أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: القوة والنصر
مدة
قراءة المادة :
17 دقائق
.
أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلاقته بالنصر القوة والنصر
تعريف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند العلماء:
• المعروف: هو اسم جامع لكل ما عُرِف من طاعة الله - تعالى - والتقرب إليه، والإحسان إلى الناس.
• المنكر: ضد المعروف، وهو: كل ما قبَّحه الشرع وحرَّمه وكرهه؛ فهو منكر.
• وقيل: إن المعروف هو كل ما أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم.
• والمنكر: كلُّ ما نهى الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عنه.
• وقيل: الأمر بالمعروف: الدعوة إليه، والترغيب فيه، وتمهيد أسبابه حتى تتوطد أركانه وتتطرق سبله ويعم الخير به.
• النهي عن المنكر: الصد عنه، والتنفير منه، ومقاومته، وقطع السبل عليه حتى لا يقع أصلاً، أو يتكرَّر.
أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلاقته بالنصر:
1- القوة والنصر:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدِّيان إلى الاتحاد والقوة بين المسلمين، وإذا كان بيننا اتحاد وقوة، فإن النصر حليفنا، وهو قادم لا محالة في وقت قريب.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادةٌ، نَعَم إنها عبادة؛ لأنها تقرِّبنا إلى الله، وكل ما يقرِّبنا إلى الله - تعالى - فهو عبادة، ولأن الله - تعالى - أمرنا أن نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر، وكلُّ أمر من الله - تعالى - فهو عبادة، وقد خلقنا الله - تعالى - لنعبدَه؛ فقد قال - عز ذكره -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وهذه العبادة من أهم العبادات، فبها يتعامل المسلمون، وبها يتناصحون، وبها يتذاكرون، ومنها يتحابون ويتَّحِدون، وفي كلٍّ تقرب إلى الله - تعالى.
إن عبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من العبادات التي تجعل الأمة كالبنيان الواحد، فنراها مرة تداوي الجروح، ونراها مرة تجمع الفرقاء، وتارة تستدعي القلوب إلى سبيل الحق، هذه العبادة من أكثر العبادات انتشارًا واختلاطًا بين المجتمع الواحد، وعليه فإن المجتمع لن ينشق أبدًا إلى طوائف وفرق؛ لأن تضميد الجروح التي نتجت عن المعاصي موجود بين المسلم وأخيه المسلم، ومن خلال هذه العبادة، فلن نجد فاسدًا يَعِيث في الأرض فسادًا إلا ووجدنا داعي الحق يأخذه إلى أرض الحق، ولن نجد عاصيًا يعبث في الأرض إلا ووجدنا داعي الحق يأخذه إلى أرض الحق، ولن نجد مبتدعًا يهرف بما لا يعرف في الدين إلا ووجدنا داعي الحق يأخذه إلى أرض الحق، ومن هذا كله نجد أن الجميع في سفينة واحدة، لن تغرقها أمواج المنكرات العالية، ولن يزلزلها فساد القلوب المتحجرة، ولن تنخر فيها وساوس الأفكار العلمانية، ولن تحركها ريح البدعة.
ومن هذا المنطلق، فإن عبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل إلى الوحدة التي تجمع المسلمين في أرض واحدة تدافع عن دينها وأرضها، ولن ترضى بالهزيمة من أعدائنا، ولن ترضى بالشتات نتيجة مؤامرات الأعداء، ولن تقف مكتوفة اليدين أمام أفعال وأباطيل الأعداء، وبها فإن النصر سيكون حليفنا، ولن يبقى للصهاينة وجود على أراضينا، ولن يستمرَّ الذل طويلاً، وسترضخ المهانة لكرامتنا، وستعود أراضينا، وسيعود ديننا، وسينتشر في بقاع الأرض، ولن توقفَه قوة سلاح أو عتاد؛ لأننا انتصرنا على التشتت والفرقة، فكيف ننهزم من سلاح وعدد وعُدَّة زائلة فانية ومعنا قوة معنوية، وهي قوة الوحدة التي لا تزول إلا بزوال موت الأمة.
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدخلان الإنسان في معاناة مع بعض ضعاف النفوس والقلوب، وقد نقل عن أُوَيس القرني أنه قال: (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يَدَعْ للمؤمن صديقًا، نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضًنا، ويجدون على ذلك أعوانًا من الفاسقين، حتى والله لقد رموني بالعظائم، وايم الله، لا أدعُ أن أقوم فيهم بحقه)، فمن هذا دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له من المشقة وله من الجهد الذي قد يهوي بالإنسان إلى غير رجعة، إلا مَن صبر واحتسب أمره إلى الله، فيجد - بإذن الله - الخير، وسيجد تقاربًا بينه وبين المسلمين، بل سيكون سببًا لاتحاد المسلمين، فالنصيحة سبيل إلى الاتحاد، ولكن في كل ذلك لا بد من الصبر؛ فعن سفيان قال: (اسلكوا سبيل الحق، ولا تستوحشوا من قلة أهله)، وبالرغم من ذلك، فإن الآمرينَ بالمعروف والناهين عن المنكر لا يزالون في كل زمان، حتى ولو كثرت البدع، وعن الحسن قال: (لن يزال لله نصحاء في الأرض من عباده، يعرضون أعمال العباد على كتاب الله، فإذا وافقوه حمدوا الله، وإذا خالفوه عرفوا بكتاب الله ضلالة مَن ضل، وهُدَى مَن اهتدى، فأولئك خلفاء الله).
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أساسيات بناء مجتمع واحد متَّحد قوي، بل إنه يعتبر تصحيحًا للأخطاء التي يقع فيها المسلمون، فنجد شخصًا يخطئ في الدين، فنرده عن ذلك بالمعروف، ونساعده على العودة للدين الصحيح، ومن ذلك نضع الإسلام في مكانه الحقيقي دون إفراط أو تفريط، فلن نجد أصلح من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ليكون سلاحًا قويًّا ضد المبتدعة، والعلمانيين، وأعداء الدين، وكل مَن عاونهم من أبناء القردة والخنازير.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الحقائق الموجودة في ديننا، إذا طبقناها كنا أنفع الناس، وأزهى الأمم، وأقوى الشعوب، بل هذه هي البداية على طريق النصر على الأعداء - ومنهم إسرائيل - ولكن إذا عدلنا عن ذلك، فلن تقوم لنا قائمة، وسنكون آخر الناس، وأضعف الشعوب، وأذل الأمم؛ لأننا عدلنا عن الحق، واتبعنا الضلالة والهوى، وتركنا المنافقين يحرِّفون ديننا، وتركنا المبتدعة يتمسَّكون ببدعتهم الضالة، دون رادعٍ بالمعروف وبغير المنكر، فالأمة لا يفرِّقها شيء، فلا يتعامل الداني بشرع والقاصي بشرع آخر؛ فالشرع واحد، فلو وجدنا شخصًا يخرِّب في ديننا، فلا بد من ردعه بالكتاب والسنة، بالحسنى دون تفريط أو إفراط، ولو تركناه دون رادعٍ، فلن يبقى من الإسلام شيء؛ لأن كل مَن سوَّلت له نفسه بهدم الدين قد نخر في الإسلام كالسوس الذي ينخر في الخشب حتى يتلفَه، فكلنا في سفينة واحدة، لا فرق بين مَن يسكن في أعلاها وأسفلها؛ فعن ابن بَشِير - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمَثَل قومٍ استهموا على سفينة، فصار بعضُهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استَقَوا من الماء مرُّوا على مَن فوقهم، فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نَجَوا ونَجَوا جميعًا))؛ (رواه البخاري ومسلم).
فإذا وجدنا شخصًا يتعدَّى على حدود الله - تعالى - فيجب نهيُه عن ذلك بالمعروف؛ لنساعده على الخير، أما لو تركناه هكذا، فإننا سنغرق معه، فحدود الله - تعالى - وضعها لحكمةٍ لا ندرك إلا بعضَها، لا يجوز أن نتعداها، وإذا وجدنا أحدًا يتعداها وجب علينا كمسلمين نهيه؛ حتى لا يخرب ديننا، فإذا قمنا بواجبنا نحو الدين فلن نجد إلا النصر على الأعداء، وعلى رأسهم بنو صهيون، ومن والاهم.
ولهذا الحديث أهمية عند أهل العلم؛ لأنه يعد فاتحة عبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جاء في شرح رياض الصالحين:
(مثل القائم في حدود الله والواقع فيها: القائم فيها؛ يعني: الذي استقام على دين الله، فقام بالواجب وترك المحرم، والواقع فيها؛ أي: الفاعل للمحرم، أو التارك للواجب، كمثل قوم استهموا على سفينة؛ يعني: ضربوا سهمًا - وهو ما يسمَّى بالقرعة - أيهم يكون الأعلى؟ فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء؛ يعني: إذا طلبوا الماء ليشربوا منه، مرُّوا على مَن فوقهم، يعني: الذين في أعلاها؛ لأن الماء لا يقدر عليه إلا من فوق، فقالوا: لو خرقنا في نصيبنا؛ يعني: لو نخرق خرقًا في مكاننا نستقي منه حتى لا نؤذي من فوقنا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا))؛ لأنهم إذا خرقوا خرقًا في أسفل السفينة دخل الماء، ثم أغرق السفينة، وإن أخذوا على أيديهم ومنعوهم من ذلك نجوا ونجوا جميعًا؛ يعني: نجا هؤلاء وهؤلاء.
وهذا المَثَل الذي ضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - هو من الأمثال التي لها مغزًى عظيم ومعنى عالٍ، فالناس في دين الله كالذين في سفينة في لجَّة النهر، فهم تتقاذفهم الأمواج، ولا بد أن يكون بعضهم - إذا كانوا كثيرين - في الأسفل، وبعضهم في الأعلى؛ حتى تتوازن حمولة السفينة، وحتى لا يضيق بعضهم على بعض.
وفيه أن هذه السفينة المشتركة بين هؤلاء القوم إذا أراد أحدُهم منهم أن يخربها، فإنه لا بد أن يمسكوا على يديه، وأن يأخذوا على يديه؛ لينجوا جميعًا، فإن لم يفعلوا هلكوا جميعًا، هكذا دين الله، إذا أخذ العقلاء وأهل العلم والدين على الجهال والسفهاء، نجوا جميعًا، وإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا)؛ انتهى.
وقال العلماء في شرح هذا الحديث:
(بيَّن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الشريف أن هلاكَ المجتمع إنما هو نتيجةٌ محتومة لتركِ أصحاب المنكر والعصاة يعيثون في الأرض فسادًا، وعدم الأخذ على أيديهم، وإن المنكر قد يُرَى في أول الأمر هينًا وبسيطًا، كالخرق في السفينة، فإن تُرِك مع بساطته وعدم اتساعه، فَشَا في المجتمع وازداد، حتى يؤول في آخر المطاف إلى بلاء عظيم، وقد يؤدي إلى القضاء عليه، وهذه سنة من سنن الله - عز وجل - أشار إليها في قوله: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25].
في هذا الحديث مثَّل النبي - صلى الله عليه وسلم - المجتمع الإنساني بركَّاب سفينة، ومثَّل النظم والآداب التي تحفظ هذا المجتمع وتعصمه - بإذن الله - بهيكل السفينة وجوانبها، وأصبح واضحًا من التمثيل أن على كل راكب أن يحافظ على سلامة حدودِها التي حدَّها الله بها بين الحياة والموت، والنجاة والهلاك.
ثم قسَّم - صلى الله عليه وسلم - المجتمع بالنسبة للمحافظة على هذه الحدود إلى طبقتين؛ طبقة المحافظين عليها والقائمين على حراستها، وهم الطبقة العليا، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وطبقة المنتهكين لها الواقعين في مخالفتها وهي الطبقة السفلى أهل المنكر والمعصية.
ثم وضَّح - صلى الله عليه وسلم - أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة هذا المجتمع، فذكر أن الطبقة السفلى ترغب في ارتكاب جريمة إبادةٍ عامَّةٍ بغباوة، وحسن نية، وعاطفة حب؛ لأنه صعب عليها أن تتسبَّب في مضايقة العليا بمرورها بها صاعدة نازلة، كلما أرادت شيئًا من الماء، فهداها تفكيرها إلى أن تخرق مكانها من أسفل السفينة لتستقي منه ولا تؤذي جيرانها!
إن أصغر خرقٍ هنا يساوي أوسع حيِّز لهذا المجتمع كله كما قيل، وإن السكوت على هذه الجريمة النكراء جريمة أخرى أشد نكرًا، وأعظم خطرًا، وإن ضرورة النجاة تفرض على أهل العقل والطبقة العليا أن يقوموا فورًا بالضرب على أيدي الأسفلين الذين يريدون أن يُغرِقوا المجتمع كله بحمقهم وسوء عملهم.
ومما تضمنه الحديث يتضح أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يساوي حياة المجتمع وسلامته، وأن أي تهاون في القيام به لا جزاء له إلا أن تهوي السفينة بالجميع إلى القاع، وأن يصبح الكل من المهلكين المغرقين)؛ انتهى.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من سمات المؤمنين؛ لذلك كان على الله - تعالى - أن ينصرهم حيث قال: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، ومع ذلك نجد البعض يتهاون في الدين، فنرى البدع ونسكت عنها، ونرى المعاصي والفجور في الطرقات والشوارع دون أن يحرك ذلك في قلوبنا شيئًا، وكأن حدود الله - تعالى - لا تعنينا، وللأسف نجد مَن يقول من المسلمين: لهم دينهم ولنا ديننا، مستدلين بقوله - تعالى -: ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 6]، ونَسُوا أن ذلك مع مَن لا يَدِينُون بديننا، وبسبب تجاهلنا لما يحدث من منكراتٍ، أصبحت هذه المنكرات من المباحات، وكأن الشرع تبدَّل بشرع آخر، بل يزيد الأمر حزنًا أن نجد البعض يفعل هذه المنكرات بدعوى الإباحة؛ ظنًّا منه أن ما يفعله مباح، كما يحدث من المبتدعة الذين ابتدعوا في الدين، ظنًّا منهم أن ذلك من المباحات، فالواجب علينا أن نأمرهم بالمعروف، وننهاهم عن المنكر؛ حتى نكون من المفلحين، قال - تعالى -: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]؛ ففي الآية بيان الإيجاب، فإن قوله - تعالى -: ﴿ وَلْتَكُنْ ﴾ أمر، وظاهر الأمر الإيجاب، وفيها بيان أن الفلاح منوط به، إذ حصر وقال: ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾، وفيها بيان أنهن فرض كفاية لا فرض عين، وأنه إذا قام به جماعة سقط الحرج عن الآخرين، واختص الفلاح بالقائمين به المباشرين، وإن تقاعد عنه الخلق أجمعون، عمَّ الحرج كافة القادرين عليه لا محالة، وقال - تعالى -: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 113، 114]، فلم يشهَدْ لهم بالصلاح بمجرد الإيمان بالله واليوم الآخر، حتى أضاف إليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"[1]؛ فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، فإذا قام به مَن يكفي، حصل المقصود، وإذا لم يقم به مَن يكفي وجب على جميع المسلمين، وقد ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن التخلف عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من موجبات سخط الله - تعالى - وعقابه؛ حيث قال: ((والذي نفسي بيده، لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عذابًا منه، فتدعونه فلا يستجيب لكم))؛ (رواه الترمذي).
الأمة المحمدية إنما نالت الخيرية بكونها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؛ قال - تعالى -: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "كنتم خيرَ الناس للناس، تأتون بهم في القيود والسلاسل حتى تدخلوهم الجنة"، فبيَّن الله - سبحانه - أن هذه الأمة خير الأمم للناس، فهم أنفعهم لهم، وأعظمهم إحسانًا إليهم؛ لأنهم كملوا كل خير ونفع للناس، بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر من جهة الصفة والقدر؛ حيث أمروا بكل معروف، ونهوا عن كل منكر لكل أحد).
"إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوى بساطه وأهمل علمه وعمله، لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد، وقد كان الذي خفنا أن يكون، فإنا لله وإنا إليه راجعون؛ إذ قد اندرس من هذا القطب عمله وعلمه، وانمحق بالكلية حقيقته ورسمه، فاستولت على القلوب مداهنة الخلق، وانمحت عنها مراقبة الخالق، واسترسل الناس في اتباع الهوى والشهوات استرسال البهائم، وعزَّ على بساط الأرض مؤمن صادق لا تأخذه في الله لومة لائم، فمَن سعى في تلافي هذه الفترة وسد هذه الثلمة، إما متكفلاً بعملها، أو متقلدًا لتنفيذها، مجددًا لهذه السُّنة الدائرة، ناهضًا بأعبائها، ومتشمرًا في إحيائها، كان مستأثرًا من بين الخلق بإحياء سنة أفضى الزمان إلى إماتتها، ومستبدًّا بقربة تتضاءل درجات القرب دون ذروتها"[2].
[1] إحياء علوم الدين للغزالي.
[2] إحياء علوم الدين للغزالي.