر رمضان، سواء إن كان هناك قرينة أم لا؛ (المجموع؛ النووي، كتاب الصيام، صوم شهر رمضان).
 
ومن فوائد الصيام الإمساك عن كل ما يشغل القلب عن تعظيم أحداث نزول القرآن العظيم، والوقوف على آيات وجود الله الذي جاء من عنده هذا القرآن، وإنه لحدث عظيم أسس مبادئ الدين الإسلامي، وابتدأ به بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جاء صومه في شهر تضمَّن هذه الأحداث الكبيرة في تاريخ العالمين، وفي الصيام أعمال جليلة تستوجب نية الالتزام بكل ما يعنيه الصوم من إمساك عن كل ما تنزع إليه النفس مما لا يرضاه الله لعباده من أحوال المِراء ودروب العبث وكل متاهات التيه، والارتقاء بنفوسهم المؤمنة في هذا الشهر؛ تاركةً كلَّ ما علِق بها من شوائب الدهر التي لا تناسب قدر هذا الشهر الفضيل، لتسلك بذلك مسلك التعبد لله وحده.
 
لقد كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قبل بعثته يَختلي في غار حراء أيامًا متتالية يتعبد فيها، تاركًا فضول المباحات، مقتصرًا على ما هو ضروري، يتفكَّر في أحوال قومه المختلفة، ويتعمق في الآفاق، حتى جاءه الفرقان، وهو ما كان يبحث عنه صلى الله عليه وسلم، وابتدأ معه سبيل الهدى.
 
قال ابن حجر رحمه الله: "فذكر من رواية ابن إسحاق: كان يخرج النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل بعثته إلى حراء في كل عام شهرًا من السنة، يتنسَّك فيه، يطعم من جاءه من المساكين، ورمضان هو الراجح لما تقدم من أنه الشهر الذي جاء فيه في حراء، فجاءه الملك؛ (فتح الباري، كتاب التعبير، باب أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي).
 
أراد الله أن يرسل ملكه جبريل عليه السلام بالوحي العظيم إلى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وهو في حالة عبادة، وهي أفضل حالة عند الله تعالى ليمن عليه صلى الله عليه وسلم، ويعلمه ما لم يعلمه عن خالق الإنسان والعبادة اسم يليق بفعل كل ما يحب الله تعالى ويرضاه؛ قال ابن تيمية رحمه الله: "تتضمن العبادةُ الذلَّ لله بغاية المحبة له"؛ (فتاوى ابن تيمية).
 
ولمكانة هذا الشهر عند الله تعالى، فإن الله فرض صيامه على المؤمنين به كعبادة تليق بهذا الشهر، لِما في الصيام من أعمال جليلة، ووقوف على أحوال الإيمان واستعانة بالله وحده في ذلك، ورجاء المغفرة منه تعالى والعفو والاستقامة.
 
فصيام هذه الأيام المعدودات المباركات عبادةٌ لله وحده، ومكسبٌ للمؤمن، فهو الذي يجازي عليها بالكيفية التي يريدها هو وحده سبحانه وتعالى مما يناسب حكمتَه تعالى وعِلمه؛ قال صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي).

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢